Category: صفحات من تاريخ رومانيا

  • المدينة غير المكتملة

    المدينة غير المكتملة

    بدأ تطور  المدن الرومانية الحديثة   أواسط القرن  التاسع عشر متبعا   نموذج  التمدن  الغربي. فقد  نصت الوثائق التأسيسية التي   تبنتها  إمارتا  مولدوفا وفالاهيا الرومانيتان  في عام 1831 على  البدء  بالتخطيط  العمراني  لعاصمتي  الإمارتين  من أجل  رفع المستوى  المعيشي  لسكانهما. وكانت بوخارست  عاصمة  إمارة  فالاهيا هي التي  انطلقت  فيها   عملية  التخطيط العمراني لتصبح  نموذجا  للمدن  الأخرى في الإمارة  التي لم  تتوان في  السير على  منوالها. لذا  فليس  من المبالغة  القول بأن  تاريخ  العمران  لمدينة بوخارست هو إلى حد كبير تاريخ العمران  لرومانيا برمتها  رغم  اختلاف  الرؤى  والتصورات  أو حتى  تناقضها  في أحيان   كثيرة حول  الحياة  الحضرية  بسبب امتزاج    العقليات  المحافظة  مع الأفكار المبتكرة.

    كتابات الرحالة  الذين زاروا  بوخارست  في القرن  التاسع عشر  تفيدنا  بأن  عاصمة  إمارة  فالاهيا  كانت  تحتفظ  بالطابع   الشرقي  بينما  كانت  تحاول  اللحاق  بركب المدن الغربية  والاستفادة  من المكتسبات  العصرية وكانت تتطلع إلى تقليد المدن الأوروبية الكبرى واستيعاب   الإبداعات العصرية  . والجدير بالذكر أن شخصيات  بارزة  في عالم السياسة والصحافة   تولت  في تلك الفترة   منصب   عمدة  بوخارست ومن بنيهم   أحد رواد  ثورة عام 1848   ديمتري  بريتيانو والصحفي والسياسي  روسيتي  والكاتب باربو شتيفانيسكو ديلافرانتشا  والسياسي  فينتيلا بريتيانو.

    ولكن فقط شخصيتين   اثنتين  يقترن  أسماؤهما  بالتطور غير المسبوق  الذي شهدته بوخارست  أثناء   توليهما   منصب  العمدة  وهما : رجل القانون والسياسة الليبرالي باكي بروتوبوبيسكو  عمدة بوخارست  بين عامي 1888 و1891  والسياسي المحافظ  ديم  دوبريسكو  عمدة بوخارست  بين عامي 1929 و1934 . وقد تزامنت ولايتهما  على رأس  بلدية العاصمة  مع  حكم  الملكين كارول الأول وكارول الثاني  وساهما  في  تطبيق رؤى  العاهلين  عن تحديث العاصمة  بحشدهما  الموارد اللازمة لتنفيذ  تلك  المشاريع  الكبرى التي شملت   إنشاء   الشوارع وشبكات المياه  والصرف الصحي ووسائل النقل العام بالإضافة إلى تنظيم مجاري  نهري دمبوفيتا وكولنتينا.

     وبعد عام 1945 طرح النظام  الشيوعي  عددا  من المشاريع  العمرانية من أجل  تحديث  العاصمة . فقد مرت بوخارست  في الحقبة الشيوعية  بتحولات كبرى  كان بعضها   إيجابيا  وكان  البعض الآخر   متناقضا  تماما مع   قواعد  التخطيط  العمراني. وقد  تمددت  المدينة عموديا   ولكن البناء  الأفقي  تغلب  على  البناء العمودي مع زيادة   تدفق السكان  من المناطق  الريفية  إلى المدنية على  خلفية  عملية  تصنيع  البلاد  التي انطلقت  في  سبعينيات القرن الماضي وزيادة  الحاجة إلى  العمالة  في المصانع  والمنشآت  الجديدة . كما ترك زعيما رومانيا الاشتراكية غورغي غورغيو   ديج  زعيم الحزب الشيوعي بين  عامي 1947 و1965  ونيكولاي تشاوشيسكو  الذي حكم رومانيا  بين   عامي 1965 و1989 تركا   بصمات عميقة  على  وجه  العاصمة الرومانية. يقول  المؤرخون أنه لا يمكن اعتبار  بناء  أي مدينة  عملية مكتملة  لأن  المدينة تتغير بتغير سكانها    عبر الزمن.

     

    تشيزار بويوماتشي المؤرخ لدى متحف  مدينة بوخارست  درس  تاريخ  التخطيط الحضري وتاريخ المعالم العامة  للعاصمة . وقد ألف  مؤخرا  كتاب   “المدينة غير المكتملة” الذي  يتناول فيه  التحولات الجذرية   التي شهدتها العاصمة الرومانية إبان الحقبة الشيوعية  بين عامي 1945 و1989: “المدينة غير المكتملة” هو الآخر  عمل غير مكتمل بمعنى  أن  التحولات  التي شهدتها المدينة  من الكثرة   بحيث  لا يمكن   تضمينها  في بحث واحد . لقد بدأت أدرس الموضوع   رغبة  مني في  فهم  ما   الذي  حدث لهذه المدينة لا سيما وأن  ما كتب  عنها  من قبل  هو خليط من المعلومات المتفرقة المأخوذة من   كتب ومقالات مختلفة لم تتناول الحقبة   الشيوعية بشكل  موضوعي   ولم تضع  بعين  الاعتبار أن ذكريات الناس  تشوهها   بعض التأثيرات  وخاصة مرور الوقت  .”

    شهدت  بوخارست  على  مدى المئتين  وخمسة وعشرين عاما على  إقامتها   سلسلة  من  الأحداث التاريخية  التي  تركت  بصمات  عميقة  عليها  وساهم   بعضها في تحولها  من  بلدة  متكظة  في أطراف  الساحة العثمانية  في نهاية القرن  السابع عشر  إلى ما هي عليه .  فقد ضربتها  الكوارث  منها   الطبيعية  كالزلازل المدمرة  والحرائق والأوبئة  ومنها تلك التي صنعها الإنسان  كالثورات والحروب والاحتلال الأجنبي وأخيرا عمليات التنظيم العمراني التي   أقدم عليها   النظام الشيوعي  في ثمانينيات القرن العشرين.

     حاول   تشيزار بويوماتشي تحديد  الأسباب  التي  جعلت من العاصمة الرومانية  ما  هي عليه  ونشر  استنتاجاته في كاتبه  بعنوان  ” المدينة غير المكتملة “:”ماذا حدث لهذه المدينة؟  كيف ظهرت على خريطة بوخارست  هذه الأحياء السكنية  الكبيرة  التي  تحيط بالمدينة القديمة؟ حاولت  الإجابة  عن  هذه الأسئلة  لكي أفهم  أنا  في المقام  الأول  ما الذي حصل  ولأقوم   فيم بعد  بنشر  المعلومات التي حصلت عليها لإفهام  الجميع   أسباب  عدم   اكتمال المدينة   وما الذي  حدث  لبوخارست  عبر العصور .

    المؤرخ رازفان تيودوريسكو كان يعتقد أن بوخارست كان لها ثلاثة مؤسسين وبناة  عظماء: هم الملكان  كارول الأول وكارول الثاني والزعيم الشيوعي  نيكولاي تشاوشيسكو. لكني لا أتفق معه وأقول أن الباني الثالث  في  التسلسل الآنف  ليس تشاوشيسكو  بل غوغريو  ديج  الذي رأس الحزب الشيوعي الروماني  قبل تشاوشيكو.المدينة  الحالية محاطة  بمدن أخرى هي في الواقع أحياء سكنية بحجم مدينة .أما  المدينة الحقيقية  أي  المدينة داخل المدينة – إن شئتم –   فقد  بنيت  في  عهد  غورغيو  ديج  وليس تشاوشيكو  من قام  ببنائها  إنما هو من  دمرها وفككها  إلى غير رجعة. ففي  عهد  تشاوشيسكو  لم  ينفذ   بشكل كامل  أي  من المشاريع  العمرانة المعتمدة  لا حتى مشروع  تدمير العاصمة. لذلك أقول إن بوخارست مدينة  غير مكتملة  .”

  • العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا واليابان

    العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا واليابان

    تعرف  الرومانيون واليابانيون   على بعضهم البعض قبل مائة  وخمسة  وعشرين عاما. ففي  مطلع  القرن العشرين  وتحديدا  في عام 1902 أجرى السفير الياباني في فيينا اتصالات مع الجانب الروماني معربا  عن رغبة بلاده   في إقامة علاقات   مع رومانيا  . وفي نفس العام  وقعت  رومانيا واليابان  على معاهدة تجارية  وضعت  الإطار القانوني لتطوير  العلاقات  الثنائية  . وقد وقفت  رومانيا  واليابان  في   خندق واحد بعد  اندلاع الحرب العالمية الأولى  بانضمامهما  إلى قوى  الوفاق. وفي شهر آب   أغسطس عام   1917 افتتحت في طوكيو الممثلية  الدبلوماسية  الرومانية  وفي عام 1922افتتحت  الممثلية الدبلوماسية   لليابان في بوخارست  . في عام   1922 أغلقت  الممثلية  الرومانية في طوكيو بسبب تخفيضات الميزانية  ليعاد  افتتاحها  في عام 1927   . واستمرت العلاقات بين رومانيا  واليابان  بدون انقطاع حتى شهر سبتمبر أيلول من عام    1944 . أما  في الحرب العالمية الثانية  فتحالفت  رومانيا واليابان  مرة أخرى  هذه المرة في إطار  قوى  المحور  إلى جانب  إيطاليا وألمانيا  .

    استؤنفت العلاقات  بين رومانيا واليابان  في عام 1959 وفي عام 1966عين إيون داتكو سفيرا  لرومانيا في طوكيو.

    في مقابلة أجراها معه مركز التاريخ المروي  للإذاعة الرومانية  في  عام 1994 تذكر داتكو أنه  لدى  وصوله  طوكيو  وتولي مهام  منصبه  لاحظ  أن  مسؤولين يابانيين   كثيرين  لم  يعرفوا عن رومانيا  إلا القليل: “كانت  قلة المعلومات حول  رومانيا  في الدوائر البرلمانية  والحكومية  مذهلة للغاية  . فلم يعرفوا  عن رومانيا إلا  القليل  .  فأتذكر أنه أثناء  مباحثاتي  مع المسؤولين اليابانيين لاحظت أنهم لم  يفهموا  أن  مواقف  رومانيا  تختلف  عن  مواقف   الاتحاد السوفييتي وكانوا ينظرون إلى  أوروبا الشرقية على أنها  كتلة واحدة لها  موقف موحد  . ولكن  لم  تكن اليابان الدولة  الوحيدة التي  كانت لديها   مثل هذه الرؤية  حيث  لمست الشيء نفسه أيضا في  الولايات المتحدة.

    ولكن الأمور كانت  مختلفة  تماما  في أوساط   رجال الأعمال  اليابانيين  الذين  كان  لديهم  لا بأس به من  المعلومات عن رومانيا . لقد زرت   العديد من الشركات  اليابانية  وكنا  نشتري  السفن من اليابان  ونقوم  ببناء السفن .وكانت   شركات الإلكترونيات الكبرى تدرس  السوق  الرومانية  . لقد لاحظت بشكل مباشر  الفرق اللافت  بين السياسيين ورجال الأعمال  من حيث  معرفتهم  برومانيا .”

    لكن  مفاجأة  كبرى  فجرها    الإمبراطور الياباني الراحل هيروهيتو  أثناء  استقباله  للسفير  الروماني :”كان الإمبراطور رجلا لطيفا  ودافئا  وودودا  للغاية. فوجئت بشكل لا يصدق وأنا  أدرك أن  الإمبراطور يعرف عن رومانيا أكثر مما يعرفه أعضاء الحكومة في ذلك الوقت. فأخذ يحدثني عن دلتا الدانوب وكان يعرف  الكثير عن  الحيوانات وخاصة الأسماك  وأراني  بعض الكتب في علم الحيوانات . فوعدته  بتقديم   بعض الكتب  عن  رومانيا  له  ولدى  عودتي  من   إجازتي  السنوية  في رومانيا جلبت معي   بعض الكتب التي احتوت على خرائط لدلتا الدانوب  وقدمتها   للإمبراطور . وكان يسألني دائما : كم من الوقت  يا ترى ستستمر هذه الجنة في أوروبا؟”  فقلت  له :”ربما تأتون  إلى  رومانيا   لزيارة منطقة  الدانوب والدلتا الدانوب والبحر الأسود وهي  منطقة  اعتبر  الإمبراطور  أنها جديرة  بالدراسة. ربما كان قد   درس علم الأحياء والحيوانات المائية .

    كانت القضايا الاقتصادية  تطغى على  العلاقات الرومانية اليابانية .وقال   إيون داتكو  إن اليابانيين قاموا  بتطوير  نوع جديد من الدبلوماسية هو الدبلوماسية الاقتصادية:”لقد كانت ولايتي   تركز على  الشؤون  الاقتصادية . ففي تلك الفترة كنا  نفكر في   تحديث   قدراتنا الصناعية  ومن بينها مصنع الألمنيوم. أتذكر أننا  كنا  ننتج الفولاذ وكنا نحاول التصدير أيضا  وتمكنا من تصدير منتجاتنا  حتى  إلى دولة منتجة  الفولاذ  بأنواع وأحجام معينة.  وكانت اليابان  في  ذلك الوقت  محط اهتمام من الناحية  الاقتصادية  وكانت تولي  أهمية   كبيرة  للدبلوماسية الاقتصادية وعملت  فعلا  على  تطويرها  وصقلها .  كنت  أعتقد  أنه لا يمكن  ممارسة  الدبلوماسية  الاقتصادية  بمعزل  عن  العوامل السياسية   والعسكرية  وما إلى ذلك  ولكن  اليابانيين  رفعوا الدبلوماسية الاقتصادية إلى مستوى أعلى  بحيث  كانوا  يحددون  أولويات  سياساتهم  الخارجية وفقا  لمصالحهم  الاقتصادية .”

     

     

  • العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وألمانيا الاتحادية

    العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وألمانيا الاتحادية

    ظهور الدولتين الألمانيتين على خريطة أوروبا بعد عام 1945  جاء  نتيجة للخلافات العميقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي حول  مصير ألمانيا –  الدولة  التي كانت أشعلت فتيل الحرب  حيث  أدت  تلك  الخلافات  في نهاية المطاف  إلى  تقسيم ألمانيا .فكانت  ألمانيا  الاتحادية  الغربية وألمانيا الديمقراطية  الشرقية  تنظران إلى إحداهما الثانية  بعداء شديد  دفع  ألمانيا الغربية  إلى  تبني عقيدة   هالشتاين  التي  حظرت  إقامة  علاقات  دبلوماسية  مع  البلدان التي اعترفت  بألمانيا  الشرقية . وسرعان ما  حذت  سائر دول  المعسكر  الغربي  حذو  ألمانيا  الاتحادية  وامتنعت عن  إقامة  علاقات دبلوماسية مع  بلدان  الكتلة الاشتراكية بما فيها رومانيا .

    لكن الأمور بدأت  تتغير  ابتداء  من النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين. ففي عام 1967  أقامت رومانيا  علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الغربية  تطبيقا  لرؤيتها  الجديدة  عن  العلاقات الأوروبية. وبالتالي قام  وزير الخارجية الروماني كورنيليو مانيسكو  بزيارة إلى  ألمانيا الاتحادية  تلتها  زيارة  رد  لوزير الخارجية الألماني الغربي فيلي براندت إلى بوخارست .وقد ساهمت   الزيارتان  في تحقيق التقارب بين  الدولتين  .

    في عام 1994  أجرى مركز التاريخ المروي  للإذاعة الرومانية مقابلة مع الدبلوماسي فاسيلي شاندرو  تطرق فيها  إلى زيارة  المسؤول الألماني الغربي لرومانيا: ” بعد  إقامة  العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قام نائب المستشار الألماني  فيلي براندت الذي كان يتولى  حقيبة  الخارجية أيضا بزيارة إلى رومانيا . ففي صيف عام 1966  كانت دول  الكتلة  الاشتراكية  قد  عقدت  في بوخارست اجتماعا للجنة الاستشارية السياسية لمعاهدة وارسو. وكان  البيان الختامي   الذي  أقرته الدول المشاركة  قد  نص على  عقد مؤتمر أوروبي حول التعاون والأمن في أوروبا  كما دعا إلى تطبيع العلاقات بين  الدولتين الألمانيتين. وفي  ضوء تلك الوثيقة  بادرت رومانيا إلى إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع ألمانيا الاتحادية  دون استشارة  حلفائها . فقد  أثار ذلك القرار استياء  الاتحاد السوفييتي ودول حلف وارسو الأخرى  التي ادعت أن إقامة العلاقات مع ألمانيا الاتحادية   كان ينبغي أن تأتي  بقرار مشترك  لجميع  بلدان الكتلة الاشتراكية .”

    قوبلت  المبادرة الرومانية  بالترحيب  من قبل ألمانيا الاتحادية :”كان  لمبادرة رومانيا صدى إيجابي  في   ألمانيا الاتحادية  وفي مطلع  عام 1967  اتخذت  الإجراءات الممهدة  لإقامة العلاقات الدبلوماسية  بين البلدين . وفي وقت سابق كانت  رومانيا   أقامت علاقات قنصلية وتجارية رسمية مع ألمانيا الغربية وفتحت  مكتبا  قنصليا وتجاريا في مدينة  كولونيا.  لذا فكان  الوقت  قد  حان  لرفع  تلك  العلاقات إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي الأعلى. وكانت  ألمانيا الاتحادية  تعتبر  إقامة العلاقات  الدبلوماسية   مع رومانيا  خطوة  نحو  التخلي عن عقيدة  هالشتاين وهي في الواقع  خطوة  مذهلة  في  وقت  كانت فيه  الحرب الباردة   بين الكتلين الرأسمالية  والاشتراكية في تصاعد  مستمر  وكانت  ألمانيا الغربية  ترفض  بحزم  إقامة أي نوع من الروابط  مع الدول التي كانت لها علاقات مع  ألمانيا الديمقراطية ولم  تكن تعترف بوجود دولة ألمانية ثانية.”

    قال  فاسيلي سشندرو بأن الانخراط  الشخصي  لمسؤولي البلدين في تلك المساعي  ساهم  بشكل كبير في خلق مناخ  إيجابي:  “في صيف عام 1967  زار  فيلي برانت  رومانيا واتجه إلى شاطئ البحر الأسود  حيث استقبله نيكولاي تشاوشيسكو وأجرى معه محادثة استمرت حوالي خمس ساعات  وتناولت  قضايا  سياسية على وجه خاص لكنها   لم  تقتصر على  بحث  الوضع السياسي في أوروبا  بل تناولت أيضا  العلاقات بين الأحزاب الشيوعية في أوروبا  الشرقية   والأحزاب  الاشتراكية  الغربية .

    وصل   فيلي برانت  إلى  رومانيا  مع  زوجته وابنه لارس  الذي كان  ناشطا في  الحركات  اليسارية  الألمانية  . يمكنني القول بأن  المسؤول  الألماني  أضفى على الزيارة صفة  شخصية إلى جانب صفتها الرسمية  بهدف  تعميق  التقارب  بين البلدين . وقد  نظم المسؤولون  الرومانيون  برنامجا  جذابا  منفصلا للسيدة براندت ونجلها . وقد  نالت  الزيارة  إعجاب الضيوف  الألمان  وأتاحت  لهم  مشاهدة عروض  الموسيقى  والرقص  الشعبيين  فضلا عن زيارة  بعض المعالم  الثقافية  والتاريخية والتعرف على  رومانيا بشكل أفضل”.

    في عام 1997 قال باول نيكولسكو ميزيل الزعيم الشيوعي السابق   والذي كان قبل عام 1989 مقربا من دوائر صنع القرار  إن إقامة العلاقات  الدبلوماسية  مع ألمانيا  الاتحادية لم تكن  بالأمر السهل : ” استمعت إلى مقابلة   تلفزيونية لوزير  الخاريجة  الروماني  الأسبق  كورنيليو مانيسكو حول إقامة العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية حيث  قال إنه ذهب إلى ألمانيا  واجتمع  مع براندت  الذي  قال له :  “دعونا نقم  علاقات دبلوماسيةفيما  بيننا ”   فاتفقا  وتصفاحا  وكان  كل شيء  على ما يرام ..دعونا نكن صريحين .أني  أعرف جيدا  كيف  سارت الأمور  إذ  كنت عضوا في هيئة الرئاسة الدائمة. لقد طرح  الأمر للنقاش  والبحث مرارا  وتكرارا   لأن  أحدا لم  يكن يعرف  كيف ستكون  عليه   ردود  فعل السوفييت  والدول  الاشتراكية الأخرى  وما إذا  كان  مثل هذا  القرار صائبا   أم  لا . لذا  فاستمرت  المناقشات لعدة أيام .وأخيرا  غادر  وزير الخارجية  إلى بون  حاملا  تفويضا  واضحا  ببدء  الإجراءات اللازمة  لإقامة  العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية.”

    في عام 1967 أصبحت رومانيا  ثاني دولة للكتلة الاشراكية  أقامت علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الغربية  بعد الاتحاد السوفييتي. وقد ساهم  ذلك في  إعادة  بناء علاقات  رومانيا  مع  الساحة  الألمانية  برمتها.

  • ثورة عام 1989 في رومانيا

    ثورة عام 1989 في رومانيا

    يقال إن إعادة  ترتيب الأمور   غالبا ما  تحصل  بعد انتخاب  شخصية    تتوفر فيها  خصائص  معينة رئيسا  لدولة  كبرى كما هو  الحال بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية  الأمريكية  في نوفمبر تشرين الثاني الماضي. ولكن عمليات إعادة ترتيب  الأمور تحصل  كذلك  عقب تحولات عميقة  كتلك  التي شهدتها   أوروبا الوسطى والشرقية في عام 1989  بعد سقو الأنظمة الشيوعية  تحت ضغط الاحتجاجات  الشعبية  كما  كان الحال  في بولندا والمجر وجمهورية ألمانيا الديمقراطية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا . فالأخيرة  خبرت الإطاحة  بالنظام   الشيوعي  إثر  ثورة  شعبية  مثلت  حالة  فريدة  بين   ثروات  عام 1989 في المنطقة بسبب  الطابع  العنيف  للمواجهة بين  الشعب والنظام وسقوط  كثيرين من الرومانيين   بين  قتيل وجريح  .

    وعلى الرغم  من  مرور  خمسة وثلاثين  عاما  على  ثورة عام 1989   في رومانيا  لا يزال  المحللون والمؤرخون يذكرون  بها  في أحاديثهم حول  الأوضاع  الحالية  اعتبارا  منهم  بأن   الثورة   هي  المرجع   الأساسي  لتقييم   التحولات  التي شهدتها  رومانيا  ولا تزال  تشهدها  منذ  أكثر من خمسة  وثلاثين عاما  ومنها   تحسن  الأوضاع  المعيشية  للمواطنين  وانضمام  رومانيا إلى  حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي إضافة  إلى منطقة شنغن. فكل  تلك الإنجازات   كانت  ممكنة  بفضل تضحيات  الرومانيين  في  ديسمبر عام   1989  والجهود التي  بذلها  المجتمع الروماني على  مدى  الخمسة  وثلاثين عاما الماضية  .

    المؤرخ فيرجيليو تساريو  الأستاذ في جامعة بابيش بوياي بمدينة   كلوج تطرق  إلى   عملية  الانتقال  من الحكم  الديكتاتوري إلى  الحكم  الديمقراطي  في رومانيا  وهي العملية التي  بدأت  في خضم    ثورة  عام 1989:”رغم  قصر الوقت   المتبقي  أي  حوالي عشر سنوات   إلى حين  تحقق  التساوي بين  مدة  الحكم الديمقراطي  ومدة   الحكم  الشيوعي  في أوروبا الشرقية يمكننا القول بأن الانتقال   من النظام   الشيوعي  إلى النظام الديمقراطي كان عملية  قصيرة  وطويلة  في آن واحد  فإذا جاء   التغيير   سريعا  على خلفية   الثورة  الشعبية  إلا أن  التحول  الحقيقي  استغرق  وقتا  طويلا  وكان  في الواقع عملية  معقدة  ومتعددة الجوانب اختلف  مسارها   من فترة إلى أخرى  ضمن   المرحلة  الانتقالية   على المستويين  الإقليمي والقومي .

    فعلى الرغم  من أن التغيير  كان  سريعا ظاهريا  إلا أن  الانتقال إلى الحكم الديمقراطي  كان عملية طويلة  بسبب  صعوبة  إقامة  نظام جديد  على  القاعدة  الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية  المتوارثة  عن النظام الشيوعي . فقد تبين  أن  عملية الانتقال  تلك  كانت شاقة ولم  تخل من التناقضات .”

    لا يمكن فهم الثورة الرومانية إلا في  السياق  السياسي الأوروبي الذي  نشأت  منه في عام  1989 والذي  يعتبره  المؤرخ  فيرجيليو تساراو إعادة ترتيب  كبرى  أفرزت  الواقع الذي  نعيشه  اليوم  :”أحداث عام 1989 قادت  العالم نحو اتجاه جديد. قيل آنذاك أنه كان  اتجاها أوروبيا مركزيا ديمقراطيا ليبراليا وتكامليا  سمح  لأوروبا الشرقية بالتخلي  عن   النظام السياسي القائم سواء  بالطرق  السلمية أو غير السلمية . وكان اتجاها  سمح  بتوحيد ألمانيا وثم أوروبا  في مشروع طموح شمل  القارة  العجوز برمتها  من البرتغال إلى دول البلطيق.  فافرص  التي توفرت  آنذاك  أفسحت المجال أمام   عملية عولمة جديدة  في وقت  بدا  العالم   فيه وكأنه كان قد تجاوز مرحلة  الحرب الباردة.”

    في تحليل المؤرخ البريطاني تيموثي غارتون آش لعام 1989 جاء  أن سبل  الإطاحة بالأنظمة الشيوعية في بلدان وسط وشرق أوروبا كانت إما سلمية  عبر الانتخابات أو ثورية  عنيفة :”تطرق  تيوثمي غارتون أش إلى  الأحداث التي وقعت  في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا في الأشهر الاخيرة من عام 1989  ولاحظ أن  حراك الشارع  المناوئ  للسلطة  الشيوعية  والضغط الذي مارسته  الاحتجاجات الشعبية   أديا إلى  الإطاحة بالنخب  السياسية الشيوعية الحاكمة . ويرى  تيموثري غارتون آش أن  جمود الحكم  وعمى بصيرة  الزعماء  العجائز  هونيكر وهوساك وتشاوشيسكو والطريقة العينفة التي  تعاملوا بها  مع  الأحداث الجارية  فضلا  عن غياب الحوار  سواء  داخل  دوائر السلطة الشيوعية  أو مع المعارضة  كلها مكونات   التغيير  الذي شهدته أوروبا الشرقية  في عام 1989.”

    بحلول عام  1989  كانت  الأنظمة الشيوعية  فاسدة  ومتعفنة: “بعيدا عن التأثيرات  الخارجية  فإن ” الوقائع التاريخية   أثبتت أن  الأنظمة الشيوعية سقطت  من الداخل  وأن المسؤولين  عن  ذلك  الانفجار الداخلي هم  الزعماء الشيوعيون أنفسهم بسبب  عجزهم  عن  إدارة نظام  كان  يزيد  فسادا واختلالا  يوما بعد يوم. وبمجرد أن  أصبح النظام الشيوعي غير قابل  للاستمرار تخلى عنه حتى من كلفوا  بإدارته من  المسؤولين  الحزبيين والتكنوقراط .”

    الثورة  الرومانية كانت  جزءا من  عملية إعادة الترتيب  الكبرى التي شهدتها أوروبا الوسطى والشرقية  في عام  1989.

  • صحيفة  “الشرارة”

    صحيفة “الشرارة”

    كانت الصحافة  سلاحا قويا  في أيدي الأنظمة الاستبدابية الشيوعية والفاشية . وقد  قامت  الأنظمة الشمولية  بتشويه  حق  وسائل الإعلام  في التعبير  عن آرائها  بحرية  وهو الحق  الذي اكتسبته الشعوب في  القرن  التاسع عشر وكرسته كحق عالمي للمرة الأولى بيان حقوق الإنسان والمواطنين الذي اعتمد في عام  1879. وقد ألغت  الأنظمة الشمولية الشيوعية والفاشية   الحق  واستبدلت حرية  التعبير بحرية  تكتيم الأفواه .

    وقد  جعلت الأنظمة  الشيوعية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية  من  الصحافة  آدة  أيديولوجية. ولم  تكتف الأحزاب الشيوعي  بذلك  بل قامت  بتأسيس صحف  خاصة بها  لتكون لسان  حالها وصوتها الرسمي . ففي الاتحاد السوفييتي  كانت هناك صحيفة  “برافدا” أي “الحقيقة”  التي تأسست  في عام 1912 والتي لا تزال تصدر في روسيا . وفي بلغاريا الشيوعية  ظهرت “رابوتنيتشيسكو ديلو” أو “أعمال العمال”  التي  صدرت  حتى عام 1990. في تشيكوسلوفاكيا السابقة  كانت  صحيفة   “رودي برافو ” أو “العدالة   الحمراء” التي صدرت حتى عام 1995 الصحيفة الرئيسة  للحزب الشيوعي  الحاكم .

    في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة  صدرت صحيفة   “نويس دويتشلاند” أي “ألمانيا الجديدة” في عام 1946  وهي لا تزال تصدر. وفي يوغوسلافيا السابقة   كانت صحيفة “بوربا” أي “النضال”  لسان حال  الحزب الشيوعي  وصدرت حتى عام 2009  ثم عادت  إلى الصدور  بشكل غير منتظم. وفي بولندا صدرت بين عامي 1948  و1990  صحيفة  “تريبونا لودو”  أي “منصة  الشعب”. وفي المجر هيمنت  صحيفة ” نيب سوبود”  أو “الشعب الحر”  على  سوق  الصاحفة المكتوبة  بين عامي 1945 و1956 أعقبتها  صحيفة “نيبسوبودشاغ”  أو “حرية الشعب” بين عامي 1956 و2016. في رومانيا كانت  صحيفة “سكانتيا”  أي “الشرارة” لسان حال  الحزب الشيوعي الروماني .

    تأسست صحيفة  “سكانتيا” في عام 1931 بعد حوالي عشر سنوات  من إعلان الحزب الشيوعي  حزبا خارجا عن القانون بسبب  مساعيه الرامية  إلى  تفكيك  رومانيا واستمرت في الصدور  بشكل غير  منتظم  حتى عام 1940. وأخذت  صحيفة  الحزب الشيوعي الروماني  اسمها من  صحيفة   “إيسكرا” أي “الشرارة  ”  التي صدرت بين عامي   1900 و1905 تحت إشراف الزعيم  البلشيفي   لينين . وصدرت صحيفة  “سكانتيا” الرومانية  بشكل قانوني للمرة الأولى في الحادي  والعشرين  من سبتمبر أيلول عام 1944 بعد  احتلال  الجيش الأحمر بوخارست في شهر آب أغسطس من نفس العام  وعلى  خلفية  تحركات  السوفييت الرامية إلى  فرض النظام الشيوعي على رومانيا .

    أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلة مع الناقد  رادو بوغدان في عام 1995. ولد بوغدان في عام 1920  وكان  مناصرا  للشيوعية  وأقام  علاقات  مع  أعضاء   في  الحزب الشيوعي الروماني خلال سنوات الحرب  العالمية الثانية  .

    أصبح  بوغدان  ناشطا  شيوعيا  بعيد  دخول السوفييت  إلى  رومانيا .  وتذكر  كيف شارك في إعادة تأسيس صحيفة  “سكانتيا ” الشيوعية : “لقد  تم  تكليف خمسة أشخاص  باتخاذ  خطوات عملية من أجل إصدار الصحيفة  من جديد  وكلف  ماتي سوكور برئاسة  هيئة  التحرير . فقد  عادت  الصحيفة إلى الصدور  مجددا  بفضل جهود أولئك الأشخاص .

    في ذلك الوقت  كنت  راغبا  في ممارسة مهنة  الصحافة ولم أكن أعرف من أين أبدأ  وكيف  فاتصلت  بأحد  أعضاء الفريق وقدمت نفسي  وسألته عما إذا كان بإلإمكان أن أنضم  إليهم    فعرض علي  العمل  مع  الفريق  ولكن  كعامل  تطوعي فقط . كانت فترة رومانسية   كنا  نسنهدي فيها  بالمثل العليا . فكلفوني  بتصحيح  النصوص  وكان  زميلي  مخرج  يدعى ميريل إليشيو. خلاصة القول أنني  ساهمت في  إصدار  العدد الأول من الصحيفة.”

    عبر المثقفون الشيوعيون المثاليون القدامى منهم  والانتهازيون  الجدد  على صحفات “سكانتيا” عن آرائهم  المناهضة للديمقراطية بشكل عدواني  للغاية . وكان من بينهم  الصحفي  سيلفيو بروكان  الذي  بقي  في المشهد  السياسي  بعد  الإطاحة بالنظام  الشيوعي في  عام 1989 وكان أحد أنشط  أعضاء الحزب الشيوعي منذ  ثلاثينيات القرن الماضي.

    تذكر  رادو بوغدان بدايات  صحيفة “سكانتيا” بقيادة عالم الاجتماع ميرون كونستانتينسكو:”عين  رئيس  هيئة تحرير  الصحيفة  ماتي  سوكور مديرا عاما  للإذاعة  بعد يوم واحد  من صدور  العدد الأول    وحل  محله  ميرون كونستانتينسكو الذي كان  قد خرج  من السجن للتو. كنا نعمل في الليل مرارا وكنا ننام على الأرض لأنه  ولم تكن  في المكتب أسرة. في البداية  اتخذت  الصحيفة  من مبنى صحيفة  “كورنتول ”  مقرا لها  بعد  إغلاقها  وكنت أرافق  ميرون كونستانتينيسكو  في زياراته  اليومية  إلى الاتحاد العام للعمال  لأنه  لم يكن يريد  أن  يمشي  في الشارع بمفرده ولذلك كان يأخذني معه دائما “.

    على مدى  السنوات الأربعين التالية  كانت “سكانتيا” مكتبا   للدعاية   الشيوعية  وعملت  على   إخفاء  الصعوبات المادية والانتهاكات الوحشية للحقوق التي عانى منها  الرومانيون. وعلى مر السنين  طالت  قائمة  المتعاونين معها   من المثقفين  البارزين الذين نشروا  مقالات على صفحاتها .

  • الأسرى  السوفييت في  رومانيا

    الأسرى السوفييت في رومانيا

    دخلت رومانيا الحرب العالمية الثانية في الثاني والعشرين من يونيو حزيران   عام 1941  إلى جانب  ألمانيا النازية وحلفائنا  وشنت  معها عمليات عسكرية ضد الاتحاد السوفيتي. ولكن لا بد  من توضيح   أن الاتحاد السوفييتي كان يعتبر دولة  معتدية على  رومانيا  بعد ضمه   منتقطي   باسرابيا وشمال بوكوفينا  الرومانيتين  إلى أراضيه   بمقتضى إنذار نهائي موجه  إلى الحكومة الرومانية  في يونيو حزيران عما 1940 طالبها  فيه   بتسليم  تلك الأراضي . وقام الجيش الروماني  أثناء   العمليات العسكرية تلك  بأسر  جنود سوفييت .

     

    فقد أسر الجيش الروماني في الفترة  ما بين  الثاني والعشرين  من   يونيو جزيران  عام   1941 والثالث  والعشرين  من  آب   أغسطس  عام 1944  واحدا  وتسعين ألفا  وستين  جنديا سوفييتيا وأرسل  اثنين  وثمانين ألفا وسبعة  وخمسين منهم  إلى  رومانيا  . وقال   المؤرخون  أليساندرو دوتسو  وفلوريكا دوبري وليونيدا لوغين في كتابهم  بعنوان  “الجيش الروماني في الحرب العالمية الثانية”  أن ثلاثة عشر ألفا وستمائة  وثمانين  من الأسرى  السوفييت  المحتجزين  لدى  الجيش الروماني  كانوا  من  أصول رومانية وتحديدا  من المناطق التي كان  الاتحاد  السوفييتي قد ضمها  في عام 1940 وأن  أكثر من  خمسة آلاف ومئتي  أسير  توفوا  في معسكرات  الاعتقال  وهرب منها أكثر من ثلاثة آلاف  وثلاثمائة  من الأسرى الروس.

    في  الثالث والعشرين  من آب  أغسطس  عام  1944 عندما   فسخت  رومانيا التحالف مع ألمانيا وانضمت إلى  صفوف القوات المتحالفة   كان لا يزال هناك في رومانيا   أكثر من   تسعة  وخمسين  ألف  أسير سوفييتي  وبينهم  أكثر  من ألفين وسبعمائة  ضابط   وأكثر من  سبعة  وخمسين ألفا من  ضابط صف والجنود . أما التركيبة  العرقية للأسرى السوفييت في رومانيا  فكان  أكثر من خمسة وعشرين ألفا  وخمسائة  منهم  من  الأوكرانيين   وسبعة عشر ألفا  وثمانمائة  وثلاثة  وثلاثين من الروس   بالإضافة  إلى  أعراق أخرى   مثل الأوزبيك  والقوزاق  والأتراك  والتتار والأرمن  والأذريين  واليهود والبولنديين  والبلغار وغيرهم

    وتظهر الوثائق أن الأسرى  السوفييت في رومانيا عوملوا وفق القانون الدولي الذي كان  ساري المفعول آنذاك . ولكن  في بداية الحرب  كانت   ظروف  الاعتقال رديئة وعزي إليها معظم  الوفايات ولكن بمجرد  إيداع  الأسرى  في  معسكرات  اعتقال  وتوفير  السكن  والطعام  ومستلزمات  النظافة الشخصية  والرعاية  الطبية لهم  تحسنت ظروف  الاعتقال بشكل  ملحوظ الأمر  الذي وثقته  تقارير  لجان المراقبة التابعة للجيش الروماني . وقد تم استجواب  الأسرى  السوفييت  وسمح  لهم  بالعمل  .

     العقيد أنتون دوميتريسكو  شارك في  عمليات الجيس الروماني  ضد ألمانيا  النازية  التي بدأت في الثالث والعشرين من  آب أغسطس عام  1944  حيث قام هو وأربعة من ضباط الصف باعتقال حاكم  رومانيا  المارشال أيون أنتونيسكو ونائب رئيس الوزراء ميهاي أنتونيسكو.

    في مقابلة أجراها   معه  مركز التاريخ  المروي  للإذاعة الرومانية   عام 1974  تذكر إنه قبل ذلك التاريخ  أرسل  إلى  مركز   لأسرى الحرب السوفييتي في مدينة  سلوبوزيا لجمع معلومات حيث  كانت أجهزة المخابرات الرومانية قد علمت بأن الألمان  جهزوا   المعتقل  لشن   عمليات ضد الجيش الروماني في حال قرر  الأخير   فسخ  التحالف  مع ألمانيا النازية  : “كان هناك  في  مدينة سلوبوزيا  مركز اعتقال  كبير   للأسرى الروس وكان الألمان قد  أسكنوا  فيه  عناصر  لقوات فلاسوف  وهي القوات الروسية بقيادة الجنرال فلاسوف التي  هربت من الجيش السوفييتي وانضمت إلى  القوات  الألمانية  وقاتل أعضاؤها الجنود  السوفييت   لابسين  الزي العسكري الألماني .علمت أن  الألمان  أرادوا   رداوا أن يتأكدوا من أن  تلك  القوات  لن  تتحالف  مع الروس  مجددا  لمحاربة القوات  الرومانية لكني  كنت  قد  تعرفت  على  قوات فلاسوف  في  القوقاز وأدركت  أنها  لن تسلم  نفسها للسوفييت أبدا خشية الإعدام “.

     المهندس ميرون تاسكا   عمل  في المصنع الفرنسي الروماني في  مدينة  برايلا  وتذكر الأسرى  السوفييت العاملين  في المصنع :” عملنا في مصنع برايلا مع مجموعة  من الأسرى السوفييت   ولذلك  يمكنني  التأكيد أنهم  عوملوا  معاملة  حسنة   للغاية .ولم يعملوا على الآلات وإنما  في  تفريغ وتحميل المواد والتنظيف وبعض الأعمال اليدوية الأخرى .. لكن  بمجرد وصول الجيش  السوفييتي  إلى رومانيا  أدرك  الأسرى أنهم سيعادون إلى  الاتحاد  السوفييتي. أتذكر أن أحدهم وهو أوزبكي  قال لي  أنه لا يريد العودة إلى الاتحاد السوفييتي  وطلب  مني المساعدة   لكي يبقى في رومانيا . كان شابا   مجتهدا وهادئا  ومنضبطا . وبطبيعة الحال  لم أستطع مساعدته  . الضباط الروس قاموا بتسجيلهم   تمهيدا  لإعادتهم إلى  الاتحاد  السوفييني  ولكن  ذلك الشاب المسكين  لم يكن  يريد  العودة  وربما  لم  يردها  كثيرون آخرون “.

    كريستينيل دوميتريسكو  كان طالبا  في المدرسة العسكرية أثناء الحرب  وفي عام 1998 قال  إنه تعرف  على  بعض الأسرى  السوفييت  قبل عام 1944: ” رأيت بعض الأسرى السوفييت .كانوا يسكنون  في مركز  لقوات الدرك  ويعملون في  تنظيف الطرق .في بعض الأحيان  كانوا  يعملون  في  بيوت  سكان المنطقة  مقابل الطعام  . ولكن  بعد  الثالث والعشرين  من آب أغسطس  عام 1944  كان  الأسرى الروس  أول  من  هربوا  من  رومانيا  ليس إلى  الاتحاد السوفييي  بل إلى أوروبا الغربية .يبدو أنهم أدركوا   أن  القادم  سيكون أسوأ .”

     

     

  • سلاح   البحرية  الروماني أثناء   الحرب العالمية الثانية

    سلاح البحرية الروماني أثناء الحرب العالمية الثانية

    يعود   تاريخ  سلاح  البحرية   الروماني إلى   منتصف القرن التاسع عشر بعد  اتحاد  إمارتي  مولدوفا  وفالاهيا الرومانيتين  وتوحيد  أساطيلهما  النهرية . في ذلك الوقت  لم يكن   لأي من الإمارتين  أسطول بحري  بسبب سيطرة  الإمبراطورية العثمانية  عليهما وأيضا على  منفذهما   البحري  وكذلك بسبب منعهما  من  امتلاك  أسطول بحري . ولكن بعد  استعادة  الإمارتين  الساحل  على   البحر الأسود إثر هزيمة  الإمبراطورية  العثمانية في حرب  الاستقلال عام 1878  بدأت  السلطات  الرومانية  بتطوير  سلاح  البحرية  .

    والجدير بالذكر أن  القوات  النهرية  الرومانية  شاركت في العمليات العسكرية على نهر الدانوب أثناء  حرب الاستقلال بين  عامي  1877-1878. فقد أقامت  السفن الرومانية  حواجز على النهر وشنت  هجمات على  السفن العثمانية  وقصفت المواقع العثمانية على الضفة الجنوبية لنهر الدانوب وأغرقت  سفينتي مراقبة تركيتين.

    في العقود  التالية تطورت   القوات  النهرية الرومانية باستمرار  وتم تجهيزها  بسفن   حربية  . وفي عام 1907  تم تشغيل  أربع سفن  مراقبة  وثماني سفن  نهرية  لتقوم  بخدمات   المراقبة والدفاع عن نهر الدانوب. إبان  الحرب العالمية الأولى شاركت القوات  النهرية   في معركة  تورتوكايا عام 1916 وأيضا  في انسحاب الجيش الروماني من  منطقة دوبروجيا. في العام التالي قصفت السفن النهرية  مواقع المدفعية الألمانية في ميناء  تولتشيا  على الدانوب   وقضت  على  انتفاضة   بحارة  السفن الروسية في دلتا الدانوب  على ضباطهم على خلفية الثورة  البلشفية  التي كانت  اندلعت في روسيا  عام 1917  والفوضى  وعدم  الانضباط اللذين  سادا   القوات  المسلحة الروسية  بما فيها سلاح البحرية آنذاك  .

    بعد عام 1918  تم  تجهيز  القوات المسلحة الرومانية  بسفن  بحرية  ومن بينها  المدمرات   مثل  “مراشيشتي”  و”مراشتي ” و”الملك  فرديناند”  و”الملكة  ماريا ” وسفينة  “ميترشيا ” للتدريب بالإضافة إلى  غواصة  “الدلفين”  التي  كانت الأولى  من  نوعها  لدى  البحرية الرومانية  .

    وقد  شارك سلاح البحرية الروماني  في  الحرب العالمية الثانية  بكتيبتين  عسكريتين كبيرتين إحداهما  بحرية والثانية نهرية   فامتلكت  الكتيبة  البحرية  أربع   مدمرات وثلاثة   زوارق طوربيد  وثلاث كاسحات ألغام  وغواصة وثلاث سفن  طوربيد  وثمانية  زوارق قطر بالإضافة إلى  أسطول من الطائرات المائية. أما  الكتيبة  النهرية   فامتلكت سبع  سفن مراقبة  وست سفن حربية  . وللدفاع  عن  الساحل  الروماني على  البحر الأسود   أقامت  القوات البحرية   حاجزا  من الألغام  على بعد اثتي عشر ميلا بحريا  وتم تشغيل  المدفعية الساحلية. ولكن  بسبب عدم  التكافؤ  العسكري  بين  سلاح البحرية  الروماني  والبحرية السوفيتية  قامت  القوات  البحرية  والنهرية الرومانية  فقط بعمليات  دفاعية  في المرحلة الأولى من الحرب.

     

    في السادس والعشرين  من  شهر يونيو 1941 حزيران عام   وبعد أيام  قليلة من دخول رومانيا الحرب من إلى جانب  ألمانيا النازية  وحلفائها  من أجل  تحرير منطفتي  باسارابيا وبوكوفينا  اللتين  كان  الاتحاد السوفيتي قد  ضمهما  في  عام 1940  قامت مدمرتا “ماراشتي ” و”الملكة   ماريا” والمدافع  الساحلية بإغراق  سفينة   “موسكفا” وهي  سفينة القيادة للأسطول السوفيتي بعد  اقترابها   من الساحل الروماني وألحقت أضرارا   بمدمرة “خاركوف”. ومع انتقال   الجبهة إلى الشرق بدأت  القوات البحرية  الرومانية بدعم القوات البرية في المعارك  الدائرة   في أوديسا وسيفاستوبول.

    حتى الثالث من   آب   أغسطس  عام   1944  امتنعت  السفن السوفيتية   عن الاقتراب  من الساحل الروماني  لكن الغواصات السوفيتية كانت  تمثل  خطرا عن القوات المسلحة  الرومانية .

    في  الثالث واللعشرين من آب  أغسطس عام 1944  انضمت رومانيا إلى القوى المتحالفة   ضد ألمانيا  النازية  وحلفائها   فأصبحت البحرية الرومانية تحت سيطرة  القوات المسلحة  السوفيتية  التي سرعان  ما   احتجزت  السفن  العسكرية الرومانية  وأطقمها  .

    الضابط نيكولاي كوسلينسكي  نجل الأميرال  جورجي كوسلينسكي الذي توفي كسجين سياسي في سجن أيود  سيئ  الصيت   عام  1950 سرد   لمركز التاريخ المروي  التابع  للإذاعة الرومانية  أحداث  يوم الخامس   من سبتمبر  أيلول عام  1944 حين كان مقاتلا  على  متن  سفينة  طوربيد  رومانية  : “في حوالي الساعة   الرابعة والنصف من  فجر  يوم  الخامس  من سبتمبر  سمعت ضجة في الخارج  وقفزت من السرير وأخذت المسدس  ووضعته في جيب سروالي  . اتجهت إلى المخرج   حيث أخبرني   عامل  الهواتف  بقدوم   الروس . وما لبث أن  دخل  جندي  روسي وفي يده   بالالايكا  ثم دخل  آخرون  وطلبوا مني أن أعطيهم المسدس.  قلت لهم   “صباح الخير  ” بالروسية  فتفاجؤوا  .  ثم اقترب مني  ضابط صف روسي وتحسس جيبي. لكني كنت قد  لفتت  مسدسي وهو صغير  الحجم   بقطعة قماش  قبل أن  أضعه في  جيب  سروالي   فلم  يلمسه الضابط   الروسي  . ثم  طلب مني   أن أرتدي ملابسي وأخرج معهم  لأننا ذاهبون إلى اجتماع .”

    نقلت السفن العسكرية الرومانية إلى الاتحاد  السوفياتي  ولكن  في الطريق  غرق  زورق حربي  وغواصة  لأسباب مجهولة  . وبعد فترة   أعادت السلطات السوفيتية للحكومة الرومانية ثلاثا وعشرين  سفينة  ومن بينها   مدمرتان وزوارق طوربيد و زوارق حربية . وكان  معظمها في  حالة متقدمة  من التهالك .

  • انفصال جهاز  الأمن  الشيوعي  الروماني عن  جهاز  الكي جي بي السوفييتي

    انفصال جهاز الأمن الشيوعي الروماني عن جهاز الكي جي بي السوفييتي

    كان  جهاز الأمن  الشيوعي   المؤسسة الأكثر إثارة  للخوف  إبان الحكم  الشيوعي في  رومانيا . تأسس جهاز الأمن في خمسينيات القرن  الماضي  إبان تولي   غيورغي   غيورغيو  ديج  رئاسة الحزب الشيوعي الروماني  ليكون صورة  طبق  الأصل عن الجهاز  السري   السوفييتي  الذي  تأسس  إبان  حكم  ستالين  – وتحول لاحقا إلى   جهاز  المخابرات السوفييتي  المعروف  ب” كي جي بي” .

    وفي رومانيا  كان  جمع المعلومات    الهدف المعلن  من  تأسيس  جهاز  الأمن  ولكن  ما لم يعلن  عنه أبدا  أن  جهاز الأمن  كان  أداة  للقمع  في يد  الحزب الشيوعي .وقد  ظل جهاز الأمن  تحت  سيطرة  المخابرات السوفييتية منذ تأيسيه   وحتى  أواخر  الخمسينيات من القرن الماضي  ولكن في أوائل   الستينيات  أطلق   غيورغي غيورغيو  ديج    ما سمي بـ “سياسة الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي ”  مفأخذ  النفوذ السوفييتي  في رومانيا  في التراجع  وتحرر  جهاز الأمن الروماني  من  سيطرة  الكي جي بي .

     

    كان الجنرال نياغو  كوزما ضابطا في مديرية مكافحة التجسس التابعة لدائرة  أمن الدولة  ورئيسا للأخيرة . في عام 2002  روى  في مقابلة مع مركز التاريخ المروي  التابع  للإذاعة الرومانية  قصة   الطلاق  بين  جهاز  الأمن  الروماني   والكي جي بي: ” كان السوفييت  أقوياء للغاية  في رومانيا وكان لديهم مستشارون وممثلون في الهيئات  القيادية سواء في  الجهاز  السياسي  أو في  جهاز  الأمن. فطيلة  تواجدهم   في رومانيا  كانت كل  الأمور والإشكاليات  تحل  على وجه السرعة   ولكن على  الطريقة  السوفيتية  أي بفرض  السوفييت  أوامرهم   على  المسؤولين الرومانيين  . والجدير ذكره أن  خمسينيات  القرن الماضي شهدت حملة  اعتقالات واسعة سواء  بتهم مبررة  أو غير المبررة  إن  لم  تكن  تافهة   تماما  في بعض الأحيان .

    أما المستشارون السوفييت  فكان  هناك في  كل وزارة  وفي  كل  دائرة أو  وحدة  مستشار سوفييتي  غالبا  كان   ضابطا  في الكي جي بي ومهمته  تقديم  المشورة  للوزير أو المسؤول  أو قائد  الوحدة  بطلب  من  أولئك  المسؤولين  . فإذا  ظهرت  هناك  مشكلة  تنظيمية  أو  فنية  أو منهجية  كان  المستشار السوفييتي  يقدم  حلولا لها  اعتمادا على  خبرته الواسعة  كما  قيل. ولكن في الواقع  كان  المستشارون السوفييت   يتدخلون في كل   كبيرة وصغيرة  وكانوا  يشرفون  على   شبكات تجسس  خاصة  بهم  نشطت في  جميع مؤسسات جهاز  الأمن “.

     سيطرة  السوفييت  على المؤسسات  الرومانية  بما فيها  جهاز الأمن  لم  ترض  المسؤولين  الرومانيين  فحاولوا   إيجاد   طريقة   للتخلص  منها . نياغو كوزما  من جديد  : “ذات مرة  اتصل بنا    وزير  الداخلية   دراغيتشي  الذي كان غير راض  عن   تواجد السوفييت  في كل  مكان  وقال لنا :  ” يا شباب  نظموا  لهم  برامج  سياحية  ! إنهم يحبون صيد السمك والمشاوير  والرحلات  وربما   أيضا  النساء والفودكا. فأعطوهم ما يحلو لهم  وأبعدوهم  عن مكاتبكم  لكي لا يجلسوا  معكم   طول الوقت .”

    ولكن   السوفييت أصبحوا  حذرين   للغاية بعد  أحداث  الثورة    المجرية  المعادية  للنظام الشيوعي    عام 1956 ولذلك  بدلا  من  مستشار  سوفييتي  واحد  فوجئنا  بستة  مستشارين  في مديرية  واحدة .  كانوا يركبون على  ظهرنا  بمعني الكلمة  غير أننا  لم  نعرف  ماذا يفعلون  بالضبط   ولكن  ظني أنهم  كانوا  يجمعون المعلومات . الحقيقة أنني  لا أجد  أي تفسير  آخر  لزيادة عددهم  خاصة  وأن  الاتفاقية  بين  الحكومتين  نصت  على  وجود  مستشار  سوفييتي واحد لدى كل  قائد أو  وزير روماني . لم يقدموا لنا  أي إيضاحات  حول سبب  زيادة تواجدهم  واكتفوا  بالقول بأنهم  جاءوا لمساعدة المستشار  ولكن الحقيقة أنهم  أرادوا  أن يكونوا حاضرين   لجس نبض  المجتمع  الروماني  بعد  الثورة  المجرية  خشية   وقوع   أحداث  مماثلة  في رومانيا أيضا “.

    في مطلع   الستينيات اعتبر   زعيم الحزب الشيوعي  الروماني غيورغي  غيورغيو   ديج أنه تم  تجاوز  خطوط معينة   في  العلاقات الرومانية السوفيتية  وقرر  التخلص من  وجود  الكي جي بي في رومانيا  باستخدام مركز المعلومات والتوثيق  التابع  لجهاز الأمن ​​ . وقد  بدأ فريق مكون من  ستة  ضباط  يعملون  سرا  تحت إشراف  نياغو  كوزما لتنفيذ  المهمة : “بحلول عام 1962 نجحنا  في  تحديد  هوية   ثمانين بالمائة  من الرومانيين  المنضمين إلى  شبكة  التجسس  لصالح  السوفييت . وقد أعددنا  قوائم  بأسماء  جميع  أفراد  الشبكة  وأدرجنا في القوائم  أيضا   أفراد   الشبكة القدامى الذين  جاءوا  إلى رومانيا  أو تم إنزالهم بالمظلات إبان  الحرب العالمية الثانية  وكانوا  يتجسسون  لصالح  الروس . وقدمنا  تلك القوائم  لزعيم الحزب غورغيو  ديج.”

    استخدم  الرومانيون  استراتيجية   بسيطة  لتفكيك شبكة  الجواسيس  تلك .  فقد  قيل لأفرادها    أن أنشطتهم  معروفة للسلطات  الرومانية  وعرض  عليهم  العفو  مقابل   التوقف عن التعاون مع الكي جي بي. وإلا سيحاكمون  بمقتضى القانون الجنائي. وقد  قبل معظمهم العرض .

    عن  المعايير التي  اعتمد عليها  فريق  جهاز  الأمن  لإعداد  قوائم   الجواسيس  قال   نياغو كوزما :”في المرحلة الأولى  قمنا بتحديد  هوية  مائة  وثمانين  جاسوسا في  جميع أنحاء البلاد. وأضفنا  إلى هؤلاء آخرين  لم  نملك   أدلة دامغة  على   تعاونهم  مع  السوفييت ولكن الاحتمال  كان  كبيرا  أن يكونوا  هم  أيضا  منخرطين  في عمليات  تجسس  لصالح الروس  .فكانت  الشبهات  تحوم بشكل خاص حول   الرومانيين  الذين  درسوا في الاتحاد السوفيتي  وتزوجوا  هناك  من  سيدات روسيات قبل  عودتهم إلى رومانيا  . الزواج  من  أجنبيات   أمر  طبيعي  في نظام  طبيعي لكنه لم يكن كذلك مع الروس . الخلاصة  أننا    اعتبرنا  الرومانيين   الذين تزوجوا  من  روسيات  مشتبها   بهم   وأجرينا  التحريات  اللازمة   لمعرفة  من هن أولائك  الروسيات غير أن  عددهن  لم  يكن  بقليل .. كانت  الروسيات  متزوجات  من  ضباط  يتقلدون  مناصب عليا في الجيش ووزارة الداخلية . وكان هناك في الجهاز السياسي  أيضا الكثير من الرومانيين  المتزوجين من روسيات. بالطبع كانوا  احترافيين  وخبراء  متميزين  وكثيرون  منهم  لم يتربكوا  أي  جريمة  بحق الدولة الرومانية ومع ذلك راحوا   ضحية  لعملية  إبعاد رجال   السوفييت  عن المؤسسات الرئيسية

  • سياسة الإصلاح الزراعي للحزب الشيوعي الروماني

    سياسة الإصلاح الزراعي للحزب الشيوعي الروماني

    كانت الملكية   الجماعية   إحدى ركائز العقيدة الاقتصادية الشيوعية . فقد عمل  النظام الشيوعي  على إلغاء الملكية  الخاصة واستبدالها  بالملكية  الجماعية  للثروة الطنية  بكافة  مكوناتها  بما فيه  وسائل الإنتاج . ولم  تدخر الدعاية   الشيوعية جهدا  لشيطنة  الملكية  الخاصة بذريعة أنها  السبب الرئيس    للظلم  وعدم  المساواة  واستغلال  الانسان من قبل الانسان . ومن أجل   تطبيق  العقيدة الاقتصادية الشيوعية   في  الزراعة  كان لا بد من إلغاء  الملكية الخاصة  للأرض  وسائر وسائل الإنتاج   وهو ما  حصل فعلا  في الاتحاد السوفييتي بعد  الثورة  البلشفية  عام 1017  وثم  في  جميع البلدان التي قام  الجيش  السوفييتي  باحتلاها بعد عام 1945  على الرغم من أن السياسة الاقتصادية الجديدة التي كان لينين  قد  أطلقها  في عام 1921   كانت  تجيز بعضا من  أشكال الملكية الخاصة في الزراعة.

    ولكن  بعد وفاة لينين في عام 1924  أقدمت  السلطات السوفيتية على إلغاء  الملكية الخاصة في الزراعة  عبر مصادرة  الأراضي  من ملاكها   ومعظمهم  من  أصحاب  الأراضي  متوطسة  الحجم   الذين سرعان ما   صنفوا   كأعداء لطبقتي  العمال والفلاحين الكادحين  وثم  ورحلوا  إلى معسكرات غولاغ  سيئة  الصيت .

    عملية  إلغاء الملكية الخاصة   في الزراعة  انطلقت في رومانيا  في  السادس  من مارس آذار  عام 1945  بعيد  تنصيب  الحكومة الموالية  لموسكو  برئاسة  بيترو غروزا  وسوقتها  الدعاية الرسمية   على أنها  الإصلاح  الزراعي المنشود   . لكن  قبل إطلاق   الإصلاح الزراعي  رسميا  كانت   الجبهة الوطنية الديمقراطية  وهي مجموعة من  الأحزاب السياسية الخاضعة لسيطرة   الحزب الشيوعي قد أطلقت  حملة دعائية  في المناطق  الريفية  بهدف تحريض الفلاحين  على احتلال  الأراضي الزراعية التي زادت  مساحتها عن خمسين  هكتارا بالقوة  .وفي الثالث والعشرين  من مارس  آذار عام 1945 أقرت  حكومة بيترو غروزا قانون  الإصلاح الزراعي الذي  قضى  بنزع  حق الملكية عن أصحاب  الأرضي الزراعية التي  زادت مساحتها  عن خمسين  هكتارا  وتسليم تلك الأراضي  للفلاحين  الفقراء  .

    ومع  مصادرة  الأراضي  تمت أيضا  مصادرة  كافة وسائل الإنتاج . ويقول المؤرخون أن  النظام الشيوعي استخدم  قانون  الإصلاح  الزراعي  كأداة  دعائية  للإعلان  عن نجاحه في  القضاء على استغلال  الفلاحين  وذلك قبل  أشهر قليلة من  الانتخابات  التشريعية  التي كانت  مزمعة  في التاسع  من نوفمبر تشرين الثاني من نفس العام .

     

    ميدانيا  جاء  تطبيق   قانون الإصلاح الزراعي مصحوبا  بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة وأعمال العنف . كما أدى تطبيق القانون إلى  تصعيد  التجاذبات  بين مختلف الفئات  من  الفلاحين  وأطلق العنان  للعصابات  المسلحة التابعة  للحزب الشيوعي  لممارسة الإرهاب  ضد الفلاحين  الذين رفضوا تسليم  أراضيهم وممتلكاتهم . وقد  سادت  أجواء  العنف وعدم الاستقرار المناطق الريفية  التي  تم  فيها   تطبيق  قانون الإصلاح  الزراعي  وهو ما  اعترف به  نشطاء  حزبيون  شيوعيين  في وقت  لاحق .

    وكان  من بينهم  إيون بايكو  الذي تطرق  في  حديث  أدلى  به  لمركز التاريخ   المروي للإذاعة الرومانية  في عام 1971  إلى  الحوادث التي   وقعت  أثناء  تطبيق  قانون الإصلاح الزراعي في محافظة  ميهدينتسي جنوب غربي رومانيا : ” كان علينا  –  نحن نشطاء  الحزب  أن نبذل قدرا  كبيرا من الجهد لإقناع  ملاك الأراضي بتسليمها  وسائر الممتلكات  وكانوا  في بعض الأحيان  يهددون  بإطلاق  النار علينا . وأتذكر ان  واحدا  منهم  واسمه  إيون إيونيسكو أطلق النار على  جندي سوفييتي فور   وصول الجيش الأحمر إلى المنطقة لكنه لم  يبق  بدون عقاب  . بعد  ذلك   أرسل الحزب  مجموعات من  الرفاق والعمال إلى المنطقة لمواجهة ملاك الأراضي وتحريض  الناس  على  الانضمام إلى صفوفهم  لمواجهة  المعارضين .”

    “ما أريد  التأكيد  عليه  هو أننا  لم  نكن  لنهزم  ملاك  الأراضي ومعارضتهم للإصلاح الزراعي  لولا  دعم الطبقة العمالية   بقيادة الحزب الشيوعي الروماني. كما  أريد أن أؤكد أن الطبقة العمالية   بقيادة الحزب الشيوعي الروماني وبمساعدة الفلاحين الفقراء نجحت في هزيمة  ملاك  الأراضي والبرجوازية الريفية “.

     

     

    كان  قانون الإصلاح الزراعي الصادر عام   شعبويا  بكل المقاييس  لأن  الحزب الشيوعي كان  يسعى في ذلك الوقت  إلى  استمالة  الفقراء  من العمال والفلاحين . والحقيقة  أنه  لم يكن  في نية  الشيوعيين  لخطة  استبدال  الملكية  الخاصة  القديمة  بأخرى  جديدة .

     تودور كونستانتين  كان  ناشطا في الحركة النقابية منذ عام 1947  وفي مقابلة  مع  مركز التاريخ  المروي أجريت  معه في  عام   2003  روى  كيف  أصبح  مالكا  للأرض في قرية صغيرة  تبعد  ستين  كيلومترا  جنوبا عن العاصمة بوخارست :” في عام 1945   أعطوني  قطعة أرض مكافآة  لمشاركتي في الحرب . وبعد ذلك  عندما  بدأوا  بمصادرة   الأراضي الزراعية   صادروا  أيضا   قطعة  الأرض  تلك مني  بحجة أني لست  من السكان الأصليين  للقرية .خلاصة القول أنهم   صادروا  أراضي الإقطاعيين  وقسموها  ووزعوها  على   الفلاحين  الفقراء  عشوائيا .”

    “لقد شارك في تلك العملية  ممثلون  عن  جبهة  الحارثين  وكان  معهم  ممثلون  عن الحزب الشيوعي  . كانوا   يرسمون  حدود  قطع الأرض  ثم يقولون   للفلاحين  : “هذه أرضك وهذه   أرض فلان” . وقد بقيت  تلك الأراضي  في حيازة  الفلاحين  لمدة  أربع  سنوات  فقط  أي  إلى حين  إطلاق  حملة  تأسيس  التعاونيات الزراعية .”

     

    استمرت السلطات في تطبيق   قانون  الإصلاح الزراعي  الصادر  عام 1945 حتى عام 1949  فقط  ما يدل على أن  الهدف  الحقيقي  وراء إقراره   لم  يكن  لحظة  إجراء  إصلاح  حقيقي . فبعد تنازل الملك ميهاي الأول عن العرش  تحت  ضغط  الشيوعيين  في الثلاثين من  ديسمبر كانون الأول  عام   1947 وطرده  أصبح   الحزب الشيوعي حاكما  مطلقا   لرومانيا   وانتقل إلى تحقيق   الإصلاح   الزراعي   الذي  كان يتطلع إليه  منذ  اللحظة الأولى   وهو أن  يفرض على   جميع  ملاك  الأراضي  الزراعة بصرف  النظر عن  مساحة  مزارعهم     التنازل عنها   من أجل   تكوين  التعاونيات  الزراعية تطبيقا  لنظرية  “التحول الاشتراكي للزراعة”.

  • آنا باوكر

    آنا باوكر

    تعتبر  آنا باوكر شخصية محورية   في  تاريخ  الحزب الشيوعي  والحقبة  التوتاليتارية   في رومانيا  للدور  الذي لعبته  في  إيصال الشيوعيين إلى سدة الحكم  وإحكام  سيطرتهم   على البلاد  ما  بين عامي 1945 و1952 ما دفع   بعض المؤرخين  لاعتبارها الشخصية التي    جلبت  النهج الستاليني إلى رومانيا . كانت  آنا باوكر  عضوا  في حكومة بيترو غروزا  الشيوعية  .الموالية  لموسكو  التي تم  تنصيبها في  مارس آذار عام 1945 كوزيرة  للخارجية ونائبة  لرئيس  الوزراء  كما سبق  لها أن  تقلدت مناصب  عليا  في تراكيب  الحزب الشيوعي السوفيت

     

    ولدت آنا  باوكر عام 1893 في محافظة  فاسلوي شرقي رومانيا لوالدين يهوديين  متدينين  وكان اسمها الحقيقي حنى  رابنسون.  في عام 1920  تعرفت  وهي  في فرنسا على  الرجل  الذي كان سيصبح   زوجا لها  فيما بعد  هو مارتشيل باوكر  ذو الأصول  اليهودية  الذي كان  ناشطا شيوعيا  راديكاليا  وأقنعها  بالانضمام إلى  الحركة  الشيوعية . كما  شاركت آنا  مع زوجها  في أنشطة الكومنترن  ولا سيما  تلك الهادفة إلى  توسيع  دائرة  نفوذ  السوفييت في   منطقة البلقان . انضمت  آنا إلى عضوية  الحزب الشيوعي الروماني  منذ  تأسيسه  في  عام 1921 ونشطت  فيه  كعميلة  للاتحاد  السوفييتي . وبعد إعلان الحزب الشيوعي  حزبا خارجا عن القانون في عام 1922  واصلت آنا العمل  الحزبي  حتى تم اعتقالها  بتهمة القيام  بأنشطة غير شرعية  ونفيت مع  زوجها إلى سويسرا .

    بعد  عودتها إلى رومانيا  اعتقلت  مرة أخرى  في عام  1935 وبعد إطلاق  سراحها   في عام 1941 سافرت  إلى الاتحاد السوفييتي. أما زوجها  مارتشيل  الذي كانيضا    قد  انتقل  أيضا إلى  الاتحاد  السوفييتي  فكان في غضون ذلك  قد فقد  حظوته  لدى  ستالين  وراح  ضحية   لحملة  التطهير واسعة  النطاق  التي أطلقها  الزعيم السوفييني  في  ثلاثينيات  القرن الماضي حيث  اعتقل   في عام 1938 بهمة  التجسس للغرب  وأعدم  . إبان  الحرب العالية الثانية  كانت آنا باوكر  زعيمة  لمجموعة الشيوعيين الرومانيين المنفيين والمعروفة باسم “فصيل موسكو”.

     

    في عام 1994 أجرى مركز التاريخ المروي التابع  للإذاعة الرومانية  مقابلة مع الطبيب جورجي براتسكو صهر آنا بوكر. وتستحضر جورجي  ما جاء في تقرير سوفييتي من إشادات   لخصال آنا وانتقادات  لنقاط ضعفها:  ” التقرير حول آنا باوكر   الذي صدر عام 1946 وصفها  بأنها  الأفضل  تدريبا  بين قادة الحزب الشيوعي . وجاء فيه أيضا أن  الرفيقة باوكر تحظى بنفوذ  كبير في الحزب يجعل منها القائد الفعلي المشرف على كافة أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي .

    كما أشار  التقرير إلى  شعبية آنا  باوكر  لدى  الشعب الروماني  واستمرارها  في العمل   كناشطة شيوعية رغم إعلان  الحزب  الشيوعي  حزبا  خارجا عن  القانون في عام 1922 . علاوة على ذلك أصبحت  آنا بعد الحرب  رئيسة  للمجموعة الشيوعية في البرلمان  وأشرفت على  التعاون بين الحزب الشيوعي  وشرفت علتعاون والأحزاب المشاركة  في  الكتلة الديمقراطية  التي تولت السلطة  بعد عام  1945.

     كما أشاد  التقرير بدورها  الفاعل  في أعمال الاتحاد النسائي الدولي المناهض للفاشية.أما نقاط  ضعفها   فأشار التقرير بشكل خاص إلى  عدم  استغلالها  نفوذها  بما فيه كفاية   لتعزيز الأسس الأيديولوجية والتنظيمية للحزب .”

     

    صعود  آنا  باوكر  إلى أعلى  قمة  هرم  السلطة  السياسية بدأ  بعد انتهاء  الحرب العالمية الثانية وانتشار  الجيش السوفيتي في رومانيا . فقد  انتخبت   سكرتيرة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الروماني وعينت وزيرة  للخارجية  بعد تنازل  الملك ميهاي الأول عن العرش  قسريا  في الثلاثين  من  ديسمبر كانون الأول عام   1947.

     

     مطلع الخمسينيات شهد  بداية  أفول  نجم آنا باوكر. ففي عام 1952 أطلق   زعيم الحزب الشيوعي الروماني  غورغي غيورغيو ديج  حملته الهادفة إلى  التخلص من خصومه والقضاء على  المجموعات المنافسة التي  كانت آنا باوكر  منضمة إلى واحدة  منها إلى  جانب بعض  من رفاق  دربها القدامى .فقد  اتهمت  آنا  بالانحراف  إلى اليمين  والتورط  في  أعمال تخريبية  ضد الحزب  وحكم عليها بالسجن لمدة أربعين  عاما . وسجن  معها عدد من الأعضاء البارزين  السابقين  في الحزب  .

    في عام 1953 تم تحويل  عقوبتها  بالسجن  إلى   الإقامة الجبرية  وفي العام التالي تم طردها من الحزب.  عملت كمترجمة من الفرنسية والألمانية في إحدى دور النشر  دون أن يكون لها حق التوقيع. وكانت واحدة من  المترجمين الذين أعدوا   أول طبعة كاملة لأعمال ماركس وإنجلز باللغة الرومانية.وتوفيت  آنا باوكر في عام 1960 عن عمر ناهز  السابعة والستين  .

     

    بعد  وفاة  ديج  عام 1965 حاول الزعيم الجديد  للحزب الشيوعي  نيكولاي تشاوشيسكو رد الاعتبار   لبعض ضحايا  حملة التطهير  ولكن غورفي بارتيسكو قال  أن آنا بوكر لم تكن من  بين الأشخاص الذين أسقطت  عنهم  التهم الموجهة  إليهم :”لم يحاول أحد  رد  الاعتبار لها .  فالشروط  التي فرضت  عليها  أثناء  فترة  العمل  مع دار النشر كانت  غير طبيعية تماما إذ لم  تكن تحصل على أجرها  بشكل مباشر  بل كانت  عاملة التنظيم   تقوم  بمساعي ساعي  البريد بينها ودار النشر وكانت  تسلم  لها  أجرها  وتستلم  منها المواد التي كانت  تقوم   بترجمتها   وتحريرها .

    اعتبرها  زعيم الحزب   غورعيو  ديج  خطرا عليه  خاصة بعد تصفية بعض من  رفاقها  . ولهذا السبب لم   يتحدث أحد  عن  نشاطها السياسي  إلا  بعد  وفاة   ديج  في عام 1965 .وفي عام 1961 أي بعد  عام  واحد  من  وفاة آنا   سحبوا  منها  كافة  الأوسمة والميداليهات  . يبدو  أن حتى ذكراها  كانت   مثار  مخاوف  لهم  فما بالك  برد الاعتبار  لها “.

    بين عامي  1953و1960 تلقت   آنا باوكر زيارت  قليلة  جدا ..  كان  أحد  الزوار  المحامي رادو أولتيانو  الذي دافع عن الشيوعيين ومناهضي الفاشية في محاكمات عام 1930 بالإضافة إلى  زميل سابق  لها   في السجن. غورغي بريتيسكو مرة اخرى : “كانت  تزوها سجينة سابقة   تدعى ماريا أندريسكو . وكانت آنا على تواصل  مع  بعض  الأصدقاء و الرفاق القدامى المعجبين بها . قبل وفاتها بوقت  قليل  أدخلت  إلى مستشفى كولنتينا حيث زارتها  أيضا  رفيقة  سابقة لها .  وقد  كان  أولئك  من بين من  حضروا  تشييع  جنازتها .”

  • لغز اغتيال إيوان بيترو  كوليانو

    لغز اغتيال إيوان بيترو كوليانو

    في الحادي والعشرين من مايو  أيار عام   1991 وفي  حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر  وجد البروفيسور  إيوان بيترو كوليانو  ميتا في دورة مياه  بجامعة شيكاغو. كان كوليانو أستاذا  لتاريخ الأديان وباحثا بارزا  وكان يوم وفاته  في   الحادية  والأربعين من العمر. وكانت سبب  الوفاة   رصاصة  في الرأس أطلقت  من الخلف  من قبل  رجل لا تزال هويته  مجهولة . ولم يتمكن  المحققون  من تحديد   هوية  القاتل أو القتلة  رغم  التحريات   الدقيقة التي قاموا بها  لتبقى جريمة   اغتيال كوليانو  لغزا حتى يومنا هذا.

    ولد إيوان بيترو كوليانو في مدينة   ياشي شمال شرقي  رومانيا   في  الخامس من يناير كانون  الثاني  عام   1950 لوالدين  مثفقين . وكان  أجداده ينتمون  إلى  النخبة  الثقافية  والسياسية التي شاركت في المساعي الرامية إلى   إقامة الدولة الحديثة ابتداء  من  منتصف القرن التاسع عشر. في  عام 1972 هاجر كوليانو  إلى إيطاليا حيث تخصص في تاريخ الأديان ثم   انتقل إلى هولندا  وفي  عام 1986 اتجه  إلى الولايات المتحدة الأمريكية  حيث  بقي  حتى  وفاته  .

     

    ربطته    صداقة  وثيقة    بمؤرخ الأديان الروماني الشهير ميرتشا إليادي  حيث كان كوليانو  واحدا من مروديه لكنه  وضع  حدا   لتلك العلاقة  بمجرد  علمه بأن   إيليادي  كان قد  ناصر الفاشية  وحركة  الحرس الحديدي  اليمينة  المتطرفة التي نشطت في رومانيا  في عشرنيات وثلاثينيات القرن الماضي . ألف كوليانو أكثر  من عشرين  كتابا  في  تاريخ الأديان وعددا من الروايات   باللغات المتداولة عالميا. وألهمت  سيرة   كوليانو  ما لا  يقل عن سبعة عشر كتابا  طرح  فيها  كتابها  مختلف   السيناريوهات  حول  وفاته.   فمعظم تلك  السيناريوهات  تنسب الجريمة  إلى  جهاز  الأمن الشيوعي    السابق   أو إلى   عناصر سابقة   لحركة الحرس الحديدي كانت   استقرت  في الغرب  بعد حلها .آخر تلك  الكتب   بقلم  الأكاديمي الأمريكي ومؤرخ الأديان بروس لينكولن  يحمل  عنوان “أسرار وأكاذيب وتبعات  : الماضي الخفي لباحث عظيم ولغز اغتيال  مروده “. لينكولن  الذي   درس  تاريخ  الأديان  على  يد   ميرتشا إليادي  في  ستينيات   القرن الماضي   طرح في كتابه فرضية جديدة حول   حادث اغتيال   كوليانو  .أما  مؤرخ الأديان موشيه إيدل

     

    الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس فأرجع   الغموض الذي لا يزال يكتنف  حادث اغتيال  كوليانو إلى عزوف  جهاز  الأمن الشيوعي السابق عن  تقديم  رد  مقنع   على  الاتهامات   التي وجهت  إليه  في هذه القضية  :”لقد  ناقشت الأمر  مع  الرئيس  الروماني   السابق   إيميل كونستانتنيسكو   قبل سنوات  وسألته لماذا لا يقدمون الإيضاحات  المطلوبة . فأخبرني  أنه ليس  في مقدوره القيام  بأي شيء  .هذه هي المشكلة.  فإذا كان كوليانو قد اغتيل على يد جهاز الأمن أو الحرس الحديدي فمن الواضح  أن لا جهاز الأمن ولا الحرس الحديدي  يريد الإفصاح  عن ذلك .فهل من أحد  يريد الاعتراف بارتكابه  جريمة؟ مكتب التحقيقات الفيدرالي هو الآخر  استلسم  بعد سنوات من التحريات  ولا يزال  ملف  كوليانو  يراوح  مكانه . يمكننا  في المقابل  انتظار معجزة بأن  يكتب أحد  مذكراته  لتنشر  بعد وفاته ليعترف فيها  بمسؤوليته عن الجريمة .. لكن في غضون ذلك  نرى أن  المخابرات  لا تريد  مناقشة  هذا الملف  ولا حتى  نفي  أي  ضلع  لها في  اغتيال كوليانو “.

    المؤرخ الروماني   سورين أنتوهي  الذي بحث لغز اغتيال كوليانو  مع  موشي  إيدل يعتقد أن  عوائق  عديدة لا  تزال  تحول  دون  كشف الحقيقة  : ” اتخذت أسرة  كوليانو  خطوات منذ  نشر  خبر  وفاته  لكنها  لم  تسفر عن  نتائج  ملموسة . هناك أشخاص قاموا ببعض المساعي بهذا الصدد  ومن بينهم الفريق السنيمائي  الأمريكي  الذي  مارس  بعض  الضغوط بموجب الحق القانوني في الوصول إلى المعلومات. لكنه   لم يحصل على   أكثر مما حصلنا عليه  نحن-  أي إلى  معلومات رفعت عنها السرية ولكنها  مجهولة المصدر. لقد  نشرت السلطات الأمريكية   آلاف الصفحات على الإنترنت   لكنها محجوبة تماما  باللون الأسود  ولم يبق  منها سوى  كلمات  قليلة  هنا  وهناك في  نصوص مجهولة المصدر.”

     

      الأكاديمي الأمريكي ومؤرخ الأديان بروس لينكولن طرح في  كتابه   فرضية  جديدة  عن  ملابسات  اغتيال  كوليانو تدور حول   تورط  زوجة  إليادي  في   الحادث .  موشيه إيديل غير مقتنع بصحة الفرضية  لكنه لا يستبعدها  بشكل قاطع :”الفرضية  التي طرحها   لينكولن  ليست واضحة  وأعتقد أنه لا توجد هناك  أدلة قوية  لدعمها  .. إنها   مجرد  مزاعم  كمزاعمي أنا تماما . خلاصة القول إننا   لم  نتمكن من تحديد  هوية القاتل . لدي فرضية  ولنكولن  أيضا  لديه فرضية وهي  أكثر تعقيدا من فرضيتي   ولكني لا  أريد توريط  زوجة إليادي  في الحادث   لأنني لا أعرف الكثير عن حياتها  في حين  أن  بروس لينكولن التقى  بها  ويكون  بذلك في موقف أفضل من موقفي أنا .. ومع ذلك أقول أني لست  مقتنعا بفرضيته  ولست مقتنعا بأن لينكولن  نفسه  كان  مقتنعا  تماما  بفرضيته تلك  . فماذا يقول  لينكولن ؟ يقول أن  صورة  التقطت  لزوجة إليادي   مع  كوليانو  تظهر أنها   تكن له مشاعر الكراهية. لم أكن مقتنعا بقوله ذلك   ولكن هذا لا يعني أنه  غير صحيح  “.

  • معهد الإعلام والتوثيق الفني

    معهد الإعلام والتوثيق الفني

    الاطلاع على   تاريخ المؤسسات  والمعاهد يساعدنا ليس على  اكتشاف الماضي فسحب  بل أيضا  على التعرف على  أعمال من عملوا  فيها  روتينية كانت أواستثنائية. بعد  انتهاء  الحرب العالمية  الثانية  وتولي الشيوعيين  السلطة  بعد عام  1945  بدعم  مباشر من جيش الاحتلال السوفييتي   انطلقت   في رومانيا   عملية  واسعة   وشاملة استهدفت جميع   المؤسسات القديمة   باعتبارها  أدوات لقمع  الطبقة  العمالية  في أيدي  الأنظمة  السابقة  وذلك  لتغيير  طبيعتها أوتدميرها  نهائيا  واساتبدالها بأخرى جديدة .

    ولكن  إحدى المشاكل الكبرى  التي واجهها الحزب  الشيوعي بعد  توليه  السلطة  تمثلت في  نقص  المختصين وخاصة المهندسين والفنيين  الذين  النظام   كان  بأمس الحاجة  إليهم  في سعيه  إلى  تحويل  الاقتصاد  الرأسمالي السابق إلى  اقتصاد مركزي  خاضع  لسيطرة  الحزب  الشيوعي. بهذا لصدد  تجدر  الإشارة إلى  أن  النقص الشديد  للكوادر كان  النتيجة  المباشرة والفورية   لعملية  التطهير الواسعة  التي أقدم  عليها  الشيوعيون  بعد  وصولهم  إلى سدة الحكم  والتي  أدت إلى  سجن   نخبة   رومانيا  من  علماء ومثقفين وخبراء  لاعتبارات  عقائدية  بينما  كانت نخبة جديدة   حديثة  النشأة  تحاول أن  تحل  محلهم  لتلتزم حرفيا   بتعلميات الحزب  والمتطلبات  الإيديولوجية.

    كان معهد الإعلام والتوثيق الفني في رومانيا  الذي  تأسس  في عام 1949 المؤسسة التي تولت مهمة جمع المعلومات وإعداد التقارير حول  مدى  تطور التكنولوجيا في البلاد.

     المهندس غيورغي أنغيل كان  مديرا عاما لمعهد الإعلام والتوثيق الفني. وفي عام 2003 تطرق  في حديث  لمركز التاريخ  المروي  للإذاعة الرومانية إلى بدايات  المؤسسة :” أصبح معهد الإعلام والتوثيق الفني في رومانيا بمرور الوقت  مركزا علميا مرموقا وكان  أحد  أفضل  المؤسسات  من  نوعه  في  بلدان  الكتلة الاشتراكية. وكان مختصون من بلدان  عديدية  يزورننا  لإجراء  تبادل للخبرة والاطلاع على  طريقة  تنظيم عمليات التوثيق في رومانيا. وإلى جانب المعهد المركزي كان هناك أربعة وعشرون  مكتبا للتوثيق  متوزعة  على  مختلف  المجالات  والقطاعات وانهمكت هي الأخرى   في الترويج  لأحدث  متكسبات  التكنولوجيا   في  المجالات التي كانت  تعمل فيها .”

    اتخذ  معهد الإعلام  والتوثيق الفني من مبنى  في  وسط بوخارست  مقرا له  وكان من  حيث  التنظيم  صورة  طبق الأصل  عن  المعهد النظير في الاتحاد السوفييتي . وكان المعهد  يملك  مكتبة  ضخمة   احتوت  على   مجموعات  كبيرة من الكتب  والمجلات المتخصصة ووجدت فيها  قاعة  قراءة كبيرة   لاستضافة  الراغبين في الاطلاع  على الجديد  في مجالات تخصصهم .

    كان  المعهد يقوم  بتنظيم  المعلومات  التي  كانت  تصله  من  مكاتب الإعلام  والتوثيق  المختصة بحسب  غورغي   أنغيل:”لم  يقتصر نشاط  المعهد والمكاتب  الفرعية  على استلام الكتب والمجلات بل كان  المطلوب  منها أن  تقوم  بالترويج   لمحتوياتها . وكانت  أقسام  المعهد المختلفة  تقوم بتحليل  المعلومات الموجودة في المجلات  والكتب المتخصصة وإبلاغ  الجهات المعنية  بوجود محتوى مهم  في هذه   المجلة أو تلك فضلا عن تصوير الفهرس وتنظيم المواد  تمهيدا  لتوزيعها على  المشتركين . وكان موظفو المعهد يستخرجون المعلومات  المهمة  لعرضها لاحقا  على المختصين والخبراء “.

    لم يسلم  معهد الإعلام والتوثيق الفني من صرامة الرقابة  الشيوعية رغم طبيعة عمله  الفنية  الصرفة. غورغي أنغيل من جديد : “بعض  المجلات الموجودة  في مكتبتنا كان الاطلاع  عليها  ممنوعا  على  عامة  القراء  لاحتوائها على مقالات غير متوافقة مع  سياسة الحزب  الشيوعي . وكنا  نضع  ختما  خاصا  على  تلك المجلات ونرسلها إلى  مكتب الوثائق السرية  الذي  كان  دخوله  ممنوعا  على  موظفي المعهد . وأتذكر مقالا  باللغة الإنجليزية تناول ظاهرة غامضة  وقعت في جبال الأورال  بالاتحاد السوفييتي  حيث قام  عالم  إنكليزي  ببحث تلك الظاهرة استنادا إلى الوثائق التي نشرت  في  المجلات السوفياتية المتخصصة حيث  توصل  الباحث  الإنكليزي  إلى  استنتاج أن   كارثة نووية  كانت قد  وقعت  في جبال الأورال وأسفرت  عن  مقتل  أعداد  كبيرة  من  سكان  المنطقة . لكن  مثل هذه  الحوادث  غالب ما كان  الغموض  يكتنفها  وكانت  السلطات الشيوعية   تلتزم  الصمت  بشأنها .  لكن  ما  نعرفه  علم اليقين  أن  مقال  الباحث الإنكليزي  لم  يكن   ضربا  من الخيال   بل كان  يعتمد  على الوثائق التي  نشرها  السوفييت أنفسهم  في مجلاتهم”.

     

     اعتاد معهد  الإعلام والتوثيق  الفني على إقامة  الندوات والمؤتمرات وكان  بين  موظفيه  حتى عام 1974 مئات  من خريجي كليات  اللغات الأجنبية الذين كانوا يترجمون المقالات المنشورة في المجلات الأجنبية. ولكن  في عام 1974  قررت إيلينا زوجة  زعيم  رومانيا الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو التي كانت ترأس  المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا – قررت  زيادة  فعالية  عمل المعهد  وخفض عدد الموظفين إلى مائة وستين فقط  . وفي مطلع  الثمانينيات  ظهرت  في رومانيا  بوادر أزمة  حادة  كانت  لتؤثر على  جميع  الطقاعات .فقد  عانت  المؤسسات  بما فيها معهد  الإعلام والتوثيق الفني من  نقص  شديد للعملة الأجنبية مما  أدى إلى  تقليل مشتريات المجلات والكتب الغربية  بشكل كبير والاكتفاء بشراء المجلات والكتب السوفييتية. ولم تكن أزمة  المؤسسات   سوى  انعكاسة  لأزمة  النظام  التي  أدت إلى سقوطه في  عام 1989.

     

     

     

  • رومانيا وتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين

    رومانيا وتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين

    تعرف الرومانيون والأتراك على بعضهم البعض منذ مئات السنين وتحديدا منذ القرن الرابع عشر في أوج عملية تأسيس الدولة العثمانية مع وصول الجيوش التركية إلى البلقان . فأولى المعارك بين الرمانيين والأتراك دارت في عام 1369 عندما شاركت جيوش الأمير الروماني فلايكو في معارك ملك المجر لودوفيك الأول ضد جيش السلطات العثماني مراد الأول. ثم ابتداء من القرن الخامس عشر أصبحت إمارتا مولدوفا وفالاهيا الرومانيتان في حالة التبعية للإمبراطورية العثمانية وبقيتا تحت سيطرة العثمانيين لنحو خمسمائة عام إلى حين نيل رومانيا استقلالها عام 1878. بعد حرب الاستقلال التي دارت بين عامي 1877-1878 عادت العلاقات بين رومانيا وتركيا إلى طبيعتها أما اليوم فيربطهما تحالف عسكري واقتصادي مدعوم بالشراكة الاستراتيجية الثنائية التي وقعت عام 2011. وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين كانت رومانيا وتركيا – إلى جانب يوغوسلافيا واليونان — متحالفتين فيما سمي باتفاق البلقان الذي وقع عام 1934 بهدف إنشاء تحالف أمني لمواجهة نظريات مراجعة وتعديل الحدود القائمة بموجب اتفاقيات السلام التي وقعت لدى انتهاء الحرب العالمية الأولى . كما نص اتفاق البلقان على عدم اعتداء أي من أطرافه على طرف آخر ونظم وضع الأقليات العرقية في البلدان الموقعة.


    في حفل إطلاق المجلد الثاني من وثائق العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وتركيا بين عامي 1938و1944 تحدث السفير التركي في بوخارست أوزغور كافانجي ألتان عن أهمية البعد التاريخي للعلاقات بين العالمين التركي العثماني والروماني وعن العلاقات الدبلوماسية الجيدة بين رومانيا وتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين :”لطالما كانت تركيا ورومانيا قريبتين كما كانتا ولا تزالان جارتين وحليفتين . فالحقبة التاريخية التي يتحدث عنها المجلد الثاني شهدت تحالفا وعلاقات قوية جدا بين بلدينا فضلا عن أواصر وطيدة بين زعمائنا وخاصة بين وزيري الخارجية اللذين ربطتهما صداقة وثيقة .. لقد أذهلتني براعة الدبلوماسية آنذاك وقدرتها على رسم صورة دقيقة عن الواقع ولكن ما لم يذهلني هو عمق العلاقات بين بلدينا وها نحن نحيي ذكراها السادسة والأربعين بعد المائة. أعتقد أنها علاقة فريدة من نوعها تتجاوز في الواقع مائة وستة وأربعين عاما .كما أن الإمبراطورية العثمانية كانت ثاني دولة اعترفت باستقلال رومانيا وبعد وقت قصير من نيله . ومنذ ذلك الحين فصاعدا كانت العلاقة الثنائية مبنية على التفاهم والتعاون”.


    مما لا شك فيه أن توقيع ما سمي باتفاق البلقان في الفترة ما بين الحربين العالميتين كان أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية لرومانيا وتركيا في وقت كانت فيه أوروبا برمتها والبلقان على وجه خاص مناطق ساخنة رغم انتهاء الحرب . فاستمرار بؤر النزاع في البلقان حدى بالدول التي أرادت الحافظ عل آثار اتفاقيات السلام إلى تشكيل تحالف يتضمن تعهدات أمنية بين الدول الموقعة . المؤرخ إيونوتس كوجوكارو يقدم لنا نبذة عن تاريخ اتفاق البلقان :”يصادف عام 2024 ذكرى مرور تسعين عاما على توقيع اتفاق البلقان – تلك الوثيقة التي كان الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك قد رسم خطوطها العريضة . كان مشروعا إيجابيا بصورة عامة جاء توقيعه عام 1934 بعد سلسلة مؤتمرات بلقانية انعقدت بين عامي 1930 و1933 في كل من أثينا وإسطنبول في وبوخارست وسالونيك . في وقت سابق كانت تركيا قد وقعت اتفاقا مع الاتحاد السوفيتي وأبلغت موسكو برغبتها في الانضمام إلى اتفاق البلقان . في ذلك الوقت كانت العلاقات بين رومانيا والاتحاد السوفييتي مجمدة فسعت رومانيا إلى التقارب مع الاتحاد السوفييتي بواسطة تركيا.”


    يقول المؤرخون إن سياسة التحالفات الأمنية الإقليمية بين الدول التي عارضت مراجعة الحدود بهدف تعديلها كانت صائبة إلا أن اتفاق البلقان لم يتح الوقت الكافي لإنشاء آليات العمل والاستجابة الضرورية. المؤرخ يونوتس كوجوكارو :”كانت رومانيا وتركيا دولتين حديثتي النشأة وكانت سياساتهما الدفاعية تهدف إلى مواجهة نظريات تعديل الحدود تماشيا مع تنامي معارضة الدول لتلك النظريات في الفترة ما بين الحربين العالمتين . ولكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية تفككت تحالفات وبنيت أخرى جديدة ما يدل على أن التحالفات تصلح في أوقات السلم في حين أن أوقات الحرب تشهد انهيارها .”


    اتفاقية ميونيخ التي وقعت عام عام 1938 ومعاهدة ريبنتروب مولوتوف عام 1939 بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي تسببتا في انهيار التحالفات الإقليمية وجعلت رومانيا وتركيا في معسكرين متناحرين إبان الحرب العالمية الثانية :”تمتعت تركيا بالاستقرار إبان الحرب العالمية الثانية وكان خلف مصطفى كمال أتاتورك – عصمت إينونو من فاوض في لوزان على المعاهدة التي اعترفت بإنشاء جمهورية تركيا.. ولدى انتهاء الحرب وجدت رومانيا تركيا نفسيهما في دائرتي نفوذ مختلفتين لكن العلاقات الودية بينهما استمرت لخدمة المصالح المشتركة .”

  • وضع  العمال في الفترة مابين الحربين العالميتين

    وضع العمال في الفترة مابين الحربين العالميتين

    المتابع لتاريخ العمال الرومانيين يكشف أن الطبقة العمالية عانت على مر العصور جراء الاضطهاد والفقر .. فالمقالات الصحفية وخطابات الساسة فضلا عن الوثائق الرسمية أفردت حيزا واسعا للأوضاعهم المعيشية المزرية لكثير من العمال وأفراد أسرهم . لذا فقد يميل المراقب وهو يقيم أوضاع العمال في الفتلة ما بيين الحربين العالمتين إلى التعميم متغاضيا عن التفاصيل التي تصنع الفارق لكن التاريخ الشفهي قادر استنادا على تمكيل الصورة بالتفاصيل الناقصة وضحد التعميمات التي لجأ إليها البعض وخاصة الدعاية الشيوعية بين عامي 1945 و1989 .


    وقد أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلات مع أشخاص كانوا في عنفوان شبابهم في الفترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت فيها رومانيا ازدهارا غير مسبوق في تاريخها . فكان من بين من تحدثوا عن الأوضاع المعيشية للعمال في عشرينينات وثلاثينيات القرن الماضي مانولي فيليتي الذي كان قبل تولي الشيوعيين السلطة عام 1945 مديرا لمصنع زيوت . وفي عام 1996 وصف ظروف العمل في المصنع موضحا أن الإدارة كانت تهتم بتوفير غرف لتغيير الملابس وحمامات وأزياء حماية ومطاعم داخلية للعمال. كما اهتم هو شخصيا بالأوضاع المعيشية لعمال المنصع : “في صباح كل يوم أحد كنت أزور بعضا من زملائي في المصنع في بيوتهم . لكن قبل ذلك كنت أطالب قسم الموارد البشرية بإعداد قوائم بأسماء العمال الأكثر فقرا أو أولائك الذين كان لديهم أطفال كثيرو . وفي كل مرة كنت أملأ سيارتي بالمواد الغذائية ومواد التنظيف وما إلى ذلك وكنت أذهب إلى بيوتهم لأقدم لهم تلك الأغراض .. كنا نتجاذب أطراف الحديث لبعض الوقت حيث كنت استفسر عن احتياجاتهم وأطفالهم من الطعام واللباس لكي نساعهم بالمال اللازم لشرائها “.


    المحامي إيونيل موتشورنيتسا كان نجل الصناعي الكبير دوميترو موتشورنيتسا – أحد مؤسسي صناعة الجلود والأحذية في رومانيا . وفي عام 1997 تحدث عن الاهتمام الذي أولاه والده للأوضاع المعيشية للعاملين في مصانعه : “كان وجود النقابات شكليا فقط ولم تكن لعملها نتائج تذكر ولم يكن وجود النقابات يثني والدي عن بذل المزيد من الجهود من أجل ضمان الرعاية الاجتماعية والطبية للعاملين في المصانع سواء أثناء دوام العمل أو خارجه .وهنا أتحدث عن والدي فقط لأنني لا أعرف كيف كانت الأمور تسير في مصانع غيره من أصحاب العمل . لكني أود أن أذكر بأن والدي مام قام ببناء دار للتأمينات الاجتماعية بأمواله الخاصة بالإضافة إلى مدرسة ” الملكة ماريا “الثانوية ومستشفى “بوكور” كما نظم معسكرات صيفية لطلاب العديد من المدارس الثانوية . لم يكن هناك في ذلك الوقت عقد عمل جماعي ولكن كان هناك في المقابل عقد بين العامل وصحاب العمل كان يسمح للعامل بترك العمل متى ما يشأ . بشكل عام كانت نصوص عقد العمل تصب في مصلحة العامل بحيث كان من الصعب جدا على صاحب العمل أن يكسب قضية في المحكمة أمام مام أ العامل”


    الاهتمام بأوضاع العمال كان منصوصا عليه في القانون ولكن الدوافع الإنسانية تغلبت على الالتزامات القانونية في أحيان كثيرة . وقد تذكر المحامي يونيل موتشورنيتسا نمط حياة والده : “كان والدي يؤمن بضرورة استثمار الموارد الفائضة لتطوير المصانع والأعمال الخيرية . لقد عاش حياة بسيطة وامتنع عن الإسراف والتبذير وتوخى الاعتدال في كل شيء .. ولم يكن يدخن أو يشرب ولم يلمس أوراق اللعب يوما ولم يكن يحضر الحفلات الراقصة . كان رجلا جادا ومبدعا وأنا مقتنع بأن رومانيا كانت لتصبح بلدا صناعيا كبيرا عل غرار البلدان الصناعية المتقدمة لو لم يتول الشيوعيون السلطة بعد الحرب العالمية الثانية .”


    صانع أحذية تيوفيل توتيزان روى لمحرري الإذاعة في عام 2000 كيف تدرب على صنع الأخذية على يد أحد الحرفيين في منزل الأخير . كان التحق بمدرسة مهنية وفي عام 1929 حصل على وظيفة في مصنع “درماتا” بمدينة كلوج لكنه تعلم أسرار الحرفة من ذلك الحرفي : ” كنت أقوم بكل أنواع الأعمال المنزلية حيث كنت أطعم الحيوانات وأزيل الأعشاب الضارة من حديقته . كان سيدي رجلا وسيما تزوج من ابنة صانع أحذية ثري. وكانت لوالد زوجته ثلاث بنات وأعطى كلا منهن بيتا عند زواجها ولكن بعيدا عن هذا وذاك كان رجلا طيبا . كان يقول لي : الأجدى لك أن تسبني الآن وليس بعد ما تكبر”! كنت أدعو ربنا أن يخلصني منه لكني أدركت فيما بعد أنه جعل مني رجلا جادا . أتذكر أنه قال لي ذات يوم أنه سيجبرني على ابتلاع السيجارة في إذا ما رآني أدخن . خلاصة القول أنني لم أدخن سيجارة واحدة في حياتي. ثم عندما بدأت أعمل في المصنع لاحظت أن ظروف العمل كانت جيدة وعلمت أن العامل المبتدئ كان يتقاضى ستمائة لي في الأسبوع. لكن بعد فترة وصل راتبي إلى ألف وخمسمائة لي في الأسبوع .على سبيل المقارنة كان صديقي المدرس يتقاضي ألفا وثمانمائة لي في الأسبوع .”

















  • رومانيا  ومعاهدة  وارسو

    رومانيا ومعاهدة وارسو

    بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم تقسيم أوروبا إلى جزئين هما أوروبا الوسطى والشرقية التي احتلها الاتحاد السوفييتي وتحولت إلى منظومة شيوعية استبدادية من جهة وأوروبا الغربية الديمقراطية من جهة أخرى .كما أقيم جدار برلين الذي قسم ألمانيا إلى جزئين أحدهما شيوعي توتاليتاري والثاني ديمقراطي حر فضلا عن تقسيمه العالم إلى كتلتين متناحرين تماما كانا ينظران إلىأحدهما الآخر هما بعداء شديد تجسد في تأسيس منظمتين عسكريتين متناحرتين – حلف وارسو وحلف الأطلسي.


    رومانيا التي كان الجيش الأحمر قد احتلها عام 1945 وحولها إلى دولة تحكمها نظام شيوعي استبدادي انضمت هي الآخرى إلى معاهدة تأسيس حلف وارسو التي وقعت في العاصمة البولندية عام 1955 إلى جانب سبع دول اشتراكية أخرى هي ألبانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر فضلا عن الاتحاد السوفياتي. إلا أن انضمام البلدان الاشتراكية إلى معاهدة وارسو لم يكن طوعيا وإنما عن طريق الإكراه بدليل أن مساعي المجر للخروج منها عام 1956 أدت إلى غزوها من قبل قوات المعاهدة . ومع ذلك انسحبت ألبانيا من حلف وارسو عام 1968 بعد تبني النظام الشيوعي في تيرانا المواقف المتشددة للشيوعيين الصينيين فيظل خىفاتهم مع السوفييت .


    في عام 1968 تعرضت تشيكوسلوفاكيا لغزو قوات كل من الاتحاد السوفييتي وبلغاريا وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر كان الهدف منه وقف برنامج الإصلاحات الذي بادر به الأمين العام للحزب الشيوعي ألكساندر دوبتشيك وهي إصلاحات لم ترق للقيادة السوفييتية في موسكو باعتبارها ليبرالية غربية التوجه .. أما رومانيا فاعتبرت غزو تشيكوسولفاكيا وسمة عار في جبين معاهدة وارسو وأعلنت رسميا رفضها المشاركة فيه ما رفع أسهم زعيمها نيكولاي تشاوشيسكو وزاد من هيبته بشكل كبير. ومع ذلك ثارت مخاوف من احتمال أن تتسع عمليات قوات وارسو في تشيكوسلوفاكيا إلى رومانيا ويوغسلافليا . في عام 1992 أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلة مع ضابط الاستخبارات نياغو كوسما الذي أكد أن رومانيا كانت تترقب غزوا لقوات حلف وارسو بعد أحداث تشيكوسلوفاكيا بعد وصولها معلومات بهذا الشأن من عميل لها في قيادة حلف وارسو هو ضابط في الجيش البولندي :”الضابط البولندي كان قد جاء إلى رومانيا في عام 1939 مع عائلته وهو طفل والتحق بمدرسة ابتدائية وتعلم اللغة الرومانية بل اعتبر نفسه رومانيا وكان يقول إن رومانيا وطنه الثاني. في العشرين من يوليو تموز 1968 طالب الضابط البولندي باجتماع عاجل مع العقيد الروماني بيكيل وقال له إن الزعيم السوفييتي بريجنيف مع رئيس الكي جي بي أندروبوف وقيادات الجيش السوفييتي يخططون لعزو كل من تشيكوسلوفاكيا ورومانيا ويوغوسلافيا لعدم رضاهم عن سياسات دوبتشيك وتشاوشيسكو وتيتو. وأوضح الضابط البولندي أن فريقا من ضباط هيئة أركان معاهدة وارسو يعمل على وضع تفاصيل خطة العزو . كما قال أن الغزو سينفذ على ثلاث مراحل. أولاها في تشيكوسلوفاكيا والثانية في رومانيا بعد ثلاثة أسابيع على الأولى وأخيرا في يوغوسلافيا. وأكد الضابط البولندي أن قوات سوفيتية كانت في طريقها إلى تشيكوسلوفاكيا.”



    الجيوش والتحالفات العسكرية غالبا تعكس مستوى التطور المادي والروحي للبلدان المعنية فأي مقارنة بين جويش معاهدة وارسو وقوات حلف الأطلسي كانت تظهر بوضوح تفوق التحالف الغربي لجودة أسلحته ومعداته وإن كانت الكتلتان متساويتين في العدد والعتاد . وجاء حل حلف وارسو في عام 1991 على خلفية التحولات السياسية الكبرى التي شهدتها أوروبا الوسطى والشرقية عام 1989 ليؤكد مرة أخرى فشل الأنظمة الشيوعية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.الدبلوماسي الروماني فاسيلي شاندرو تحدث في عام 1994 عن الاجتماع الأخير لزعماء الجمهوريات الاشتراكية السابقة :


    “ترأس الاجتماع رئيس الوزراء المجري جوزيف أنتال ونوقشت عدة قضايا ومن بينها مستقبل العملية الأوروبية بشكل عام والأمن الأوروبي وتأسيس تراكيب الأمن والتعاون في أوروبا فضلا عن مراجعة طبيعة معاهدة وارسو ووظائفها ونشاطها وبحث إمكانية إعادة هيكلتها . الزعيم السوفييتي جورباتشوف فطرح في الاجتماع عددا من القضايا كما تحدث عن الوضع في أوروبا وأفق معاهدة وارسو مركزا بشكل خاص على وضع ألمانيا. فقد تقرر تشكيل لجنة حكومية مهمتها تحليل وظائف وأنشطة معاهدة وارسو على أن تجتمع اللجنة في براغ في وقت لاحق . أو كما هو معروف تم التراجع عن عقد اجتماع اللجنة وفي نهاية المطاف اجتمع وزراء الخارجية لبلدان الحلف في براغ ووقعوا على الاتفاق الذي تم بموجبه حل معاهدة وارسو رسميا في الأول من يوليو تموز عام 1991.”



    .