Category: الموسوعة الإذاعية

  • الهدايا التي تلقّاها تشاوشيسكو


    في المتحف الوطني للتاريخ الروماني، تحوي مجموعة خاصة الهدايا التي تلقاها نيكولاي تشاوشيسكو، الرئيس السابق لرومانيا الشيوعية وزوجته إيلينا تشاوشيسكو بين عامي ألف وتسعمئة وخمسة وستين، ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين.


    وقد استفاد الـزوجان تشاوشيسكو من ثقافة عبادة الشخصية، الأكثر وضاعة في تاريخ رومانيا بأكمله، في وقت كان فيه مستوى معيشة الرومانيين العاديين، في أدنى مستوى في التاريخ المعاصر. إن الأغراض التي تلقاها تشاوشيسكو، والتي تشيد بالديكتاتورين، تتناقض تناقضاً صارخاً مع الجو الكئيب، الذي ساد في السنوات التي سبقت عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين. كما أن العدد الكبير والمتنوع للأغراض والهدايا في المجموعة الخاصة بـتشاوشيسكو، شكّل معرضاً خاصاً بالفترة ما قبل عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين.


    تحدثت مع كريستينا بايوشان-نويكا، الباحثة في المتحف الوطني للتاريخ الروماني، حول المجموعة الرائعة للأغراض التي ورثتها رومانيا بعد سقوط نظام تشاوشيسكو.


    ” يدور الحديث هنا حول أكثر من عشرة آلاف قطعة، من الهدايا فقط، بدون اللوحات التي تمجّد شخصية تشاوشيسكو. هذه الأخيرة تشكل مجموعة خاصة منفصلة، حتى أن (كورنيل إيليه) أصدر ألبوماً يجسّد هذه المجموعة تحت اسم “لوحة للرفيق”. يتنقسم “المجموعة الخاصة”، التي تضمّ أكثر من عشرة آلاف هدية تلقاها تشاوشيسكو بخلاف اللوحات، إلى قسمين. يتضمن القسم الأول، الهدايا التي تلقاها من الخارج، ومن جميع البلدان التي زارها، أو من وفود أجنبية قادمة إلى رومانيا. بينما يتضمن القسم الثاني، الهدايا التي تلقّاها من الداخل، خلال زياراته الداخلية في البلاد، لا سيما خلال انعقاد المؤتمرات، أو بمناسبات عيد ميلاده”.


    كما ذكرنا، الهدايا التي تلقاها تشاوشيسكو هي من مجموعة متنوعة وواسعة: من نماذج جرار، النموذج الأول من سيارة داتشيا، النموذج الأول من سيارة أولتسيت، النموذج الأول من طائرات الهليكوبتر، والقطارات والقاطرات إلى السفن، والنظارات، والمناشف الشعبية، والمناديل، والوسائد والعديد من الأشياء الأخرى.


    قبل عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، كان متحف التاريخ قد خصص عشر قاعات، وعدة آلاف من الأمتار المربعة للمعرض الكبير المسمى “أوماجيالا” حيث كانت معظم هذه القطع معروضة. وقد تم تقسيمها إلى هدايا وردت من البلاد، وتلك الواردة من الخارج.


    كما تم تقسيم الهدايا إلى فئات من الأغراض مثل أنياب الفيلة، وفراء النمر، والصنادل، والأفلام التي تم إحضارها من كوريا والصين، والمحافظ، والقبعات التكساسية التي وردت خلال الزيارة إلى الولايات المتحدة وتكساس. في الثمانينيات، بدأت الهدايا التي تلقتها إلينا تشاوشيسكو تظهر إلى جانب الهدايا التي تلقاها نيكولاي تشاوشيسكو مثل المحافظ. وقد أشارت كريستينا بايوشان-نويكا إلى أن شخصية إيلينا تشاوشيسكو في العقد الأخير من النظام الشيوعي قد ازدادت أهميتها، وهو ما يتضح أيضاً من العدد المتزايد من الهدايا النسائية في المجموعة الخاصة.


    ” خلال الزيارات وحفلات الاستقبال، تلقت إيلينا تشاوشيسكو مثل هذه الهدايا، كالصنادل النسائية، والمحافظ، والأوشحة والأقراط، ومحافظ الجيب، والعديد من الأغراض المشابهة. يضاف إلى ذلك نفس النوع من الهدايا، التي تلقتها إيلينا تشاوشيسكو بمناسبة ذكرى زواجها. وبينما أصبحت الشيوعية وعهد تشاوشيسكو فترة عبادة الشخصية، تقاربت عبادة شخصية إيلينا تشاوشيسكو من عبادة نيكولاي تشاوشيسكو، من عام ألف وتسعمئة وستة وثمانين حتى عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين. لدينا لحاء شجر مصنوع من أجل “الرفيق المهندس الطبيب الأكاديمي”، إحدى اللوحات الرائعة التي رسمها الرسامون المعروفون أو الأقل شهرة، والذي بدا فيها مثل لوحة بياض الثلج، أكثر منه في الواقع.”


    إحدى أهم خصائص الهدايا هي طابعها الشخصي. كريستينا بايوشان نويكا.


    ” كانت الهدايا مخصصة بشكل شخصي تماماً. كانت مخاطة يدوياً على منديل، أو على وسادة، أو على نموذج لمنتج ما، أو على منحوتة، وفي بعض الأحيان كانت جزءاً من النحت نفسه. كانت الهدايا مخصصة وقت تقديمها، مع تاريخ تقديمها. للأسف، ليس لكل الهدايا هذه المعلومات كي تساعد الباحث في تحديد هويتها”.


    تعتقد كريستينا بايوشان نويكا، بأنه لا يمكن تقييم المجموعة الخاصة مادياً مع ما تحتويه من الهدايا، التي تلقاها تشاوشيسكو، لأن لها قيمة لا يمكن تثمينها، وهي قيمتها التاريخية.


    ” نظراً لكثرتها وتنوعها، لا يمكن قول أي مبلغ مالي، لأنها جزء من التاريخ الروماني، وأعتقد أنها تستحق مبلغاً كبيراً لا أستطيع حتى التفكير فيه. فهي أشياء فريدة من نوعها وغير قابلة للتكرار. وإذا تم إفساد أحدها، فلا يمكن إعادة صنعه. يمكن صنع نسخة منه، لكنه سيكون مختلفاً تماماً. بالإضافة إلى قيمتها في حدّ ذاتها، هناك أيضا قيمتها التاريخية، بما يتضمن الشعور حول من كان يمتلكها وينظر إليها”.


    بعد أن تمت إعادة النظر في مساحة المتحف، اختفى المعرض الكبير الذي كان موجوداً قبل عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين. حيث تمّ تجميع الهدايا التي وردت فقط في عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، من قبل المتحف الوطني للتاريخ الروماني في معرض “ألف وتسعمئة وتسعة وثمانون، بعد ثلاثين عاماً”. لكن للمتحف مشروع على الإنترنت، بعنوان “الشيوعية في رومانيا”، حيث يمكن رؤية بعض هذه القطع.


  • إيوجينيو يورداكيسكو

    إيوجينيو يورداكيسكو

    بدءاً بالعام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين، وبعد الزلزال الأرضي العظيم، الذي أدى إلى موت ما يقرب من ألف وخمسمئة إنسان، عانت “بوخارست” من تحولات عميقة خلال حكم النظام الشيوعي تحت سلطة “نيكولايه تشاوشيسكو”. منذ العام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، ظهرت كتب ومجلدات تصويرية تُعيد إنتاج صورة بوخارست المفقودة، وتُقارن بين الملامح الحضرية القديمة والواقع الحالي.


    في المركز، كان تنظيم المدينة، كما تمت تسميته رسمياً بسياسة الهدم، كله يدور حول قصر الشعب الهائل، قصر البرلمان الحالي، وشارع فيكتوريا، والذي هو اليوم شارع أونيري. كان الطموح لتغيير مدينة بوخارست بشكل غير مسبوق حتى الآن في تاريخ رومانيا، يعني فقدان معالم عالمية ودينية هامة، باستثناء المنازل الخاصة ذات الجمال الاستثنائي.


    بلغ عدد الكنائس المتهدمة نحو عشرين كنيسة، من أكثرها أهمية وسمعة، كنيسة “فاكاريشت”، وكنيسة “كوتروتشين”، وكنيسة “الجمعة المقدسة”، وكنيسة “ليني Ienei”. وقد تم نقل اثني عشرة كنيسة أخرى من موقعها الأصلي، لحمايتها من شفرات البلدوزرات، أو أنه تم إخفاؤها وراء كتل الأبنية.


    كان الحل المنقذ للآثار في “بوخارست” هو العملية التي تسمى الترجمة، أي نقل المباني لإفساح المجال للشوارع والأسواق الجديدة المزمع تنفيذها. كانت الترجمة عبارة عن عمل فريق من المهندسين بقيادة “إيوجينيو يورداكيسكو”، المدير التقني في معهد بوخارست للتصميم. وهكذا، فإن كنيسة السيدة العذراء، وكنيسة أولاري، وكنيسة ميهاي فودا، وكنيسة السيدة بالاشا، وقصر سينودال من دير “أنتيم” إضافة إلى أبنية أخرى، لم نكن لنراها، لولا عمل ” يورداكيسكو” وفريقه.


    في الخامس من كانون الثاني (يناير) عام ألفين وتسعة عشر، توفي “إيوجينيو يورداكيسكو” عن عمر ناهز التسعة وثمانين عاماً. وُلد في مدينة “براييلا” عام ألف وتسعمئة وتسعة وعشرين، وأصبح مهندس بناء في عام ألف وتسعمئة وثمانين، وقد طبّق وهو ورفاقه طريقة نقل الأبنية، والتي يتم استخدامها بنجاح في البلاد ذات الخبرة في مجال البناء لمدة تزيد عن قرن من الزمان. كان الحل المقترح يتمثل في تقوية أساس المبنى، الذي يدعم الأعمدة المسلحة المنتشرة من مكان إلى آخر، وصبّ بلاطة خرسانية تحت الأساس. ومن ثم يتم تجميع أجزاء المبنى بواسطة بعض البكرات تحتها، والتي تم تركيبها على القضبان، ومن ثم يمكن نقلها إلى أي مكان. كان نجاح أسلوبه كبيراً، حيث تم تطبيقها على ثمانية وعشرين مبنىً آخر. ثلاثة من المباني التي تم نقلها، كانت في طريق شتيفان الكبير في بوخارست، خلال حلقة بثت على التلفزيون في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين، ولم يتم إجلاء السكان ولم تتوقف إمدادات الغاز والمياه والكهرباء. في عام ألفين وأربعة، أجرى “إيوجين يورداكيسكو ” مقابلة مع مركز التاريخ الشفهي، التابع لشركة الإذاعة الرومانية ، تحدث فيه عن كيفية تطبيق عملية النقل هذه في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين.


    ” الأبنية المنقولة من شتيفان الكبير كانت ثلاثة أبنية. كان يجب هدمها أو نقلها. عندما بدأت هذه التقانة بالنجاح تبعاً للنتائج، أتاحت لي أن أنقل تلك الأبنية. يمر من تحتها أنفاق المترو، لذا عليها أن تختفي ببساطة. في هذا العمل، كانت من بين المدعوين “سوزانا غديا”، رئيسة مجلس الثقافة والتربية الشيوعية. بعد أن شاهدت بداية عملية النقل، قالت لي الرفيقة “غديا” في لحظة ما: هل يمكننا زيارة شقة ما؟ أجبتها: أعتقد ذلك، عبرنا الممر الذي كان يفصل بيننا وبين المبنى المتحرك، دخلنا المبنى، واستقلينا المصعد الذي كان يعمل. تلتفت سوزانا غديا المدهوشة إليّ وتقول لي: أنت مجنون كبير! توقفنا في الطابق السادس، دخلنا الشقة وأرادت الجلوس للتأكد من أن لا شيء يتحرك. لم تشعر في المصعد بأي شيء، على الرغم من أن المبنى كان يتحرك. في الشقة طلبت كوباً من الماء، لكن المضيف جلب لنا كؤوساً كثيرة. لم ترغب في شرب الماء، لكن كي تتأكد فيما إذا كان سطح الماء يتحرك أم لا. ولم يتحرك”.


    ومع ذلك، فإن إبداع المهندس ” يورداكيسكو” وفريقه لم يرق للزوجان “تشاوشيسكو”. وعلى الرغم من حلّ النقل هذا، أمر “نيكولاي تشاوشيسكو” بهدم بعض الكنائس، كما كان الحال في دير “فاكاريشت”، أو كنيسة الجمعة المقدسة، رغم وجود مساحة كافية للانتقال هناك. وقد شرح ” يورداكيسكو” بالتفصيل كيف تدخل الأخصائيون في قصر السينودال في دير “أنتيم”.


    في الكنائس، وفي معظم الحالات، قمنا بعمل إطار حامل لحاجتنا إلى شيء يتحمل وزناً أكبر. في أي كنيسة، يظهر ذلك في الجدران الخارجية، الثخينة للغاية. قصر “السينودال” في دير أنتيم، عمل رائع وفوق الوصف. إنه بناء من تسعة آلاف طن، وتم نقله على ثلاثة مراحل. كانت المرحلة الأولى هي التدوير، لإخراجه من محاذاة الأبنية المستقبلية على شارع فيكتوريا. المرحلة الثانية، كانت عملية نقل طولها عشرون متراً. عندما تنفسنا الصعداء، واعتقدنا أننا مستعدون، جاء “تشاوشيسكو” الذي لم يوافق على الموقع. احتجنا إلى التحريك ثلاثة عشر متراً أخرى. وهناك حدث شيء ما مرة أخرى، لكنه لم يكن خطؤنا. في واحد من أبراج الدير كان يوجد مطبخ، وكان هذا البرج هو الأول الذي نقلناه لمسافة أربعين متراً. يجب الحفاظ على هذا البرج الموجود على يسار المدخل، لأنه كان متماثلاً مع البرج الأيمن. وجاء تشاوشيسكو بعد أن انتهينا من العمل، وهو عمل هائل، وأمر بهدم البرج. وقد هدمنا البرج بأيدينا”.


    حاول المهندس “إيوجينو يورداكيسكو” وفريقه الحد من الخسائر التي عانت منها بوخارست في ذلك العقد القاسي. وقد نجح إلى حد ما، إلى الدرجة التي كانت ممكنة.

  • الموت والصورة في الفن الروماني

    في الفضاء الروماني، تم التعبير عن الموت ضمن الكنائس على شكل رسالة أخلاقية. وقد ظهر الموت كتعبير عن قِصَرِ الحياة، على قطع فنية صغيرة، وكتبٍ كنسية، وعلى شكل مطبوعات شعبية. ركز الباحثون الرومانيون الذين درسوا التمثيل الفني للموت في الفضاء الروماني، على دراسة الصورة، بدءاً من الدراسات الموجودة فعلاً في الغرب. يتفق معظم أولئك الذين تعاملوا مع الموضوع، على أن الموت يثير الحاجة للصورة، لأنه غياب يجعل الشخص يقول شيئاً في مكانه. “كريستينا بوغدان”، هي محاضرة في كلية الآداب في جامعة بوخارست، وهي تتعامل مع تمثيل الموت في الفن الروماني، من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.


    “هناك الكثير مما يمكن التحدث به، عن العلاقة بين الصورة والموت. تأتي العلاقة بينهما من خلال اللعب بين الحضور والغياب. في اللحظة التي يغيب فيها شيء ما، تشعر بالحاجة إلى ملئ هذا الغياب بصورة. كلاهما، الصورة والموت، ينكشفان لنا في الغياب. في الحقيقة، علينا أن نتعامل مع لعبة بين الموت الذي يفكك، والصورة التي تُركّب. نتحدث دائماً حول التفكيك من خلال الموت، حول الجسد الذي يتعفن، حول حقيقة أن من يموت سيفقد هويته البصرية”.


    سيتم تجسيد الموت من خلال الصورة، بسبب الخبرة المحدودة لحياة شخص ما. وهذا كان في الذهنية الجمعية لكل المجتمعات، ولا تُعدُّ مجتمعات اليوم حالة استثنائية. “كريستينا بوغدان”:


    “الموت وقبل كل شيء هو صورة، ويبقى صورة. في الأساس، يبقى الموت فكرة مجردة، إذا فكرنا في الطريقة التي نعرف فيها الموت، فنحن نتعلق بجسد المتوفى. إنه حقيقة واضحة نواجهها، في مكان حدوثه، وفي لحظة ما، نشعر بضرورة أن نضع شيئاً، أن نحتفظ بالذي غادرنا ضمن إطار معين. عملياً، كل الذي نضعه في المكان، يحدّثنا عن هذا البعد الأيقوني للموت. تحدث “فيليبي آرييس Philippe Aries“، أيضاً في مجلد رائع، مخصص لصور الإنسان في مواجهة الموت، عن التصنيفات المختلفة للصور، والتي يمكننا وضعها مكان أولئك الذين لم يعودوا موجودين. الصور موجودة حتى اليوم، حتى ولو قلنا أننا لم نعد نهتم كما كنا من قبل بالأقنعة الجنائزية، لدينا أساليب أخرى للحفاظ على صورة المتوفى. يصنعون الصور، هناك ألبومات صور للجنازات، هناك مقابر افتراضية، ذكريات عبر الانترنت، هناك صفحات للموتى على الفايسبوك، يمكن أن تكون مخيفة في الواقع. يبدو أنه يوجد أكثر من خمسة ملايين ملف شخصي لأشخاص لم يعودوا بيننا. ومع ذلك، توجد ملفاتهم الشخصية وما تزال نشطة”.


    في الكنائس الرومانية، كانت صور الموت شائعة. لكن كان لديها وظيفة تربوية، حيث تُعلِّم المسيحي الذي يأتي إلى الكنيسة. “كريستينا بوغدان”:


    “لقد انطلقتُ من صورة تقول كل شيء. لماذا؟ لأننا في المقام الأول تحدّثنا في نفس الوقت حول التزيين الداخلي والخارجي. تظهر معظم صور الموت في “مونتينيا”، في الكنائس المرسومة بين عام ألف وسبعمئة وخمسين وعام ألف وثمانمئة وخمسين، في الداخل والخارج، ولكن أكثرها في الخارج. داخل كنيسة قروية صغيرة من الخشب، وضمن الديكور الداخلي توجد صورة جدارية، حيث تُظهر بنّائي الكنيسة يحملون مجسّماً للكنيسة، وعلى المجسّم يظهر مسرح، لم يعد موجوداً في الصورة الخارجية، ولكن يمكننا تخيل أنه مازال موجوداً. إنه حديث عن مسرح، الذي كان من المفترض وجوده، على الجدران الشمالية للكنيسة في “تشيونغيتو Ciungetu“، في محافظة “فالتشا”، كنيسة مرسومة في عام ألف وثمانمئة وواحد وستين، من قبل الرسام “نيكولاي بونيسكو Nicolae Bunescu “، والتي تمت إشادتها من قبل القرويين، وفي مقدمتهم “فلوريا إيونيسكو”، الذي تقول عنه الأساطير المحلية، بأنه قد عاش مئة وخمس سنين. يحتوي هذا المسرح على عنصر جعلني أفكر فيه: إنه نوع من موضوع الصياد المطارَد. إنه شخصية تطارد غزالاً ذكراً، وهو تمثيل للموت مع منجل في يده، مع شعر منكوش، وعيون جاحظة. هناك علامات سوف نواجهها في تعابير أخرى”.


    الصورة المعيارية للموت، هي صورة رجل عجوز مخيف، برأس مقنّع وحقيبة يحمل فيها الأدوات الحادة، التي يفصل فيها بين الجسد الروح. في الحقيبة يحمل أيضاً الجثث التي أخذها. يستخدم الموت أشياء للقطع أو التثقيب، مثل السيف، السكين، المنجل، الفخ، وغيرها، لكن المنجل ذو الذراع الطويلة هو الأكثر حضوراً. “كريستينا بوغدان”:


    “المنجل ذو الذراع الطويلة هو العنصر الذي يعرّف الموت، والذي يظهر في دفاتر النماذج. في دفتر النماذج الخاص بـ “رادو زوغرافول Radu Zugravul“، المنجل ذو الذراع الطويلة هو الأداة المفضلة، في الصور الأربعة التي يظهر بها، يترافق الموت مع المنجل. في رسومات المخطوطات، يُظهر “بيكو باتروتس Picu Pătruț” الموت في شكل أقرب إلى النمط الغربي، قرب المنجل ذو الذراع الطويلة والنشّافة الرملية، والتي لا تظهر في التمثيل الروماني الشعبي. في الكتب الشعبية مثل ” الشجاع والموت”، هناك مواجهة ومعركة عقلية، تناقض بين الجسد والروح، واحتجاج، حتى مع الموت، مع المنجل كأداة تعريفية. في كتب الفولكلور، يظهر الموت بوضوح كشخصية كريهة، غير مرغوب فيها، عجوز قبيحة، كهيكل عظمي، والتي تحمل في يدها منجلاً”.


    تأثر تمثيل الموت في الفضاء الروماني، بالتصوير الديني والنماذج الفنية، من فضاءات ثقافية أخرى. كانت تلك التمثيلات موجّهة للناس في ذلك الوقت، أما بالنسبة لناس هذه الأيام، فقد اخترع الفن تمثيلات جديدة.

  • الرومانيون ورحلاتهم في القرن التاسع عشر

    الرومانيون ورحلاتهم في القرن التاسع عشر

    لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، حتى يتخلص الروماني من هذه العادة، وبدءاً من العام ألف وثمانمئة، يذهب المزيد والمزيد من صغار الأرستقراطيين، وكذلك أيضاً بعض كبار السن، لاكتشاف غرب أوروبا أولاً، ثم العالم بأسره. وقد كتب العديد منهم مذكراته وانطباعاته، لكن الأول الذي أصبح مشهوراً، بسبب جريدة الرحلات، كان الأرستقراطي “دينتشيو غوليسكو” من خلال –مذكرات رحلتي- المطبوعة في أعوام ألف وثمانمئة وأربعة وعشرين، ألف وثمانمئة وخمسة وعشرين، ألف وثمانمسة وستة وعشرين”. بدأت الرحلة في “ترانسلفانيا”، لأنه سيعبر من هناك إبى “هنغاريا”، “النمسا”، “إيطاليا”، “ألمانيا”، ومن ثم “سويسرا”. وقبله، كان الباحث “غيورغي آساتشي”، أول روماني ارستقراطي فتي يصل إلى “فيينا”، في عام ألف وثمانمئة وسبعة، وبعدها إلى “روما”، كي يتم أبحاثه المطلوبة. يبدأ معهم أدب رحلات غني، لأبطال مجهولين معروفين قليلاً، لكن ممتعين. تم جمع هذه النصوص من قبل البروفيسور الجامعي “ميرتشيا آنغيليسكو”، في مجلد ” الرومانيون الرحّالة ورحلاتهم في الرقرن التاسع عشر”. “ميرتشيا آنغيليسكو”:


    “كان القرن التاسع عشر بالنسبة لنا، القرن الذي حدث فيه العديد من الأشياء، بشكل عام، والتي احتاجت من قرنين إلى ثلاثة قرون كي تحدث لدى شعوب أخرى. لقد أنجزنا العديد من الأمور في ذاك القرن، لقد كان هناك العديد من الرحالة المشهورين، الذين قالوا أشياء مهمة، والتي ستفكر فيها بشكل آلي. بالمقابل، تم إهمال البعض الأقل شهرة، ولكنهم الأكثر إمتاعاً. على سبيل المثال، هناك سيدة ذات حياة مثيرة، إنها “أوتيليا كوزموتسا”، ابنة رجل دين روماني من شمال “أرديال”، والتي تزوجت نحو العام ألف وتسعمئة مع موظف رسمي في الامبراطورية النمساوية-الهنغارية. لكنها امتلكت مواهب فنية متعددة. ذهبت إلى ألمانيا لدراسة الرسم، لكنها وقعت هناك في حب اليابان. غادرت إلى اليابان بمنحة حكومية، على أن تلتزم بأن تكون مراسلة من هناك. أرسلت بضع مراسلات مثيرة جداً للاهتمام حول الحياة والثقافة اليابانية. لكنها بعثت أيضاً مراسلات من “باريس”، حيث التقىت على ما يبدو بـ”برانكوش Brâncuşi “.


    امتدت روح الانتعاش من العام ألف وثمانمئة حتى الحرب العالمية الأولى. إذا كانت البدايات خجولة، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وخاصة في الجزء الأول منه، كان العديد من الرومانيين يقومون بالفعل برحلات حول العالم، إما للاسترخاء، أو للمغامرة، أو لأغراض علمية. وصل “ديمتري غيكا كومانيشت” إلى أفريقيا، ودار “باسيل أسّان Basil Assan ” العالم، فيم وصل “إميل راكوفيتسا” حدود القارة القطبية الجنوبية. من بين هذه الأسماء الشهيرة ، يمكن استخراج بعضها الأقل شهرة، ولكن بمساهمات قيّمة. لقد جمع “ميرتشيا آنغيليسكو” أعمال أولئك أيضاً.


    “كان بعضهم بكل بساطة مغامرين يظهرون ثم يختفون، كيف هم، حلفاء، بعض الجنود في وحدة عسكرية أجنبية، الذين كانوا يتواجدون في أفريقيا في العام ألف وتسعمئة، وبالتالي، من المحتمل، بداعي الملل بدأوا يبعثون إلى البلد مراسلات مختلفة، ثم اختفوا بعد ذلك. كانت مهنتهم خطيرة جداً. خلال عامي ألف وتسعمئة وثلاثة-ألف وتسعمئة وأربعة، غادر صحفي يساري من “غالاتس” إلى أفريقيا كي يزيد من ثرائه بعمله في الزراعة، بعد أن أفلست صحيفته. بقي هناك بضعة أعوام، وفشل فشلاً ذريعاً، وبالطبع، هي خبرة تستحق أن يُكتب حولها. بالنسبة لمن هو غير معتاد على أدب الرحلات، من المثير للاهتمام أن يكتشف أن الرومانيين، الذين كانوا يمتلكون سمعة الخمول والالتصاق ببلدهم، في القرن الثامن عشر أو بداية القرن التاسع عشر، أن يتحولوا في بضع عشرات من السنين إلى مغامرين مشهورين في البر والبحر”.


    إذا كان اكتشاف أوروبا الغربية في البداية، جعل مسافرينا يشعرون بأنهم غير مرغوبين، فقد اكتشف الرومانيون خلال الوقت شيئًا آخر. “ميرتشيا آنغيليسكو”:


    “لقد ربحنا في القرن التاسع عشر منذ البداية، مكاناً أوروبياً. لقد أدركنا، في الواقع، أننا أوروبيين، وأننا تبنينا الثقافة الآوروبية بشكل واعٍ. وكله يبدأ بفضل الرحالة، تحديد أوجه التشابه و المناطق الحضارية التي يجب ملؤها بالحضارة الأوروبية”.


    ولأجل هذا، كان في السابق هناك حاجة إلى نوع من الصدمة الناتجة عن الرحلات. صدمة تعيدنا إلى الوعي، ولكن مع حقيقة، أن التحديث أو الأوربة كانتا في متناول اليد، وأن الرومانيين يشكلون جزءاً من الغرب، وليس من الشرق الذي استوعبنا لقرون. ندين لكل القرن التاسع عشر، وكذلك لرحّالته، تغطية الفجوات مع أوروبا الغربية، بوتيرة سريعة جداً.

  • اكتشاف نساء الحرب الكبرى

    في فترة ما قبل الوحدة الكبرى عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، وفي أعوام الحرب العالمية الأولى، الصعبة بالنسبة للملكية الرومانية، الموجودة في جزء كبير منها تحت الاحتلال الألماني، منذ بداية كانون الأول (ديسمبر) عام ألف وتسعمئة وستة عشر، لم يكن الجنود الموجودون على الخط الأمامي هم الرائعون فقط.


    بعيداً عن خط الجبهة، كان على عاتق النساء مهمة الحفاظ على معنويات الناس، ومساعدتهم على حلّ عدد لا يحصى من المشاكل التي ظهرت آنذاك. بالإضافة إلى الأعمال الخيرية والدبلوماسية، المعروفة منذ زمن طويل، للملكة ماريا والأميرة مارثا بيبيسكو، بدأ التحقيق في مشاركة نساء أخريات في السنوات اللاحقة.


    نظمت الأرشيفات الوطنية مؤخراً، معرضاً للصور الفوتوغرافية القديمة والوثائق والمخطوطات، لإلقاء الضوء على عمل النساء الرائعات ، الأخوات في الأعمال الخيرية وأسلاف الحركة النسوية الرومانية. مونيكا نيغرو، أمينة معرض اكتشاف تاريخ نساء الحرب الكبرى، تصف لنا باستمرار سيرة حياة بعضهن. ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ مع ألكساندرينا كانتاكوزينو Alexandrina Cantacuzino ، رمز الحركة النسائية بين الحربين. مونيكا نيغرو.


    كانت ألكساندرينا كانتاكوزينو امرأة ذات ثقافة عالية وإرادة قوية، وروح متدينة، تقليدية ووطنية، وهي خطيبة أوروبية المستوى. وُلِدَت في أيلول (سبتمبر) عام ألف وثمانمئة وستة وسبعين، وتزوجت من السياسي المحافظ غريغوري كانتاكوزينو، الوزير ووزير الدولة وعضو البرلمان. دعمت حركة تحرير المرأة الرومانية حتى من أموالها الخاصة، على سبيل المثال، قامت بتمويل ثلاثة وثلاثين مدرسة، وإرسال آلاف الكتب إلى باسارابيا. كانت ألكساندرينا كانتاكوزينو ممثلة للحركة للنسوية الرومانية والدولية في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين. منذ عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، ترأست الجمعية الأرثوذكسية الوطنية للمرأة الرومانية، التي دعمت تأسيس الجمعيات الثقافية والمدارس والإسكان الاجتماعي في بوخارست ومدن أخرى. في سنوات الحرب العالمية الأولى، فضلت ألكساندرينا كانتاكوزينو البقاء في بوخارست خلال الاحتلال الألماني، وتمت تسميتها كعضو في الصليب الأحمر، حيث عملت في مستشفى كبير للجرحى في العاصمة، كما ساعدت أسرى الحرب في معسكرات بوخارست.


    وبعد الحرب، واصلت ألكساندرينا كانتاكوزينو العمل لمساعدة الفتيات الفقيرات، وتحرير النساء بشكل عام. كما دعمت إنشاء وحدة تعاون صغيرة من النساء بين رومانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا واليونان، وكانت رئيسة هذا المنتدى بين عامي ألف و تسعمئة وثلاثة وعشرين، وألف وتسعمئة وأربعة وعشرين. أما بين عامي ألف وتسعمئة وخمسة وعشرين، وألف وتسعمئة وستة وثلاثين، فقد كانت نائب رئيس المجلس الدولي للمرأة. توفيت في عام ألف وتسعمئة وأربعة وأربعين، وقد كان عملها مدعوماً من قبل ألكساندرينات أخرى شبيهات بها. تحدثنا مونيكا نيغرو عن ذلك:


    وُلدت ألكساندرينا فالكويانو في أسرة قديمة من الملاّك الجبليين. كان أبوها أستاذ رياضيات جامعياً في بوخارست. وكانت ابنة عمها الكبرى إيلينا فاكاريسكو Văcărescu، التي عاشت معها في الغرب. خلّفت ألكساندرينا فالكويانو مجموعة مذكرات محفوظة في الأرشيف الوطني. خلال حروب البلقان، اتبعت دورة تمريض تطوعية. ثم أصبحت عضواً في الصليب الأحمر الروماني، حيث كانت تعمل باستمرار، حتى على سيارة إسعاف رومانية أُرسلت إلى بلغاريا عام ألف وتسعمئة وثلاثة عشر. في عام ألف وتسعمئة وستة عشر، وبعد غزو بوخارست من قبل القوى المركزية، أقامت مطعماً في محطة قطارات تيتو، بالقرب من العاصمة، كي يحصل الجنود على وجبة ساخنة يومياً. كان هناك نحو أربعين ألف جندي، وكل جريح كان يصل إلى المطعم، كان يحصل على الحساء وريع رغيف وكأساً من الشاي.


    وخلال الحرب أيضاً، أطلق الصليب الأحمر اسم ألكساندرينا فالكويانو على بعض المستشفيات في العاصمة، وفي مذكراتها، تحدثت عن الحماية الممنوحة للسجناء الرومان الهاربين الذين تخفّوا في أحد هذه المستشفيات. وأيضاً تحت اسم ألكساندرينا كانتاكوزينو، ظهرت امرأة أخرى رائعة خلف خطوط الجبهة، أطلق عليها اسم معزّية السجناء. مونيكا نيغرو.


    كانت زوي رامنيتشيانو عضواً ممثلاً للحركة للنسوية الرومانية والدولية، كونها أحد القادة المؤسسين، وتقوم بوظيفة أمين الصندوق العام. عملت في الحرب العالمية الأولى، كممرضة في مستشفى رقم مئة وثلاثة عشر، في بوخارست، جنباً إلى جنب مع ألكساندرينا كانتاكوزينو. تم سجنهما لفترة قصيرة في تشرين الثاني نوفمبر عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر، بتهمة التحريض ضد الاحتلال الألماني في ذلك الوقت. كانت زوي رامنيتشيانو عضواً في الصليب الأحمر الروماني، وعملت باستمرار لمساعدة السجناء الرومانيين وزيارة معسكرات الاعتقال. منذ الأول من كانون الأول ديسمبر عام ألف وتسعمئة وستة عشر، قدمت الطعام والرعاية الطبية إلى أربعة آلاف سجين روماني في العاصمة.


    إلى جانب هؤلاء النسوة، وفي السنوات الأولى من تحقيق رومانيا الكبرى ، لوحظت آخريات يعملن في مجال العمل الخيري والنشاط الاجتماعي، وكذلك في الفنون أو العلوم.

  • ريغاس فيرايوس

    ريغاس فيرايوس Rigas Feraios




    أطلق المؤرخون على القرن الثامن عشر، قرن الأضواء بسبب الأفكار التي تطالب بالمساواة وتحرير جميع الناس من أي شكل من أشكال العبودية. وقد انتقد مثقفوا القرن الثامن عشر مؤسسات الحكم الملكي والكنيسة والطبقات الاجتماعية كالنبلاء ورجال الدين بسبب امتيازاتهم. كما ظهرت في القرن الثامن عشر أفكار الحداثة التي مانزال نعلّمها حتى اليوم.


    كانت البلاد الرومانية في سنوات التنوير ترزح تحت السيطرة العثمانية. في بخارست و ياش، عاصمتي الإمارتين الرومانيتين، جاء السادة من منطقة الفنار في القسطنطينية، التي يسكنها اليونانيون الأثرياء الذين اشتروا مناصبهم. كان الفاناريون يعتبرون لفترة طويلة، الموظفين الفاسدين التابعين للإمبراطورية العثمانية، الذين كانوا يسعون إلى الثراء، بينما كان الناس يعانون من الفقر. لكن يمكن اعتبار السادة الفاناريون فاسدين إلى حد ما.


    مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية القرن والمنطقة التي تشكل الإمارات الرومانية جزءاً منها، ولأكثر من قرن حكم خلالها الأمراء الفاناريون، من عام ألف وسبعمئة وأربعة عشر إلى عام ألف وثمانمئة وواحد وعشرين، كان هناك أيضاً أمراء فاسدون وأمراء متنورون الذين روّجوا للحرية الشخصية ولاستقلال الأمم.


    أدت التركيبة اليونانية – الرومانية في أراضي الإمارات الرومانية، إلى ظهور حركات التحرر الوطني اليونانية والرومانية، المناهضة للعثمانيين. كان ريغاس فيرايوس أو ريغاس فيليستينليس Rigas Velestinlis أحد ممثلي الحركة الوطنية اليونانية في مونتينيا، الذين كانت أصولهم العرقية، موضوع نزاع بين الإغريق والرومانيين.


    وُلد ريغاس في عام ألف وسبعمئة وسبعة وخمسين، في قرية فيليستينو Velestino، التي يسكنها الأرومانيون، في مقاطعة تيساليا شمال اليونان اليوم. بعض المؤرخين الرومانيون يعتبرونه أرومان، فيما يؤكد المؤرخون اليونانيون، عدم وجود أي دليل مكتوب في هذا السياق.


    من المؤكد أن ريغاس، من خلال كل ما كتب وما فعل، هو أحد أتباع الهيلينية، مؤسسي الدولة اليونانية الحديثة. كان بطلنا معلّماً في قرية ليست بعسدة عن قرية ناتال. وبسبب نزاع مع أحد الموظفين العثمانيين، يقوم ريغاس بقتله ويفر إلى الجبال، حيث ينضم إلى إحدى عصابات المتمردين اليونانيين.


    وسرعان ما يذهب إلى جبل آثوس ومنه إلى القسطنطينية، حيث سيصبح أمين سر الأمير الفاناريوتي الجديد، أمير مونتينيا، ألكساندرو إبسيلانتي، أحد قادة المنظمة الوطنية اليونانية إيتيريا. في عام ألف وسبعمئة وخمسة وسبعين، وصل الشاب ريغاس إلى بوخارست مع إبسيلانتي، الذي تم تعيينه حاكم مونتينيا، ويظل ريغاس في خدمة خليفته ، الأمير نيكولاي مافروجيني. تشير المؤرخة جيورجيتا بينيليا فيليتي إلى ريغاس في بوخارست، كمتمرد اتصل بأفكار الثورة الفرنسية وأصبح متطرفاً.


    هذا الشخص المثير للاهتمام جداً ريغاس، والذي هو أمين السرّ هنا، قديم لأسباب مختلفة في علاقته بالنبلاء، فهو أمين سرّ الأمير، يكتب، يعمل، يثور، يجب أن نقول بأنه يضع دستوراً. وهو صالح لجميع الدول في البلقان، دون تحديد دور كل منها، لكن النقطة الأساسية، هي الخلاص من نير العثمانيين. كانت نهايته مأساوية، حيث تم تسليمه من قبل النمساويين إلى بلغراد، التي أعدمته شنقاً في حصن كاليمغدان Kalemegdan عام ألف وسبعمئة وثمانية وتسعين.


    خلال إقامته في بوخارست، كان ريغاس مترجماً في قنصلية فرنسا الثورية، التي افتتحت في عاصمة مونتينيا. وتحت تأثير الأفكار الثورية الفرنسية ، يكتب ثوريوس، التي اعتبرت نشيداً وطنياً يونانياً، وهي لحن مع الكلمات اللازمة، والتي تم نشرها من قبل اللورد بايرون. وخلال وجوده في فيينا، في عام ألف وسبعمئة وتسعين، توجهت جهوده باتجاه تكوين جماعة ضغط حول الملك المستقبلي نابوليون الأول، كي يتم تحرير جميع اليونانيين في الإمبراطورية العثمانية.


    وقد نشر العديد من الكتابات الجمهورية، وخريطة للمناطق المأهولة في اليونان. كانت مساهمة ريغاس في تحرير جنوب شرق أوروبا، من خلال الدعوة الموجهة إلى الإغريق والرومانيين، لتشكيل تحالف دول البلقان ضد الإمبراطورية العثمانية، إلى كل المسيحيين بشكل عام ، للوقوف ضد الاستبداد العثماني.


    اعتُبر ريغاس من قبل أولئك الذين درسوا أعماله، كجمهوري متطرف،من مناصري الليبرالية. أثناء وجوده في فيينا في عام ألف وسبعمئة وسبعة وتسعين، نشر خريطة جديدة لفالاهياValahiei وجزءاً من ترانسيلفانيا و الخريطة العامة لمولدوفا، بالإضافة إلى الخريطة اليونانية المذكورة سابقًا.


    كانت نية ريغاس واضحة، مدرجة أيضاً على الخرائط، وهي لفت انتباه أولئك الذين قرأوها، بأن تلك الأراضي التي احتلتها الإمبراطورية العثمانية، ليس للتاج الحق الشرعي في الاحتفاظ بها. لم يعد يوجد من كلا خريطتي الإمارات الرومانية، سوى نموذج واحد، العائد لـمونتانيا في مكتبة كيوس، والعائدة لـمولدوفا في المتحف الوطني اليوناني للتاريخ في أثينا.


    انتهت حياة ريغاس بشكل عنيف في عام ألف وسبعمئة وثمانية وتسعين، عن واحد وأربعين عاماً. خلال وجوده في فيينا، حاول الاتصال بجيش فرنسا الثوري، خصم النمسا القاتل، الذي كان في إيطاليا. وكونها حليفة الإمبراطورية العثمانية، سلمت النمسا ريغاس ومرافقيه إلى حاكم بلغراد، الذي أعدمهم. لكن الأجيال القادمة لم تنسى ريغاس، الذي تحول إلى الشخصية التي أنارت درب الحركة الوطنية اليونانية، والذي وقضى جزءاً مهماً من حياته في بوخارست.

  • مشاهير الحرب العظمى

    مشاهير الحرب العظمى


    السياسيون والعسكريون في تلك الأوقات العصيبة هم الآن أبطال قوميون وآثار مرورهم عبر أماكن ومدن مختلفة موثقة بشكل جيد. حتى أنه قد تمت عنونة المشروع الحالي/ لجمعية آثار الفن بـ” مشاهير الحرب العالمية الأولى ومساكنهم في بوخارست “. بعض من هذه المنازل – الفيلات الفاخرة إلى حد ما – بقيت موجودة في المناطق التاريخية من العاصمة. توجد واحدة منها في الحي الذي بدأ إعماره في بداية القرن العشرين والذي سُمّي “أراضي ايوانيد”، على اسم الحديقة التي توسعت وتم تقسيمها إلى قطع كي تُعرض للبيع لاحقاً. تم بناء العديد من الفيلات الجميلة هنا، وكان يملك أحدها “فينتيلا براتيانو Vintilă Bratianu، رئيس بلدية بوخارست والأخ الأصغر لليبرالي “إيونيل براتيانو Ionel Bratianu “، رئيس الوزراء وأحد الفنانين الرومانيين الكبار. توضح “وانا ماريناكي Oana Marinache “، من طرف جمعية تاريخ الفن، السيرة الذاتية لـ “فينتيلا براتيانو Vintilă Brătianu “، رئيس بلدية بوخارست في فترة تقسيم أراضي “ايوانيد”.


    ”وافق على تقسيم حدائق “ايوانيد” في عام ألف وتسعمئة وتسعة، وبعد انتهاء ولايته، أوقف أكبر قطعة أرض في المنطقة. لم تكن أي من المنطقة الخضراء، أو الحديقة أو متنزه الحي متاخماً لممتلكاته، لكن “فنتيلا” خصص لنفسه الأرض ذات الرقم خمس وعشرون. وبعد وفاة “إيونيل براتيانو” في عام ألف وتسعمئة وسبعة وعشرين، قام قادة الحزب الليبرالي بتنصيب الشقيق الأصغر، “فينتيلا Vintilă“، الذي توفي بدوره في عام ألف وتسعمئة وثلاثين”.


    مازال المنزل الذي بُني هناك وفق الطراز الروماني الحديث، من قبل المعماري “بيتري أنتونيسكو Petre Antonescu “، موجوداً حتى اليوم في شارع “آوريل فلايكو Aurel Vlaicu”. “وانا ماريناكي”:


    “لدينا هنا مزيج من التأثيرات والأساليب، من أبراج الأولت — الواضحة من خلال الحجم الهائل للمنزل — كما توجد أيضًا بوابة مبنية وفق طراز العمارة الدارجة في المنطقة الملاصقة لجبال الكاربات. وبالتالي، من الجلي أيضاً التأثير القادم من طرف العمارة الكنسية، وخاصة العمارة الداخلية للكنائس الجبلية. إنه نموذج بناء سرعان ما يصبح رمزا للهندسة المعمارية، في بداية القرن العشرين. وبشكل عام، ترسل الشخصيات السياسية العظيمة رسالة ليس فقط من خلال بياناتها وأنشطتها السياسية، ولكن أيضًا من خلال أسلوب حياتها. في وقت لاحق، وبعد الاتحاد العظيم، تظهر أيضًا مدفأة ترانسلفانية في جميع منازل هذه الشخصيات. بإمكانهم تحديد العديد من العناصر التي تنتمي إلى المقاطعة التي كافح العديد من الرومانيين وضحّوا من أجلها. إنه حديث حول موقد مفتوح من الجهتين مع رسومات باللون الأزرق أو الأخضر. وقد ظهرت هذه الزخرفة في هذه الفترة في منازل الملاك الريفيين وكذلك رجال السياسة كرمز سياسي”.


    في مكتب من هذا المنزل، في الرابع من شهر آب (أغسطس) عام ألف وتسعمئة وستة عشر، تم التوصل إلى اتفاق سري مع الحلفاء، اتفاق سيتم تصديقه لاحقاً من قبل مجلس التاج، والذي أدى إلى دخول رومانيا في الحرب. لكن واحداً من الذين تميزوا في هذه الحرب كان الجنرال “هنري شيهوسكي Henri Cihoski” ” الذي شارك في معركة “ماراشيشت” ونائب في هيئة الأركان العامة. منذ شهر كانون الأول ( ديسمبر) عام ألف وتسعمئة وعشرين، تم تكليفه بإعادة تنظيم جيش ترانسلفانيا، الذي تم ضمها إلى رومانيا، وفي عام ألف وتسعمئة وواحد وعشرين، تم تكليفه بالإشراف على حفل تتويج الملك فرديناند، بالإضافة إلى الإشراف على موقع بناء الكاتدرائية في “ألبا يوليا”. تم بناء منزله في بخارست حسب النمط الحديث من قبل المعماري “ألكساندرو سافوليسكو Alexandru Săvulescu“، وقد أصبح جاهزاً في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وأربعين، حيث يوجد في منطقة متاخمة لحديقة “إيوانيد”، تسمى الغابة الحمراء. هنا، وفي بدايات العام ألف وتسعمئة وثلاثين، كافأ الملك “كارول الثاني” ضباطه الذين تميزوا في الحرب، من خلال تمليكهم الأراضي. وقد كان “هنري تشيهوسكي” واحداً منهم. ومن هذا المنزل، حيث يعيش وباقي أفراد العائلة، تم اعتقاله في أيار (مايو) عام ألف وتسعمئة وخمسين من قبل الشيوعيين، ليموت بعد أحد عشر يوماً في سجنه في “سيغيت”. لم يلقَ أي ضابط آخر في شارك في الحرب العالمية الأولى مصيراً أفضل. الجنرال “إيوان دراغالينا Ioan Dragalina “، بطل معروف وفي يومنا هذا، توفي في عام ألف وتسعمئة وستة عشر، بعد أن دافع عن الحدود الغربية لرومانيا كقائد لقوات المشاة الأولى الموجودة في “دروبيتا تورنو سيفيرين Drobeta Turnu Severin“. ولسوء الحظ ، توفي “إيوان دراغالينا” في الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام ألف وتسعمئة وستة عشر، بسبب تسمم الدم الناجم عن إصابة في الكتف. تحدثنا “وانا ماريناكي”:


    ” في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني عام ألف وتسعمئة وستة عشر، غادر في سيارة، ربما برفقة شخص آخر غير السائق، في مهمة استطلاعية. حيث وقعوا تحت وابل من الرصاص، وتمت مهاجمتهم من قبل الجيش النمساوي- المجري. لقد نجا بحياته، لكن ذراعه مصابة. تم جلبه إلى “كرايوفا”، ومن ثم إلى “بخارست” بناء على أمر الملك. ولكن بسبب التأخير الناجم عن صعوبة حركة المرور على السكك الحديدية، حدث تسمم الدم. ومن ثم فارق الحياة في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول بعد ألم رهيب.


    في فترة ما بين الحربين العالميتين، تم تخصيص أبناء الجنرال بقطعة أرض تسمى “بونابرتي” في بوخارست تكريما لوالدهم، والتي أعيدت تسميتها لاحقاً باسم حديقة “فيرديناند الأول”. واليوم، توجد هناك واحدة من أكثر المناطق السكنية أناقة في شمال العاصمة.

  • بيت بومبيليو إلياده

    بيت بومبيليو إلياده

    تتمتع مدينة بوخارست بتراث عقاري متنوع، مثلها مثل أي عاصمة أوروبية شهدت العديد من المراحل التطورية. منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، والذي اتسم أولاً بتحقيق استقلال الدولة في عامي ألف وثمانمئة وسبعة وسبعين، ألف وثمانمئة وثمانية وسبعين، وكذلك إعلان الملكية في عام ألف وثمانمئة وواحد وثمانين، يبدأ التطور المعماري والتحول الحضري لمدينة بوخارست. واحد من أكثر الأشياء المعمارية إثارة، والتي ظهرت في المشهد البوخارستي في بداية القرن العشرين، كان منزل “بومبيليو إلياده Pompiliu Eliade”. المنزل الذي مرّ تقريباً خلال جميع المراحل التي يمرّ بها أي بناء: من جهود الإنشاء، ثم المغادرة، ثم الانهيار، ثم محاولات إهادة التأهيل. بالتعاون مع المحررة “سيلفيا كولفيسكو Silvia Colfescu”، قدمت لمحة سريعة حول تاريخ هذا المبنى الفريد.


    “يقع المنزل في شارع قناة الاستقلال رقم سبعة وأربعين، على زاوية شارع “هاشديو Hașdeu“. تم بناؤه من قبل شخصية أدبية رومانية، “بومبيليو إلياده Pompiliu Eliade“، الأديب الروماني ذائع الصيت خلال زمنه، وصديق “بوغدان بيتريتشييكو هاشديو Bogdan Petriceicu Hașdeu. يدين تصميم المنزل بفكرته لـ”هاشيدو” لأنه صديق إلياده، كون هذا التصميم أفضل لقاطنيه إذ يتكون من فسحة مركزية ثمانية الأضلاع وأربعة أجنحة باتجاه النقاط الأساسية. تم تصميم المنزل من قبل المعماري “هنري ساسكيند Henri Susskind وبناؤه من قبل رجل الأعمال “شيندل Schindl“، والذين قاما ببناء كلية الطب البيطري في الجهة المقابلة. “ساسكيند” الثري النمساوي الذي كان متزوجاً من سيدة رومانية، نسيبة الجنرال “ناستوريل هيريسكو Năsturel Herescu“. تم بناء المنزل كما بنت الشخصيات المعروفة في ذلك الوقت منازلها الجميلة من خلال الاقتراض. في ذلك الوقت، لا توجد ملكيات مصنوعة من لا شيئ. فقد بنى “سبيرو هاريت Spiru Haret” منزله في الشارع الأخضر من خلال قرض بنكي، وكذلك فعل “بومبيليو إلياده”. حيث سكن هناك مع زوجته وطفليه حتى مماته. وعندما مات، لم يعد بمقدور زوجته دفع أقساط المنزل، وأصبح المنزل من أملاك البنك.


    الصداقة بين الشخصية المهيمنة لـ”هاشديو” والذكية لـ”بومبيليو إلياده” كانت سبباً لولادة هذه الجوهرة. “سيلفيا كولفيسكو”:


    “المنزل رائع. هندسته المعمارية رومانسية، فاغنرية إلى حد ما، مثل قلعة. وعلاوة على ذلك/ يشبه قلعة “يوليي هاشديو Iuliei Hașdeu” في “كامبينا Câmpina، مع معالم جديدة في فن الزخرفة. وعلى مسافة قصيرة هناك منزل آخر مشابه، ولكن على طول النهر، لم أرَ منزلاً مماثلاً في بوخارست. كما احتفظ المنزل بالسياج الأصلي لبضع سنوات خلت، أي أنه بقي صامداً لمئة عام، لكن البوابات اختفت بقدرة قادر، والتي هي بالنسبة للبعض مجرد صفقة للبيع كحديد عتيق. رحل “بومبيليو إلياده” في عام ألف وتسعمئة وأربعة عشر، بينما غادرت السيدة “إلياده” المنزل وانتقلت إلى “باريس” مع الأولاد. أصبح المنزل من أملاك البنك والذي لم يعرف كيف يتصرف به. تم الاحتفاظ به لبعض الوقت، في محاولة لتحويله إلى سكن طلابي. وفيما بعد، اشتراه “أنتون رادوليسكو” وهو قاضٍ، لديه ولدان، حيث اعتنت العائلة جيداً بالمنزل. في الأصل، لا يملك المنزل طبقات منفصلة، لكن “أنتون رادوليسكو” بنى أرضية وحوّل المنزل إلى مكان مريح للسكن. أعطى الشقة العلوية لابنته كمهر، وبقي مع زوجته وولده في الطابق الأرضي. تزوجت ابنته من الصحفي “جيورجي أوليمبيو إيوان Grigore Olimpiu Ioan“، الذي أنهى دراسته في باريس”.


    بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، يبدأ المنزل بالانهيار مع تولي الشيوعية للسلطة. “سيلفيا كولفيسكو”:


    “كان كل شيئ رائعاً. المنزل معتنى به بشكل جيد، وكان أحد أجمل المنازل في بوخارست، حتى جاء ما يسمى بالتحرير فوق رأسنا، والذي كان من بين عواقبه الأخرى، تجريد المالكين من ملكياتهم وملئها. تم استدعاء العديد من القرويين إلى المدن لتولي قيادة البلاد وتم توفير الإقامة لهم. كان عدد سكان بوخارست نحو خمسمئة ألف نسمة، وقفز فجأة إلى عدد أكبر بكثير. أين سيقيم هذا العدد الهائل من الناس إلا في منازل الناس الذين لديهم بعض المساحة الزائدة، كما كان في ذلك الوقت. أحس الآن بشيء بارد على ظهري عندما أسمع هذا التعبير. في المنزل الذي نتحدث عنه، كان هناك شخصيات غريبة مختلفة من بينها “سيّد”، إذا جاز التعبير، الذي أتى أقاربه من الريف مع عربة يجرونها في الفناء، وناشط في الحزب الذي كان أفضل ما عمله في حياته هو سرقة مخللات القاضي. لايمكن سكنى الفسحة ثمانية الأضلاع، لأن جميع الغرف الآن مشغولة. في الردهة، حيث كان يتم استقبال الضيوف لشرب الشاي ومناقشة قضايا هامة، تحولت إلى مكان لوضع المخللات. لكل عصر خصائصه. كانت هذه خصائص ذلك الوقت، حيث تُجر العربة في فناء المنزل الفاغنري وتُحفظ المخللات في الفسحة ثمانية الأضلاع”.


    مع موت الملاّك، وأنسباؤهم، كان على الوريث الوحيد أن يبيع إحدى الشقق، وبعد عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، يبيع كامل العقار لرجل أعمال ويغادر إلى “باريس”. ومع خروج المالك الجديد، تم احتلال المنزل قسرياً وتم تخريبه بشكل تدريجي. لكن تم مؤخراً إجلاء من احتلوه وتسييجه. لكن آمال عاشقي الجمال تتجه الآن نحو مشروع، سيجعل الأمر يستحق العناء.

  • الحياة الاجتماعية والسياسية في سيبيو في القرن السادس عشر

    الحياة الاجتماعية والسياسية في سيبيو في القرن السادس عشر

    من مدن “الساش” التي بُنيت في ترانسيلفانيا، بدءاً من القرن الثاني عشر وحتى الآن، كانت مدينتي “براشوف” و”سيبيو” وما زالتا من أشهر المدن المعروفة. المدينة الأولى هي “براشوف”، الأكثر امتداداً والأكبر بعدد بالسكان، والأكثر حيوية، والأكثر اهتماماً بالتجارة، والأكثر واقعية، ولذلك ربما الأقل تمسكاً بالتقاليد. من جهة أخرى، اعتُبرت “سيبيو” دائماً المركز السياسي والإداري والفكري “للساش”. توسعت علاقاتها الاقتصادية في أوروبا الوسطى والغربية، والشرقية أو الجنوبية. وقد جاء جزء كبير من رفاهية مدينة “سيبيو” من تجارة الإمبراطورية العثمانية وكذلك من خلال التجارة مع الدولة الرومانية ومدنها: مثل “كمبولونغ موسشيل Campulung Muscel”، “ترغوفيشتي Targoviste”، “بيتيشت”.


    في نفس الوقت، ومع أن أغلب سكان مدينة “سيبيو”، من التجار والحرفيين، إلا أنها كانت تُدار بنموذج حكم ذاتي مستوحى من “البورغز burgs” في أوروبا الوسطى، وكذلك من الواقع المحلي أيضاً. هذه الخصوصية، التي تم التعبير عنها أيضاً من خلال النظام الاجتماعي السياسي، سوف تتبلور بشكل أفضل في القرن السادس عشر. في “سيبيو”، كما هو الحال في جميع مدن “الساش” في ترانسيلفانيا أو في المدن الالمانية في أوروبا، هناك نوع من الديمقراطية المبكرة أو ما قبل الحديثة. على سبيل المثال، اختار سكان “سيبيو” سنوياً المحافظ، والقاضي الملكي، والجسم القضائي. كان هذا الشكل من أشكال الحكم الذاتي، مع بقية التشريعات التي رافقته، في ذلك الوقت، يعرف باسم “polizei gute” أو الحكم الجيد. إلى أي درجة من الحرية أو التقدم كان هذا الشكل من الحكم الذاتي بالنسبة لتلك الأزمنة، نجد الإجابة من “ماريا باكوكس ويلكوكس Mária Pakucs-Willcocks”، مؤلفة كتاب “سيبيو القرن السادس عشر. نظام حكم مدينة ترانسلفانية”.


    “تحاول قيادة “سيبيو”، والنخبة السياسية في “سيبيو” تقديم انطباع معين حول المدينة، وهو التصوّر السياسي و العقائدي الذي يرمز إليه تعبير الحكم الرشيد. يمكن أن لا يظهر هذا التعبير من خلال السكان، لكنه يظهر من خلال تماثيل المدينة ذات الأصل الأوروبي الغربي. هناك انتخابات ديمقراطية، ولكن كالعادة، كان الذين يحتلون المناصب العالية هم جزء من نفس العائلات الذين يشكلون قسماً من النخبة السياسية القائمة بالفعل، والذين لديهم الإمكانيات المالية للتفرغ للسياسة وإقامة العلاقات للاستفادة من السياسة، وبالتالي لتحقيق المزيد من المال. نعم، كانت هناك انتخابات، لكن لم يتم انتخاب أي أحد. لقد كانت ديمقراطية تعمل من أجل الامتيازات، ولكن مع الحفاظ على العلاقة مع كتلة الناخبين أو مع ممثليهم: ​​أولئك الذين يمثلون تجار وحرفيي المدينة والذين كان يتعامل معهم مجلس إدارة مدينة “سيبيو”. كان الممثلون عبارة عن أولئك الرجال المئة الذين يتم انتخابهم كل عام لتمثيل ما يسمى بالطبقة الوسطى من الحرفيين وصغار التجار”.


    وفي مدن أخرى للساش، كانت توجد سياسات إدارية مماثلة، ولكن ليس كما هو في “سيبيو” بالضبط. يعود هذا إلى شخصيات معروفة في الواقع، وهم رجال دولة يُحتفل اليوم بإطلاق اسمهم على مناطق مشهورة في وسط “سيبيو”: إنها ساحة “هويت Huet “. تزودنا بالتفاصيل “ماريا باكوكس ويلكوكس Mária Pakucs-Willcocks”.


    “يوجد لدينا في “سيبيو”، شخصيات مثل “ألبرت هويتAlbert Huet“، وهو رجل رفيع المعرفة في ذلك الوقت، والذي كان يتمتع بثقافة استثنائية. لم تمتلك جميع المدن واحداً مثل “ألبرت هويت Albert Huet“، وهو القاضي الملكي في “سيبيو” من عام ألف وخمسمئة وسبعة وسبعين حتى عام ألف وستمئة وسبعة. هو الذي أوجد هذا الشكل وهذه العبارة “الحكم الرشيد” في اللغة الإدارية الحالية، والتي احتاجت إلى نحو مئة عام للتطبيق. وهو الذي أظهر طريقة لتعريف الأمة الساشية في ترانسيلفانيا. وهو الذي أبحر في مياه السياسة الداخلية والخارجية المضطربة للغاية. فعلى سبيل المثال، لحق بالملك “ميهاي فيتيازو” في الحكم، كما شارك في معركة “جيورجيو Giurgiu “، في صف الملك “ميهاي فيتيازو” . لقد كان مثل الأب بالنسبة للساش. وقد سعى للحصول على مزيد من الاستقلال “للساش”، ولكن مع الحفاظ على الامتيازات السياسية والإدارية والقانونية والاقتصادية. ولكن على المدى الطويل، أدت هذه الامتيازات إلى فقدان “الساش” للمرونة في الانفتاح على مزيد من التطورات السياسية الخارجية. فعلى سبيل المثال، كانت “سيبيو” حصناً مغلقاً إلى حد بعيد مع البلدان الأخرى: لم يكن الرومانيون فقط ممنوعون من الاستقرار في المدينة، لكنهم سعوا للحد من وجود المتطفلين، والذي يعني من غير “الساش”، عامياً كان أو حتى نبيلاً. أن تكون نبيلاً بالنسبة لبورجوازي من الساش أمر صعب القبول في مدينتهم. لقد كانت تلك مشكلة كبيرة لعدة قرون: غياب حق المواطنة وعدم منح الجنسية للأشخاص الذين لم يحققوا معاييرهم الموضوعة”.


    وبغض النظر عن السلبيات، كان لـ”سيبيو” في عام ألف وخمسمئة وتسعة وثمانين دستوراً. تحدثنا “ماريا باكوكس ويلكوكس Mária Pakucs-Willcocks”.


    “أخبرته عن الدستور، لكن العنوان الرسمي للنص هو موقف المدينة حيث بدأت تتبلور كذلك فكرة الحكم الرشيد أو الحكم الجيد. ويعني ذلك، وضع بعض القوانين والأسس لتفعيل عمل المدينة سياسياً وإدارياً. الإجماع هو حجر الزاوية لأي مجتمع، وليس فقط في “سيبيو”. مايزال يتم التعبير عنه في “سيبيو” بأشكال معينة: المصلحة المشتركة، السلام المشترك، العلاقة بين الحكام والمحكومين، الطاعة. ماذا يعني الصالح العام في هذا السياق؟ هل هو عقد، إنه تفاهم بحيث يطيع المحكومون طالما الحكام يتصرفون لمصلحة الجميع، أما الصالح العام فهو مجموع الظروف التي من خلالها يعيش كل فرد في سلام وهدوء.


    من خلال نظامها الجيد، من خلال تقاليد سكانها وحتى من خلال دستورها من القرن السادس عشر، ساهمت “سيبيو” في التنوع الحضاري والثقافي اليوم على الحدود الرومانية ، حيث تحتفل رومانيا في كانون الأول “ديسمبر” بمرور مئة عام على الوحدة الكبرى.

  • الأخوة لابيداتو

    الأخوة لابيداتو

    كانت الحدود في خيال الإنسان دائماً، حاجزاً، حداً، فراملاً، عقبة تمنعه من المضي قدماً. ولذلك، كان يميل دائماً إلى تجاوزها، سواء كانت حداً مادياً أو عقلياً. عبر الحدود الحالية لرومانيا، وعلى أراضيها، تواجدت حدود مادية وعقلية على حد سواء، وبالنسبة للبعض كانت أعظم رغبة لديهم تتمثل في عبورها. كانت هذه حالة الأخوين التوأم إيون وألكساندرو لابيداتو، الاسمان الهامان في التاريخ الروماني خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن اللاحق. أندرياس وايلد هو كاتب سيرة الأخوين لابيداتو، حيث يروي قصة التوأمين اللذين سوف يعبران الحدود وسوف يشاركان في اللحظات العظيمة للتاريخ.


    ولدا في جنوب ترانسيلفانيا، الواقعة في الكاربات، بين النمسا وهنغاريا من جهة والمملكة الرومانية، التي لم تكن موجودة عند ولادتهما، كانت هناك إمارات رومانية. الحدود الأولى التي يجب مواجهتها هي الحدود الجنوبية. كلاهما كان لديه مشكلة مع هذه الحدود. يعبر ألكساندرو الحدود الغربية، وبعد فترة، يعبر كل منهما الحدود الغربية. وفي النهاية، نجد أنفسنا في وضع تتحرك فيه الحدود .


    وُلد إيون وألكساندرو في عام ألف وثمانمئة وستة وسبعين بالقرب من براشوف. والدهم الكاثوليكي وأستاذ اللغات الكلاسيكية، الدكتور في علوم اللغة الكلاسيكية من جامعة بروكسيل، يتركهم، يتيمين بعمر لا يتجاوز السنة والنصف. والدتهما الأرملة بعمر ثمانية عشر عاماً، تتزوج أستاذاً من ياش وتأخذهما معها إلى العاصمة السابقة لـمولدوفا في عام ألف وثمانمئة وخمسة وثمانين. وبعد خمس سنوات، تنفصل عن زوجها الجديد وترسل أولادها إلى ساتشيلي Săcele قرب براشوف، وهما بعمر ثلاثة عشر عاماً. يصطدم الأخوان بالحدود لعدم امتلاكهما جوازات سفر عندما يريدان دخول ترانسيلفانيا، الموجودة حينها تحت السيطرة النمساوية-المجرية. لا يتحمل ألكساندرو الانفصال عن والدته ويعود إلى ياش محاولاً عبور الحدود إلى رومانيا بشكل غير قانوني بمساعدة المهربين. يتم القبض عليه واعتقاله من قبل حرس الحدود، ويتم إرساله إلى جدته بالقرب من براشوف.


    يعمل الأخوين التوأم على جانبي جبال الكاربات في مهنتين مختلفتين. يتابع إيون دراسته في الاقتصاد والقانون في بودابست، في حين أصبح ألكساندرو مؤرخاً. يعبر الاثنان الحدود في كلا الاتجاهين، حيث يصل إيون إلى بوخارست من أجل التمرن في بنوك مختلفة، بينما سيذهب ألكساندرو إلى ترانسيلفانيا لحضور مهرجانات قومية مختلفة.


    بالنسبة إلى ألكساندرو ، يعني عام ألف وتسعمئة وسبعة عشرعبور الحدود الشرقية لرومانيا. في تموز يوليو عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر، وبصفته سكرتير لجنة المعالم التاريخية، رافق الخزانة الرومانية المرسلة إلى روسيا بالقطار لتكون آمنة. كما يرافق إلى موسكو الإرسالية الثانية من الوثائق والمحفوظات. يبقى في موسكو حتى كانون الأول ديسمبر عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر ويكتب مذكراته مشيراً إلى حصول الثورة البلشفية. لكن في كانون الثاني يناير عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، وبعد مغادرة ألكساندرو لابيداتو موسكو، أعلن تروتسكي مصادرة الكنز الروماني. وبعد ذلك، ذهب إلىكييف للقتال جنباً إلى جنب مع زعيم الحركة الوطنية التشيكية توماس مازاريك ورابطة الجنسيات المتعددة في المنطقة النمساوية المجرية، حيث تطوع ألكساندرو لابيداتو من أجل توحيد ترانسيلفانيا مع رومانيا. وسيكون الشخص الذي سيقوم بصياغة الوثائق التي ستقدمها رومانيا إلى مؤتمر السلام بعد الحرب.


    بعد عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، سيتم انتخابهما في البرلمان الروماني، يعمل ألكساندرو أستاذاً في جامعة كلوج، بينما يصبح إيون أستاذاً في أكاديمية الدراسات التجارية والصناعية في كلوج. ينتقل انتباه الأخوين نحو الحدود الغربية. ألكساندرو هو عضو في الوفد الروماني الذي سيساعد في باريس في توقيع الهدنة بين الحلفاء وألمانيا، وسوف يقوم بثلاث رحلات إلى باريس للمشاركة في محادثات السلام. ويصبح إيون، مدير البنك، وزيراً للمالية في حكومة أفيريسكو Averescu ، ويتم إرساله إلى برلين لإلغاء الديون الألمانية على رومانيا قبل الحرب. يبقى إيون خارج الحياة السياسية، ويصبح خبيراً تقدره جميع الأحزاب. ولكن في عام ألف وتسعمئة وتسعة وثلاثين بدأت الحرب العالمية الثانية، تلاها إقامة الشيوعية ثم انهيار العالم الذي حلما به والذي بذل من أجله الأخوين لابيداتو كل جهد. يخبرنا : أندرياس وايلد.


    في ظل الدكتاتورية الشيوعية، تم القضاء تماماً على الأخوينلابيداتو وذكراهما من الحياة العامة والاجتماعية، وفي النهاية تم القضاء عليهما جسدياً. مات ألكساندرو في سجنه في سيغيت Sighet ، في ليلة القبض على الشخصيات الهامة. كان إيون مريضاً ومات لاحقاً بعد ستة أشهر. وكما يقولون، لا يفترق الشقيقان التوأم، حيث ماتا بفارق عدة أشهر بينهما، وإن ماتا في ظروف مختلفة. لم يكن هذا المصير هو مصيرهما فقط، ولكنه كان بالنسبة للكثير من زملاء جيلهم. هدفهما لبناء الدولة لم يستمر إلا لفترة قصيرة للغاية نحو عشرين سنة فقط. لقد كان عملاً رائعاً والذي أتمّ الآن مئة عام. يُجسّد تاريخ الأخوين لابيداتو قدرة الناس على عبور الحدود من أي نوع. في البداية، إذا فكرنا في الحدود الجغرافية، فقد اجتازا الحدود بين الأخوة. ولاحقاً اجتازا الحدود مع الجيران ثم مع الأجانب. لقد عبرا الحدود الاجتماعية، وهما طفلين، في ظروف سيئة يصعب تصورها، ثم وصلا إلى أعلى المناصب في الدولة. لقد تغلبوا على الحدود الزمنية، وبعد خمسين عاماً من النسيان، ها هي ذكراهم تعود من جديد.


    تتداخل في قصة إيون وألكساندرو لابيداتو الأقدار الشخصية والحياة الجماعية. إنها رائعة مثل كثير غيرها، لكنها فريدة بطريقتها الخاصة.

  • منضد حروف الطباعة “باربو بوخارست”

    في القرن الثامن عشر، عندما كانت إمارات البلاد الرومانية والمولدوفية تحت السيطرة العثمانية، التي يقودها ما يسمى بأمراء الفاناريوت Phanariot، بدأت بوخارست بالتطور والتوسع. واصل المعرض التجاري الصغير منذ بداياته تطوره التجاري، وأصبح مركزاً حرفياً، وتعليمياً، وكذلك مكاناً لتجمع اجتماعي متنوع من الناحية العرقية والثقافية.


    وقد تطورت العديد من الحرف القديمة خلال هذه الفترة، كما ظهرت أخرى جديدة، مثل طباعة الكتب. وعلى ما يبدو فإن نشر الكتب قد ازدهر في القرن الثامن عشر. وهذا يشير إلى حقيقة وجود عدد متزايد من منضدي حروف الطباعة وأن مهنتهم نالت تشجيعاً على زيادة إنتاج الكتب، وبدعم خاص من الكنيسة.


    تُظهر وثائق تلك الفترة دليلاً على انخراط المتروبوليتان والأساقفة في هذه المهنة الدقيقة، مع منضدي حروف الطباعة في القرن الثامن عشر. تم الاحتفاظ بأسماء بعض منهم حتى اليوم. وإعادة بناء سيرتهم الذاتية، تعني إعادة بناء جزء مهم من حياة مجتمع مدينة بوخارست في ذلك الوقت. من بين أكثر منضدي حروف الطباعة شهرة، ستويكا ياكوفيتش وأولاده، وكذلك باربو بوخارست، وجميع معاصريه المتميزين، كما تخبرنا دانييلا لوبو Daniela Lupu ، المؤرخة في متحف مدينة بوخارست.


    إذا كانت شخصية ستويكا متطلعة، فإن رجلاً متحمّساً ونشيطاً، مع عائلة كبيرة – ثلاثة أبناء ولا أحد يعرف بالضبط عدد البنات، فإن باربو بخارست الخجول، والمتقاعد بدون ثروة كبيرة، والذي تم إجباره على مغادرة بوخارست، حيث وُلد على الأغلب، ليبحث عن عمل في مولدوفا، لأن عائلة ستويكا ياكوفيتش كانت تهيمن على مهنة الطباعة في مدينة بخارست في منتصف القرن الثامن عشر. والذي كان يملك فريق عمل كبيراً وعلاقات مميزة مع حاكم المدينة والمتروبوليتان، حاصلاً على طلبات عمل هائلة.


    من أجل أن يتخلص من احتكارعائلة ستويكا ياكوفيتش في بوخارست، عمل باربو بوخارست أيضاً خارج مدينته الأم.. .. دانييلا لوبو Daniela Lupu .


    بعد الانتهاء من تدريبه المهني في إحدى دور النشر في بوخارست – كما نعتقد – بحث باربو عن عمل خارج بوخارست، حيث ذهب إلى مولدوفا في أبرشية راداوتس Rădăuţi . في عام ألف وسبعمئة وأربعة وأربعين، ظهر لأول مرة كمنضد حروف طباعة في أبرشية راداوتس ، ثم عاد إلى بوخارست في عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، حيث كان يعمل في مطبعة متروبوليتان أونغرو-فلاهيه Ungro-Vlahiei، حيث قاد ورشة العمل وتدريب المهنيين حتى عام ألف وسبعمئة وثمانية وخمسين، عندما مات كاحتمال كبير جداً بسبب الطاعون. خلال السنوات الاثني عشر من عمله، طبع باربو ثمانية كتب كنسية إضافة إلى كتب الصلاة، حيث طبع واحداً منها بأحرف صغيرة جداً، مخصصة لتأدية الصلاة اليومية، وليس لاستخدامها في الكنيسة.


    منذ عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، عاد باربو بوخارست إلى مسقط رأسه، مستمراً في نشر أعمال دينية باللغة الرومانية بالأحرف الكيريلية والسلافية، لغة العبادة في عصره. لم يكن من غير المألوف أن يسافر حِرَفي في ذلك الوقت بحثاً عن عمل، كما تخبرنا دانييلا لوبو.


    من الواضح أنه، كما هو الحال في بداية الطباعة، بقي مصير منضدي حروف الطباعة محكوماً بالتنقل من مكان إلى آخر، حيث كان عليه البحث عن الطلبات وأسواق العمل، في حال لم يكن راغباً في العمل مع المتروبوليتان. حتى أن باربو، وبعد وقت قصير من الضيق، أتيحت له الفرصة ليصبح منضد حروف في المتروبوليتان، لأنه أثبت حرفيته. وفي النهاية، وجد الاستقرار في مسقط رأسه، بعد العديد من رحلات البحث عن عمل.


    في عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، ظهر أول كتاب طبعه باربو بوخارست في دار الطباعة في كنيسة في مطبعة متروبوليتان أونغرو فلاهيه Ungro-Vlahiei في بوخارست. كان لديه نموذج صغير وكان يسمى صلوات كل أيام الأسبوع. لا يظهر اسمه على صفحة العنوان، لكنه يوقع على مقدمة هذا المجلد، لذلك يمكننا أن نرى أنه اعتنى بهذا الكتاب. لم يعمل بمفرده ، لكنه تعاون مع حرفيين آخرين ، بما في ذلك غريغوري ستان براشوفيان…دانييلا لوبو.


    الشيء المثير للاهتمام هو أن غريغوري و باربو يوقعان عقداً للعمل – من أجل استخدام المصطلحات الحديثة – مع متروبوليتان نيوفيت كريتان في بوخارست. ربما تم الحفاظ على مثل هذه الرغبات في أزمنة أخرى، ولكن للأسف، لم يتم الحفاظ على تلك الوثائق. ولذلك، فإن هذه الوثيقة ذات قيمة كبيرة، لأنها تزودنا بمعلومات عن مداخيل منضدي حروف الطباعة، التزاماتهم وحقوقهم. إنه ليس مكتوباً تماماً، لكنه هام بالنسبة للقرن الثامن عشر، حيث تم الحفاظ على عقدين فقط من هذا النوع منذ ذلك الحين. نكتشف من العقد أن التعاقد أو الاتفاق يتم تحت عنوان واحد. وبالتالي، ينص على أن المتعاقدين يحصلون على حصة يومية من طعام يتكون من الخبز والنبيذ. كما يحصلون على الملح والصابون وكذلك الشموع لإضاءة ورشة العمل، لأنهم كانوا يعملون أيضًا في الليل عندما يكون هناك ضغط عمل. كما كانوا يحصلون على الحطب من أجل التدفئة.


    في ظل عدم توفر بيانات ووثائق واضحة، من المفترض أن باربو بوخارست بقي وعمل في بوخارست حتى نهاية حياته، على ما يبدو في عام ألف وسبعمئة وثمانية وخمسين. وربما كان واحداً من ضحايا وباء الطاعون في سنوات ألف وسبعمئة وستة وخمسين…ألف وسبعمئة وتسعة وخمسين.

  • أربعون عاماً على إنشاء متحف المجموعات الفنية

    أربعون عاماً على إنشاء متحف المجموعات الفنية

    يستضيف المتحف في مبانيه الثلاثة، أعمال الفن الروماني الحديث، والفن الشعبي الروماني، ورسوم تصويرية، واللوحات الفنية، والنحت، والفنون الزخرفية الغربية والشرقية. بعد أعمال الترميم الواسعة، أعيد فتح المتحف في حزيران (يونيو) عام ألفين وثلاثة عشر، اللحظة التي تم اعتبارها الولادة الثانية للمتحف. تقول “ليليانا كيرياك)، المشرفة على متحف المجموعات الفنية، بأن المؤسسة تملك شيئاً فريداً من نوعه، رغم إمكانية تلاؤمه مع تصنيفات المؤسسات ذات الطابع نفسه.


    أظن أنه، حسبما تم تنظيمه وفهرسته، أظهر، في وضعه الحالي، أنه فريد من نوعه، من بين كل المتاحف التي شاهدتها في العالم. بالطبع، تقوم جميع المتاحف على التبرعات والمجموعات والمشتريات، ولكن حقيقة بشكل أقل من خلال المشتريات. تعتمد كل المتاحف على التبرعات، لكن هذه الطريقة في عرض التبرعات، هي لإظهار شخصية كل جامع للفن بشكل منفصل، موجودة فقط في المتحف لدينا. لا أعلم مدى ضخامة باقي المتاحف، لأني لم ألقِ بالاً لمحتوياتها، ما أعلمه أن عدد المقتنيات لدينا في ازدياد. منذ عام ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين، ومن أصل ثلاثة عشر مجموعة فنية، اثنتان منها لم تكن ملكنا، وبالتالي من أحد عشر مجموعة فنية إلى سبعة وأربعين مجموعة فنية، مع توقع وصول مجموعتين أخريين هذا العام، يزداد العدد بشكل مضطرد عاماً بعد عام. كما لا نستطيع القول أنهم في فترة النظام الشيوعي، كما يقولون اليوم، قد صادروا وأخذوا المجموعات الفنية. نساعد ظاهرة واقعية. فبعد عام ألف وتسعمئة وتسعين، تم التبرع بـستة عشر مجموعة، كما يتم استقبال تبرعات جديدة. نتلقى هذا العام تبرعين مهمين وقيمين للغاية. بالطبع، ليست كل المجموعات الموجودة في المتحف أعمالاً فردية، بل منها ما هو غير متجانس أيضاً. وهي مقسمة إلى قسمين: أعمال غير متجانسة وأخرى فردية، أما الفردية فهي لفنانين وأعمال شخصية ومقتنيات شخصية. المجموعات غير المتجانسة هي تلك التي تم تكوينها وفقا لذوق الجامع، الذي اشترى من ماله الخاص ما أحبه”.



    لقد نمت روح التبرع بعد عام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، كما توضح ليليانا كيرياك:


    “إذا أجريتُ إحصاءً، أرى أن معظم الجامعين ليس لهم أولاد. من جهة أخرى، حتى من كان لهم أولاد، مثل إبنة “هورموز أزنافوريان Hurmuz Aznavorian” التي تبرعت بمجموعة أبيها منذ نحو عشر سنوات، حسب رغبته وبمناسبة ذكراه. تشكلت المجموعة بشكل أساسي خلال فترة مابين الحربين العالميتين، كان يعمل كرجل قانون، حيث تم إبعاده إلى القناة، وتحملت العائلة عبء أعمال الوالد. في ذكراه، تبرعت ابنته بالمجموعة. تمتلك ابنة “أزنا فوريان” المجموعة التي تحمل اسم جامعها، والتي تعتبر مفيدة جداً لتاريخ الثقافة الرومانية. لقد رأيت في متاحف لندن وفي متاحف أخرى، عند دخولك في صالات معينة، يكتب بشكل واضح على لوحة صغيرة اسم مالك المجموعة. لقد فعلنا ذلك منذ البداية لأن شرط التبرع يفترض مسبقاً ذكر اسم الجامع”.



    سألتُ السيدة “ليليانا كيرياك” عما إذا كانت ممتنة من العرض الذي يستفيد منه المتحف.


    “مما قرأته في سجل الزوار، ومما أحاول معرفته من خلال اختلاطي مع الزوار، يبدو الناس مدهوشين. كثيرون لا يعرفون، أننا كمؤسسة حكومية لا نتلقى مالاً من الدولة لتطوير هذا المتحف. نحن نروج للمتحف وحدنا، قدر استطاعتنا، من خلال الشبكات الاجتماعية التي لا تمتلك التأثير الكافي. لا يدخل شخص مسن إلى “الفايسبوك” كثيراً، ولا حتى إلى موقع المتحف. لكن ليس لدينا طريقة أخرى. المتاحف التابعة لمجلس المدينة لديها إمكانيات إضافية، بسبب وجود المساحات واللافتات المعروضة في المدينة. ليس لدينا هذه الإمكانيات لأنها مكلفة كما أن وزارة الثقافة لا تخصص لنا المال من أجل التطوير. بشكل عام، فإن الزائر الذي يصل في النهاية إلى متحف المجموعات – وإذا ما نظرنا إلى سجل الزوار — يبدو مدهوشاً، وفي مرات كثيرة التقيت بالزوار في الصالات حيث أخبروني أنه أجمل بكثير من أي متحف آخر رأوه. أنا لا أتكلم فقط عن الرومانيين، ولكن أيضاً عن الأجانب. أعتقد أن القصر الذي يستضيف المتحف يساعد أيضاً، لكن الكثيرين لا يعرفون أن قصر “رومانيت” قد تم بناؤه من قبل آخر الإقطاعيين. نحن مهتمون بأحدث الوثائق حول عمارة القصر التي سنستمع إليها في مؤتمر لاحق. من المهم العثور على معلومات متنوعة قدر الإمكان. “



    أتم متحف المجموعات الفنية الأربعين عاماً وهو في توسع مستمر. وهذا بالنسبة لمؤسسة حكومية شيئ مرضٍ تماماً.

  • “متحف الفن في “تيميشوارا

    “متحف الفن في “تيميشوارا



    بعد مئة وأربعة وستين عاماً من الوصاية العثمانية على منطقة ” بانات Banat”، والتي استمرت من عام ألف وخمسمئة واثنين وخمسين وحتى عام ألف وسبعمئة وستة عشر، كان قدر “تيميشوارا” أن تكون جزءاً من أراضي امبراطورية “هابسبورغ habsburg” في عام ألف وسبعمئة وثمانية عشر، على الرغم من غزوها من قبل القوات النمساوية ثانية منذ عام ألف وسبعمئة وستة عشر. بالنسبة للمنطقة الغربية من رومانيا في يومنا هذا، تبدأ عملية إعادة البناء تحت سلطة البيت الملكي الهابسبورغي. وقّع الامبراطور كارول السادس مرسوماً بإحداث إدارة “بانات Banat “، حيث أصبحت “تيميشوارا” العاصمة الجديدة للمقاطعة الملكية، وبالتالي بدء برنامج شامل للتغييرات الحضرية الجديرة بالوظيفة الجديدة للمدينة.


    كان من نتائج ذلك بناء قصر “الباروك” الموجود في ساحة الوحدة، في مركز المدينة القديم في الوقت الحاضر، البناء الذي يستضيف متحف الفن في “تيميشوارا”. يعود بنا المدير الحالي للمتحف المؤرخ “فيكتور نيومان Victor Neumann”، إلى الوقت الذي بدأ فيه بناء قصر الباروك.


    “لقد بُني بين عامي ألف وسبعمئة وثلاثة وثلاثين وألف وسبعمئة واثنين وخمسين. ليصبح مقراً للحكومة، وبعدها مقراً لرئيس محافظة “تيمشوارا”، كونه في الواقع، مقر إدارة مقاطعة “بانات” في تلك الفترة. الإدارة النمساوية لمقاطعة “بانات” امتدت من عام ألف وسبعمئة وثمانية عشر إلى عام ألف وسبعمئة وتسعة وسبعين، وبما أن القصر هو مقر الإدارة والحكم، فإن الموظفين كانوا يعيشون داخله. لقد بُني من قبل المهندسين النمساويين، ومن قبل متعهدين نمساويين جاؤوا من “فيينا”. وبالتالي، فقد تم إعادة بناء كامل المنطقة المجاورة، بسبب هدم كامل الجزء القديم من القلعة التركية. “تيميشوارا” واحدة من المدن الأوروبية القليلة التي تم هدمها بالكامل تقريباً في القرن الثامن عشر”.



    طوال هذا القرن، يتغير مظهر تيميشوارا، وليس فقط مدينة منطقة “البانات” هذه ، وفقاً للمبادئ الحضرية والمعمارية التكتونية الخاصة بالعمارة الباروكية المتأخرة، والأكثر من ذلك، النمط الخاص بأوروبا الوسطى. من بين خصائص هذا النمط هناك نوع معين من تقسيم المساحة الداخلية: تحتل الطابق الأرضي المساحات الإدارية أو التجارية، أما منطقة السكن فهي مواجهة للشارع، واللون المقبب من أجل الوصول إلى المرفقات في الأفنية الداخلية.


    تنطبق هذه الصرامة المعمارية حتى على قصر الباروك الحالي، الذي صمّمه مهندسون معماريون مجهولون، والذي تغير اسمه على مدى الأيام، حسب أدواره المختلفة التي لعبها في إدارة مدينة “تيميشوارا”. أصبح قصر “بانات” تيميشوارا الإداري حتى عام ألف وسبعمئة وثمانية وسبعين، وبعد إعادة ضم منطقة “البانات” إلى هنغاريا من حزيران (يونيو) عام ألف وسبعمئة وثمانية وسبعين، كان مقر حاكم الولاية حتى عام ألف وثمانمئة وثمانية وأربعين. بعد قمع الثورة الهنغارية في عام ألف وثمانمئة وتسعة وأربعين، كانت هنا حكومة “بانات تيميش” وفويفودينا الصربية. يتحدث فيكتور نيومان.


    أولاً وقبل كل شيء، هو مكان للإدارة الألمانية-الصربية للمدينة. يحوي طابقاً أرضياً وطابقين أخريين. يحوي حديقتين ومرفقات مع لاسطبلات والمستودعات التي تظهر حتى في القرن التاسع عشر. تم استخدام الطابق الأرضي في إدارة مستشارية “بانات” وفي إعداد الرواتب العسكرية. خلال القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين ، استمر كمركز إداري. تمت استضافة حكومة المدينة هنا منذ أن أصبحت المقاطعة ومدينة تيميشوارا جزءاً من رومانيا في عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر. بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحقبة الشيوعية، تم استخدام المبنى كمقر لكلية الزراعة والطب البيطري، ومنذ عام ألف وتسعمئة وتسعين، أصبح المبنى مخصصاً لمتحف الفن. عملياً، ومنذ عام ألفين وستة، المتحف يعمل هنا”.



    في نهاية القرن التاسع عشر، خضع القصر الباروكي لعملية تغيير، واصلاً إلى ما هو عليه شكله اليوم. كان تعديله تابعاً لرغبة الزمن، أي أن أي تدخل في مبنى ما كان يجب أن يتم من خلال التجديد والعثور على أسلوب ممثل للعمارة المعاصرة. ولذلك، اقترحت الترميم من خلال ما يسمى “التطهير الأسلوبي”. تم تنفيذ الأسلوب في أعوام ألف وثمانمئة وخمسة وثمانين-ألف وثمانمئة وستة وثمانين من قبل “جاكوب جاك كلاين” ألف وثمانمئة وخمسة وخمسين-ألف وتسعمئة وثمانية وعشرين، وهو مهندس معماري ومتعهد من مدينة تشيرنيفتسي، والتي توجد اليوم في أوكراني).


    لم تكن هي بالطبع، عملية التعديل الأخيرة التي مر البناء خلالها. في الوقت الحاضر، تقترب أعمال الترميم الأخرى من نهايتها، ونتيجة لذلك، لا يستعيد قصر الباروك مجده السابق فحسب، لكنه يستعيد أيضاً مقتنيات ومعارض متحف الفن الجديرة بوضعها في مكانها اللائق. من ضمن هذه المجموعات مجموعة الفن الروماني الحديث، أيقونات “البانات”، الفن الأوروبي الحديث، بالإضافة إلى معرض دائم للوحات السيد “كورنيليو بابا Corneliu Baba“.