سياسة الإصلاح الزراعي للحزب الشيوعي الروماني

غورغي غورغيو ديج وبيترو غروزا /

كانت الملكية   الجماعية   إحدى ركائز العقيدة الاقتصادية الشيوعية . فقد عمل  النظام الشيوعي  على إلغاء الملكية  الخاصة واستبدالها  بالملكية  الجماعية  للثروة الطنية  بكافة  مكوناتها  بما فيه  وسائل الإنتاج . ولم  تدخر الدعاية   الشيوعية جهدا  لشيطنة  الملكية  الخاصة بذريعة أنها  السبب الرئيس    للظلم  وعدم  المساواة  واستغلال  الانسان من قبل الانسان . ومن أجل   تطبيق  العقيدة الاقتصادية الشيوعية   في  الزراعة  كان لا بد من إلغاء  الملكية الخاصة  للأرض  وسائر وسائل الإنتاج   وهو ما  حصل فعلا  في الاتحاد السوفييتي بعد  الثورة  البلشفية  عام 1017  وثم  في  جميع البلدان التي قام  الجيش  السوفييتي  باحتلاها بعد عام 1945  على الرغم من أن السياسة الاقتصادية الجديدة التي كان لينين  قد  أطلقها  في عام 1921   كانت  تجيز بعضا من  أشكال الملكية الخاصة في الزراعة.

ولكن  بعد وفاة لينين في عام 1924  أقدمت  السلطات السوفيتية على إلغاء  الملكية الخاصة في الزراعة  عبر مصادرة  الأراضي  من ملاكها   ومعظمهم  من  أصحاب  الأراضي  متوطسة  الحجم   الذين سرعان ما   صنفوا   كأعداء لطبقتي  العمال والفلاحين الكادحين  وثم  ورحلوا  إلى معسكرات غولاغ  سيئة  الصيت .

عملية  إلغاء الملكية الخاصة   في الزراعة  انطلقت في رومانيا  في  السادس  من مارس آذار  عام 1945  بعيد  تنصيب  الحكومة الموالية  لموسكو  برئاسة  بيترو غروزا  وسوقتها  الدعاية الرسمية   على أنها  الإصلاح  الزراعي المنشود   . لكن  قبل إطلاق   الإصلاح الزراعي  رسميا  كانت   الجبهة الوطنية الديمقراطية  وهي مجموعة من  الأحزاب السياسية الخاضعة لسيطرة   الحزب الشيوعي قد أطلقت  حملة دعائية  في المناطق  الريفية  بهدف تحريض الفلاحين  على احتلال  الأراضي الزراعية التي زادت  مساحتها عن خمسين  هكتارا بالقوة  .وفي الثالث والعشرين  من مارس  آذار عام 1945 أقرت  حكومة بيترو غروزا قانون  الإصلاح الزراعي الذي  قضى  بنزع  حق الملكية عن أصحاب  الأرضي الزراعية التي  زادت مساحتها  عن خمسين  هكتارا  وتسليم تلك الأراضي  للفلاحين  الفقراء  .

ومع  مصادرة  الأراضي  تمت أيضا  مصادرة  كافة وسائل الإنتاج . ويقول المؤرخون أن  النظام الشيوعي استخدم  قانون  الإصلاح  الزراعي  كأداة  دعائية  للإعلان  عن نجاحه في  القضاء على استغلال  الفلاحين  وذلك قبل  أشهر قليلة من  الانتخابات  التشريعية  التي كانت  مزمعة  في التاسع  من نوفمبر تشرين الثاني من نفس العام .

 

ميدانيا  جاء  تطبيق   قانون الإصلاح الزراعي مصحوبا  بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة وأعمال العنف . كما أدى تطبيق القانون إلى  تصعيد  التجاذبات  بين مختلف الفئات  من  الفلاحين  وأطلق العنان  للعصابات  المسلحة التابعة  للحزب الشيوعي  لممارسة الإرهاب  ضد الفلاحين  الذين رفضوا تسليم  أراضيهم وممتلكاتهم . وقد  سادت  أجواء  العنف وعدم الاستقرار المناطق الريفية  التي  تم  فيها   تطبيق  قانون الإصلاح  الزراعي  وهو ما  اعترف به  نشطاء  حزبيون  شيوعيين  في وقت  لاحق .

وكان  من بينهم  إيون بايكو  الذي تطرق  في  حديث  أدلى  به  لمركز التاريخ   المروي للإذاعة الرومانية  في عام 1971  إلى  الحوادث التي   وقعت  أثناء  تطبيق  قانون الإصلاح الزراعي في محافظة  ميهدينتسي جنوب غربي رومانيا : ” كان علينا  –  نحن نشطاء  الحزب  أن نبذل قدرا  كبيرا من الجهد لإقناع  ملاك الأراضي بتسليمها  وسائر الممتلكات  وكانوا  في بعض الأحيان  يهددون  بإطلاق  النار علينا . وأتذكر ان  واحدا  منهم  واسمه  إيون إيونيسكو أطلق النار على  جندي سوفييتي فور   وصول الجيش الأحمر إلى المنطقة لكنه لم  يبق  بدون عقاب  . بعد  ذلك   أرسل الحزب  مجموعات من  الرفاق والعمال إلى المنطقة لمواجهة ملاك الأراضي وتحريض  الناس  على  الانضمام إلى صفوفهم  لمواجهة  المعارضين .”

“ما أريد  التأكيد  عليه  هو أننا  لم  نكن  لنهزم  ملاك  الأراضي ومعارضتهم للإصلاح الزراعي  لولا  دعم الطبقة العمالية   بقيادة الحزب الشيوعي الروماني. كما  أريد أن أؤكد أن الطبقة العمالية   بقيادة الحزب الشيوعي الروماني وبمساعدة الفلاحين الفقراء نجحت في هزيمة  ملاك  الأراضي والبرجوازية الريفية “.

 

 

كان  قانون الإصلاح الزراعي الصادر عام   شعبويا  بكل المقاييس  لأن  الحزب الشيوعي كان  يسعى في ذلك الوقت  إلى  استمالة  الفقراء  من العمال والفلاحين . والحقيقة  أنه  لم يكن  في نية  الشيوعيين  لخطة  استبدال  الملكية  الخاصة  القديمة  بأخرى  جديدة .

 تودور كونستانتين  كان  ناشطا في الحركة النقابية منذ عام 1947  وفي مقابلة  مع  مركز التاريخ  المروي أجريت  معه في  عام   2003  روى  كيف  أصبح  مالكا  للأرض في قرية صغيرة  تبعد  ستين  كيلومترا  جنوبا عن العاصمة بوخارست :” في عام 1945   أعطوني  قطعة أرض مكافآة  لمشاركتي في الحرب . وبعد ذلك  عندما  بدأوا  بمصادرة   الأراضي الزراعية   صادروا  أيضا   قطعة  الأرض  تلك مني  بحجة أني لست  من السكان الأصليين  للقرية .خلاصة القول أنهم   صادروا  أراضي الإقطاعيين  وقسموها  ووزعوها  على   الفلاحين  الفقراء  عشوائيا .”

“لقد شارك في تلك العملية  ممثلون  عن  جبهة  الحارثين  وكان  معهم  ممثلون  عن الحزب الشيوعي  . كانوا   يرسمون  حدود  قطع الأرض  ثم يقولون   للفلاحين  : “هذه أرضك وهذه   أرض فلان” . وقد بقيت  تلك الأراضي  في حيازة  الفلاحين  لمدة  أربع  سنوات  فقط  أي  إلى حين  إطلاق  حملة  تأسيس  التعاونيات الزراعية .”

 

استمرت السلطات في تطبيق   قانون  الإصلاح الزراعي  الصادر  عام 1945 حتى عام 1949  فقط  ما يدل على أن  الهدف  الحقيقي  وراء إقراره   لم  يكن  لحظة  إجراء  إصلاح  حقيقي . فبعد تنازل الملك ميهاي الأول عن العرش  تحت  ضغط  الشيوعيين  في الثلاثين من  ديسمبر كانون الأول  عام   1947 وطرده  أصبح   الحزب الشيوعي حاكما  مطلقا   لرومانيا   وانتقل إلى تحقيق   الإصلاح   الزراعي   الذي  كان يتطلع إليه  منذ  اللحظة الأولى   وهو أن  يفرض على   جميع  ملاك  الأراضي  الزراعة بصرف  النظر عن  مساحة  مزارعهم     التنازل عنها   من أجل   تكوين  التعاونيات  الزراعية تطبيقا  لنظرية  “التحول الاشتراكي للزراعة”.