Category: الموسوعة الإذاعية

  • صناعة النبيذ  في الحقبة الشيوعية

    صناعة النبيذ في الحقبة الشيوعية

    تعود زراعة الكروم في رومانيا إلى العصر القديم إذ كانت منتشرة في أنحاء مملكة الداك – السكان الأصليين لأراضي رومانيا الحالية فيما كانت صناعة النبيذ حرفة منتشرة على نطاق واسع حيث قال المؤرخ الإغريقي سترابون في إحدى كتاباته في القرن الأول قبل الميلاد أن ملك الداك بوريبيستا قرر حرق الكروم لكبح استهلاك النبيذ . أما في العصر الحديث فقد استمرت زراعة الكروم وصناعة النبيذ في العديد من المناطق ولكن في الحقبة الشيوعية ما بين عامي 1945 و1989 خضعت زراعة الكروم لمقتضيات الاقتصاد المركزي المخطط .


    ماريان تيموفتي رئيس منظمة السقاة في رومانيا حدثنا عن صناعة النفيذ في الفترة ما بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي : “كان الجزء الأكبر من النبيذ محلي الصنع للتصدير فقط وذلك من أجل تدسيد ديون رومانيا الخارجية . فكانت محاصيل الكروم وفيرة للغاية ولكن كلما زادت كميات العنب المحصودة تدنت جودة النبيذ. والتفسير يكمن في كمية المعادن التي يستخرجها العنب من الأرض وتتوزع على الحبات التي إن كثرت ينخفض تركيز المعادن فيها كما تنخفض كمية الأنثوسيانين وهي المادة التي تمنح النبيذ ألوانه المميزة. ولكن هكذا كانت آنذاك التوجيهات التي وصلتنا من قيادة الحزب والدولة والتي أعطت الأولوية للكمية على حساب الجودة . فالجدير بالذكر أن نسبة ثمانين إلى تسعين بالمائة من إنتاج النبيذ كانت مخصصة للتصدير لتسديد الديون الخارجية . وكان الاتحاد السوفييتي المستورد الرئيس للنبيذ روماني الصنع وكان يطلب أنواعا معينة منه وخاصة تلك التي احتوت على بقايا الكسر أي إلى السكريات غير المتحولة إلى كحول . فهذه الأنواع تكون نصف حلوة أو شبه جافة وحتى حلوة لكن الروس كانوا يفضلونها على الأنواع الأخرى لأن السكر فيها مفيد لمواجهة الطقس البارد .. وكانوا يطالبون بألا تتجاوز نسبة الكحول في النبيذ اثني عشر فاصلة خمسة بالمائة . لكن الحقيقة أن نيكولاي تشاوشيسكو – زعيم رومانيا آنذاك دمر زراعة الكروم وأقصد زراعة الكروم عالية الجودة بسبب إصراره على زيادة إنتاج العنب على حساب الجودة .. فكان مديرو مزارع الكروم يتقاضون أجورهم حسب كمية العنب المحصودة والتي كان لا بد أن تكون كبيرة .”


    مع ذلك أنتجت مزارع الكروم بعض أنوع النبيذ عالية الجودة ولكن ليس لعامة الناس . كانت أنواعا ممتازة في الحقيقة وشاركت في المسابقات الدولية بحسب رئيس جمعية السقاة ماريان تيموفتي:”لقد اشتهرت رومانيا بجودة بعض الأنواع التي كانت تنتج في مزارع صغيرة وبكميات محدودة . فكل مرزعة كروم كانت تخصص قطعة أرض لزراعة العنب بما يضمن إنتاج النبيذ عالي الجودة . كنا نسمي ذلك الإنتاج ب”البرميل الصغير” وكان مخصصا لأشخاص معينين لكن عينات منه شاركت في المسابقات الدولية حيث فازت بميداليات كثيرة .ومع ذلك ترددت البلدان الغربية في استيراد النبيذ من رومانيا خشية الحصول على النبيذ العادي الذي اختلفت صفاته تماما عن صفات النبيذ المعروض في المسابقات الدولية . “



    أحد اختراعات مزارع الكروم آنذاك هو ما سمي ب”نبيذ تشاوشيسكو”. كان تشاوشيسكو يحب شرب النبيذ لكنه عانى في السنوات الأخيرة من حياته من مرض السكري. وفي شرق رومانيا في منطقة هوشي على وجه التحديد اخترع الخبراء نوعا معينا من النبيذ خصيصا لمريض السكري :”كان النبيذ المفضل لنيكولاي تشاوشيسكو من إنتاج مزرعة في منطقة هوشي وكان يرسل من المزرعة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في بوخارست مباشرة وسرعان ما أصبح النبيذ الوحيد الذي كان تشاوشيسكو يتناوله وبنصيحة من أطبائه لقلة السكر فيه حتى أطلق عليه ” نبيذ تشاوشيسكو” .. ولكن أثناء الولائم التي حضرها كبار المسؤولين قدمت أيضا أنواع أخرى من النبيذ . على سبيل المثال كانت زوجته إيلينا تفضل النبيذ الأحمر الذي أنتجته بعض المزارع في رومانيا وخاصة النبيذ شبه الجاف ذا الطعم المائل إلى الحلاوة . أما نبيذ تشاوشيسكو فقد تلقت المزرعة التي كانت تنتجه أموالا إضافية من أجل توسيع المساحة المخصصة لإنتاجه إلى أربعين هكتارا بعد أن كان إنتاجه محدودا نسبيا في البداية. وساهمت الأموال التي خصصتها اللجنة المركزية للمزرعة في زيادة إنتاج نبيذ تشواشيسكو”.




  • مدينة سيبيش

    مدينة سيبيش

    في القرن الثاني عشر قدم إلى منطقة ترانسيلفانيا مستطونون ألمان أرسلهم إلى المنطقة ملك المجر غيزا الثاني الذي كان يرى أن لتواجدهم هناك منافع اقتصادية وعسكرية .. وقد استمر الألمان في استيطان منطقة ترانسيفانيا في القرون التالية وأنشؤوا فيها سبع مدن محصنة . فواحدة من تلك المدن هي مدينة سيبيش واسمها باللغة الألمانية مولباخ ويعيش فيها اليوم نحو ستة وعشرين ألف نسمة غالبيتهم أي ثمانون بالمائة هم من الرومانيين لكنها مدينة متعددة الأعراق والديانات توجد فيها الطوائف الرومانية كاثوليكية والإنجيلية والارثوذكسية إلى جانب طائفة الروم الكاثوليك .


    مسؤول المتحف سيبيش رادو توتويانو قدم لنا نبذة عن ترايخ المدينة : “أول وثيقة رسمية تشير إلى مدينة سيبيش مؤرخة عام 1245 وصدرت بعد وقت قصير من غزوات المغول.في ذلك العام كان أحد القساوسة المحليين يكتب رسالة إلى البابا إنوسنت الرابع يطالبه فيها بمنحه حق جباية الضرائب من الأبرشيات المجاورة أيضا لتعويض الأضرار الوخيمة التي لحقت بأبريشته جراء الغزو المغولي. فوافق البابا على طلبه بمقتضى وثيقة تعتبر شهادة ميلاد مدينة سيبيش . إنها مدينة مهمة لا تزال فيها آثار الأسوار الضخمة التي أجيز لسكانها ببنائها في عام 1387 كحزام دفاعي حول المدينة . الجدير بالذكر أن طول المحصنات التي تحيط المدينة يزيد عن ألف وثمانمائة متر وبها أبراج دفاعية عديدة لا يزال بعض منها قائما حتى يومنا ولعل أشهر تلك الأبراج هو برج الخياطين.”


    إحدى أبرز الشخصيات في تاريخ مدينة سيبيش هو الراهب غيورغ كابتيفوس سبتمكاسترينسيس الذي ولد في القرن الخامس عشر وألف بعد أن أصبح راهبا ما يعرف بأول بحث أوروبي في الاستشراق : “كان غيورغ في الثالثة عشر أوالرابعة عشر من العمر عندما حاصر الأتراك مدينة سيبيش لعدة أيام فصمد سكانها في وجه الغزاة إلى حين توصلوا إلى اتفاق هدنة مع الأتراك سمحوا لهم بموجبها بدخول المدنية شريطة ألا يقدموا على أعمال تخريب فاعتصم بعض من سكان المدينة في برج الخياطين وكان من ضمنهم الطفل غيورغ الذي كان آنذاك طالبا في المدرسة التابعة لدير الدومينيكان .فقد اشتعلت النيران في البرج ولقى معظم المعتصمين فيه حتفهم فيما أسر الناجون ومعهم الطفل غيورغ الذي بيع كعبد وظل يرزح تحت نير العبودية لنحو عشرين عاما بيع أثناءها مرات ومرات إلى أن اشتراه رجل طيب وعامله معاملة حسنة بل اعتبره واحدا من أفراد عائلته حتى أطلق سبيله ذات يوم .. كان غيورغ قد قال لسيده مرارا أنه يشعر برغبة جارفة في زيارة المدينة التي ولد فيها ووعد له بأن يعود إليها حالما سنحت له الفرصة لكنه لم يفعل بل سافر إلى قبرص ومنها إلى إيطاليا حيث انضم إلى صفوف الرهبان الدومينيكان في روما وكتب دراسة تعتبر أول بحث أوروبي في الاستشراق وصدر منها أكثر من خمسة وعشرين طبعة ومنها لطبعة التي صدرت عام 1511 قام بنشرها مصلح الكنيسة الألمانية القس الإصلاحي مارتن لوثر الذي وقع أيضا مقدمة البحث .”


    ما هي المباني الأكثر أهمية لتاريخ هذه المدنية الصغيرة التي أسسها الألمان في منطقة ترانسيلفانيا؟ :”أهم معلم ديني هو الكنيسة الإنجيلية التي بدئ ببنائها على الطراز الروماني في منتصف القرن الثالث عشر . في ذلك الوقت كانت المدينة تتمتع برخاء غير مسبوق شجع وجهاءها على بناء كنيسة أكثر فخامة فرأوا في الطراز القوطي ذي الزخرفة الفائضة والأحجام الضخمة أسلوبا يناسب طموحهم فصممت منطقة المذبح ومكان جلوس كبار الكهنة داخل الكنيسة على الطرازالقوطي . ويقول المهندسون المعماريون أنه لو اكتمل البناء على الطراز القوطي لكانت الكنيسة لتصبح ثاني أكبر بناية من نوعها في منطقة ترانسيلفانيا بعد الكنيسة السوداء في براشوف. ولكن تكاليف العناصر المعمارية القوطية كانت أكبر من أن يتحملها سكان المدنية الذين كن عددهم لا يزيد عن خمسمائة نسمة فقط فتقرر التخلي عن الطراز القوطي وشيد باقي العناصمر المعمارية على أطرزة أخرى ومن بينها الطراز الروماني القديم وأساليب عصر النهضة .”


    عن المعالم المعامرية الأخرى في مدينة سيبيش قال رادو توتويانو:”إن أهم مبنى علماني هو قصر الأمير زابوليا الذي يستضيف حاليا متحف المدينة .كان زابوليا حاكما لمنطقة ترانسيلفانيا في القرن السادس عشر وكان قد اعتلى عرش مملكة المجر في عام 1526 إثر وفاة ملكها فلاديسلاف الثاني لكن المجريين كان لهم مرشح آخر لعرش الممكلة هو فرديناند سليل عائلة هابسبورغ النمساوية المرموقة فاندلعت حرب أهلية في المجر انسحب أثناءها زابوليا مع جيشه إلى منطقة ترانسيلفانيا حيث احتل مدينة سيبيش وشيد هذا القصر وسكن فيه حتى وفاته في 1540.”







  • حي  كاتسيلو السكني  ببوخارست

    حي كاتسيلو السكني ببوخارست

    بعد إلغاء النظام الملكي وإعلان رومانيا جمهورية شعبية في الحادي والثلاثين من ديسمبر كانون الأول عام 1947 على خلفية إحكام الحزب الشيوعي سيطرته على البلاد أقدمت السلطات على تغيير بنية المجتمع بشتى الطرق فاعتقلت النخب السياسية والثقافية التي برزت في الفترة ما بين الحربين العالميتين وزجت بهم في السجون ومعسكرات الاعتقال .. لكنها تأخرت في تحقيق هدفها الرئس المعلن وهو تحسين الظروف المعيشية للطبقة العمالية . ففي الفترة ما بين عامي 1953 و1954 واجهت العاصمة بوخارست أزمة سكنية حادة بسبب بطء وتيرة بناء الأحياء السكنية الجديدة التي كان لا بد منها لإسكان الأعداد المتزايدة من الريفيين الذين كان الحزب الشيوعي يسعى جذبهم إلى العاصمة للعمل في المصانع والمعامل والانضمام بذلك إلى جهود تشييد الاشتراكية .. في واقع الأمر كانت العمارات التي تم بناؤها بعد عام 1945 أقل من أن تغطي احتياجات الإسكان الحقيقية بحسب المؤرخ أندريه رازفان فوينيا:


    “في عام 1953 انعقد اجتماع موسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي تقرر فيه تمويل بناء مساكن جديدة في بوخارست ..وقد بدأت أعمال بناء العمارات متعددة الطوابق في عام 1954 وكان كل من حي فاترا لومينواسا وبوكوريشتي نوي ومونتشي من بين الأحياء التي بدئ ببنائها آنذلك وفق مخططات مبتكرة من الناحية المعمارية . ولكن أعمال النباء لم تكن تسير بالسرعة المطلوبة فانتهى عام 1954 دون أن يشهد تدشين أي حي سكني جديد في العاصمة. من ناحية أخرى فإن الأحوال الجوية القاسية في شتاء عام 1954 أبطأت وتيرة بناء الأحياء الجديدة فوجد الحزب الشيوعي نفسه أمام أزمة سكنية مثيرة للقلق سلطت الضوء مرة أخرى على الحاجة الماسة والعاجلة إلى مساكن جديدة .”


    —–فاصل —


    ومن هنا بدأت قصة حي كاتسيلو الذي كان يقع آنذاك في الطرف الشرقي لبوخارست بجوار قرية صغيرة حملت نفس الاسم . ففي المرحلة الأولى من المشروع الإسكاني بنيت في رقعة أرض بمساحة ستة آلاف متر مربع ثمانمائة شقة حلت محل البيوت القديمة المبنية على الطراز الريفي التقليدي وعلى الطراز الشعبي المميز لضواحي بوخارست الفقيرة ممثلا بالبيت المتواضع المحاط بحديقة . ولكن قبل انطلاق أعمال بناء العمارات السكنية الجديدة امتلأ المكان بثكنات عشوائية سكن فيها العاملون في المصانع المجاورة . المؤرخ أندريه رازفان فوينيا:


    “أقيمت تلك الأكواخ لإيواء العاملين في المصانع المجاورة بشكل مؤقت إلى حين الانتهاء من بناء المساكن الجديدة قيمأقيم. في صيف عام 1955 انطلقت أعمال بناء حي كاتسيلو السكني بعد ان أصدر الحزب الشيوعي أوامر بإنشاء مساكن بسيطة على وجه السرعة ولأكبر عدد من العاملين بهدف التخفيف من حدة الأزمة السكنية . أما الأرض التي بني فيها حي كاتسيلو الجديد فكانت في الفترة ما بين الحربين العالميتين ما ملكا لجمعية معنية ببناء المساكن الرخيصة .


    —–فاصل ————


    هل نجح مشروع بناء حي كاتسيلو السكني ؟ المؤرخ أندري رازفان فوينيا -شريط


    ” الحقيقة أن الشيوعيين لم يكونوا مستعدين لإنجاز مثل هذا المشروع الضخم على الإطلاق. هذه هي الحقيقة. لم يتمكنوا من تحديد ملامح المدينة الاشتراكية الجديدة التي أرادوا بناؤها ولم تكن لديهم أدنى فكرة عن ذلك لأن نخب الهندسة المعمارية التي برزت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن المتضي والتي كانت يسارية التوجه بكل تأكيد لم تكن منضوية تحت لواء الحزب الشيوعي . فلجاء الشيوعيون إلى الخبرة السوفييتية القادمة من موسكو مباشرة وهكذا ظهرت الأحياء السكنية في خمسينيات القرن الماضي في أنحاء مختلفة من العاصمة مثل راهوفا وفيرينتاري وموننشي .عودة إلى حي كاتسيلو الذي أشرف على بنائه أحد أكبر المهندسين المعمارييين في القرن العشرين هو تيبيريو نيغا صاحب العديد من المشاريع المعمارية الرائعة في الثلاثينيات والأربعينيات .. وقد كلفه الحزب الشيوعي ببناء عدد كبير من المسكان في وقت قصير على أن تكون الشقق صغيرة ولكن بمساحة كافية لإسكان عائلة كاملة وأن تكون أيضا رخيصة الثمن قدر الإمكان. فقط بادر نيغا ببناء مساكن مستحواة من الطراز الريفي التقليدي بحيث تكون كل عمارة مكونة من عدة شقق كل بمساحة ثلاثين أو أربعين مترا مربعا وشرفة كبيرة مشتركة وحديثة كبيرة هي الأخرى . معنى ذلك أن كل عائلة كانت تسكن مساحة لم تتجاوز أربعين مترا مربعا ولكن في المقابل كان بإمكان الساكنين استخدام الشرفة المشتركة لإيداع مختلف الأمتعة كالدراجات الهوائية وعربات التسوق والمخللات والكراسي والطاولات وما إلى ذلك..”


    —————فاصل ————



    بطبيعة الحال لم تكن تلك الشقق توفر الراحة لساكنيها وفق معايير السكن الكريم لضيق مساحتها .. لكن الشيوعيين كانوا يعلمون جيدا أن سكانيها هم من العمال القادمين من الريف حيث الظروف المعيشية أسوأ بكثير :


    “بلغت مساحة كل شقة حوالي ثلاثين مترا مربعا أو أكثر من ذلك بقليل وكانت كل الشقق من غرفة واحدة فقط سكنت فيها أسرة مكونة من أبوين وأطفالهما . فحشر أربعة أشخاص في شقة كتلك أمر صعب في الحقيقة ولكن أقولها مرة أخرى علينا ألا ننسى أن أولئك الناس كانوا قبل مجئيهم إلى العاصمة يسكنون في قرى أو في مناطق شبه ريفية في أطراف ضواحي المدن في ظل ظروف أصعب بكثير . فرغم كل شيء كانت تلك الشقق مهما تواضعتِ توفر لهم الكهرباء والماء الساخن وفيها ثلاجة ومذياع وغيرها من مقومات الراحة وهي أشياء لم تكون متوفرة في مناطقهم الأصلية . بالإضافة إلى العمارات السكنية بني في حي كاتسيلو العديد من المطاعم والمتاجر الصغيرة والمكتبات ومدرستان وروضة أطفال ومساحات خضراء .من جانب آخر كان العمال يسكنون بالقرب من مكان العمل وهو أيضا من التسهيلات التي لم يكونوا يتمتعون بها من قبل .”


    بمرور الوقت بنيت في محيط حي كاتسيلو أحياء كسنية أخرى تماشيا مع خطط التنظيم العمراني التي أطلقها النظام الشيوعي بهدف تعديل البنية التحتية والاجتماعية للعاصمة . أما المساكن التي بناها المهندس تيبيريو نيغا في حي كاتسيلو لتكون بمثابة بوابة إلى عالم الريف الذي انحدر منه معظم ساكنيها فلا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

  • حصون منطقة  أولتينيا

    حصون منطقة أولتينيا


    في القرن التاسع عشر كان كثير من سكان إمارتي فالاهيا ومولدوفا الرومانيتين يترهنون بالإقطاعيين الكبار والكهنة لحماية أنفسهم من الغزوات والغارات ذلك أن الدولة الحديثة بمؤسساتها لم تكن موجودة وكانت الإمارتان هدفا لأعمال إرهابية على أيدي الجيران .سيطرة الإمبراطورية العثمانية على الأراضي الرومانية الواقعة شمالا عن نهر الدانوب ومنها منطقة أولتينيا التي كانت جزاء من إمارة فالاهيا جنوب رومانيا الحالي تجلت في أحيان كثيرة في غارات نهب وتدمير ما حدا بالإقطاعيين وهم كبار ملاك الأراضي المحليين إلى إنشاء حصون دفاعية لحماية أنفسهم وأفراد علائلاتهم والعاملين في قصورهم ومزارعهم في وجهها ومنه وقوع ممتلكاتهم في أيدي اللصوص .. لقد شيدت تلك الحصون على الطراز الشرقي و كانت أشبه بالأبراج الدفاعية وانتشرت ليس في الإمارتين الرومانيتين فحسب بل أيضا في بلغاريا وصربيا والجبل الأسود وألبانيا واليونان وفي جميع أنحاء البلقان التي سيطر عليها العثمانيون. أما منطقة أولتينيا فشيد فيها عشرون حصنا من هذا النوع منها خمسة حصون لا تزال قائمة حتى اليوم.


    ليليانا تاتارانو رئيسة جمعية “قلب أولتينيا “:” يقال إن أقدم حصن في المنطقة يوجد في قرية مالداريشتي وبنته عائلة غريتشيانو الأرستقراطية الكبيرة عام 1547 ولكنني لست أدري ما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا . فالمؤرخون الذين بحثوا تاريخ المنطقة أكدوا أن الحصن الذي نشاهده اليوم هو الشكل النهائي للمبنى الذي بدئ بإنشائه في القرن الخامس عشر لكنه تعرض لاحقا في القرنين السادي عشر والسابع عشر لأعمال توسيع أدت إلى تغيير شكله وحجمه . حصون مماثلة شيدت من قبل الإخوان بوزيتي في إقطاعهم في قرية فلادايا نهاية القرن الخامس عشر.”



    بعد غزو الجيش العثماني للمجر واحتلالها في النصف الأول من القرن السادس عشر بسط الباب العالي سيطرته على وسط وجنوب شرق أوروبا ما أدى إلى فصل إمارتي مولدفا وفالاهيا الرومانيتين عن الحضارة الأوروبية. ورغم أن ولاية فالاهيا لم تقبع تحت السيطرة المباشرة للإمبراطورية العثمانية إلا أنها أصبحت منطقة ملحقبة بها وتعرضت لأعمال سلب ونهب . وعليه أصبح بناء الحصون ضرورة ملحة بحسب ليانا تاتارانو:”كانت الوظيفة الرئيسة للحصون حماية الإقطاعيين و القرويين من غزوات الأتراك . وهنا لا نتحدث عن الغزوات واسعة النطاق التي كان الجيش العثماني يقوم بها وإنما عن عزوات قطاع الطرق الأتراك بزعامة عثمان باشفانتوغلو باشا مقاطعة فيدين ببلغاريا الحالية .. لكننا نعرف أنه أثناء فترة سطيرة العثمانيين على الإمارتين الرومانيتين لم يكن بإلإمكان فعل أي شئ بدون موافقة الباب العالمي. كذلك كان محظورا على حكام الإمارتين إنشاء القلاع أو المحصنات الدفاعية ..لذا فأول ما قام به أولئك الحكام ابتداء بالأمير ميترشا حاكم إمارة فالاهيا في القرن الخامس عشر هو أن يحصنوا الأديار . فالأمير ماتي باساراب وقام بتصحين العديد من الأديار في القرن السابع عشر لتكون أيضا ملاجئ للقرويين أثناء غازات الأتراك . أما الإقطاعيون الكبار فحاولوا الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم في وجه قطاع الطرق وشيدوا الحصون الدفاعية بأنفسهم إدراكا منهم لخطر التعرض لغارات وأعمال نهب وسلب”.


    حصون منطقة أولتينيا هي مبان منشورية الشكل تتكون من عدة طوابق وتحيطها أسوار من الحجر بسمك متر . في الداخل سلالم من الخشب تربك الطوابق ببعضها البعض :”كانت حصون منطقة أولتينيا مرآة للتطورات السياسية والاجتماعية المحلية وحتى لتطورات الفن المعماري .فقد بلغ تطور الحصون ذروته في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الذي شهد تعددا وتنوعا كبيرا لأشكال الحصون وزخرفتها ما جعل منها شعارا للفن المعامري في منقطة أولتينيا في القرون الوسطى “.


    لاحظت ليانا تاتارانو أن وظائف الحصون تعددت بمرور الوقت: “في البداية كانت أبراجا للمراقبة والإنذار وهي وظيفة قامت بها أيضا أبراج الجرس في الأديرة. يجدر ذكر أن مواقع إنشاء الحصون اختيرت بعناية ودقة بالغة بحيث تقع على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا عن بعضها البعض في مواقع استراتيجية على قمة تل أو هضبة ما أتاح للمدافعين رؤية منطقة شاشعة ورصد أي تحركات للعزاة وقطاع الطرق. وكان بعض الحصون تستخدم كملاجئ أو مساكن مؤقتة اللإقطاعيين وعائلتهم.”



    في النصف الأول من القرن التاسع عشر بعد تأمين حدود إمارة فالاهيا تراجعت أهمية الحصون كمان دفاعية لكنها حافظت على مكانتها في التراث المعماري لمنطقة أولتينيا .





  • وسائل  التسيلة  والترفيه في مدينة  بلويشتي قديما

    وسائل التسيلة والترفيه في مدينة بلويشتي قديما

    كانت مدينة بوليشتي الواقعة في جنوب رومانيا على بعد خمسين كيلمترا شمالا عن العاصمة بوخارست مدينة مزدهرة في الفترة ما بين الحربين العالميتين بفضل موقعها وسط حقول نفطية واسعة أدى استغلالها إلى إنشاء صناعة بيتروكيماوية قوية . لكن مدينة بلويتشي استفادت أيضا من التطور الذي شهدته السياحة في منطقة وادي براهوفا عند سفوح جبال الكاربات على بعد بضع عشرات الكيلومترات عنها .. ومع تطور المدينة ارتفع مستوى الرخاء المادي لسكانها وازداد اهتمامهم بوسائل قضاء أوقات الفراع رغبة منهم في تقليد عادات سكان العاصمة المعروفين بحبهم للتسلية والترفيه وبراعتهم في اختراع أمتع الطرق لقضاء أوقات الفراغ . فلا عجب أن وسائل ترفيه عديدة حظيت بشعبية كبيرة لدى سكان بلويتشي كانت مستعارة من سكان بوخارست أهمها رمبا هو التراشق بالزهور – الك التظاهرة التي كان سكان بوخارست يقيمونها في منطقة الاستجمام الواقعة في القطاع الشمالي للعاصمة . وفي مدينة بلويشتي بدئ بتنظيم مهرجانات التراشق بالزهور قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1916 لكنها توقفت في سنوات الحرب لتعود إلى الواجهة بقوة مجددا بعد عام 1918 ..كانت تظاهرة موسمية وأقيمت بشكل منتظم طوال أشهر الربيع حتى نهاية شهر يونيو حزيران من كل عام ..


    المزيد عن مهرجانات التراشق بالزهور وغيرها من وسائل الترفيه في مدينة بوليشتي نجده في كتاب المؤرخ لوتشان فاسيلي بعنوان ” كان يا مكان في بلويشتي : التراشق بالزهور وكرة القدم وملكات الجمال ” . لنستمع إلى مؤلف الكتاب : “مهرجانات التراشق بالزهور تظاهرة استعارها سكان بلويشتي من سكان بوخارست وبدوؤا بتنظيمها قبل نشوب الحرب العالمية الأولى على نطاق أقل سعة مقارنة بمثيلاتها في العاصمة ولكن بنفس الشغف والحيوية .. من جانب آخر كانت إقامة التظاهرة تثير استياء الأقل ثراء من سكان بوليتشي الذين كانوا يشعرون بالعجز عن المشاركة فيها بسبب شح إماكانتهم المادية علما أن التظاهرة كان لها بعد خيري هو أن الأموال التي كان المشاركون ينفقونها على الزهور كانت تستخدم فيما بعد لأغراض خيرية . وسبب استياء آخر هو أن الشارع الرئيسي في منطقة الاستجمام الوحيدة في المدينة كان يغلق أمام المركبات والمشاة أثناء المهرجان . فلم تكن بقليلة المقالات الصحفية التي نشرت آنذاك تنديدا بمهرجانات التراشق بالزهور وإبداء التعاطف مع الفقراء المحرومين من التتزه في منطقة الاستجمام الوحيدة في المدينة أثناء إقامتها . بحلول نهاية الربيع والعام الدراسي في أهم مدرسة ثانوية بالمدينة أواخر شهر يونيو حزيران كان الستار يسدل على مهرجانات التراشق بالزهور . ومع حلول الصيف كانت الفعاليات الترفيهية تتوقف كليا وكانت المدينة تغرق في سبات عميق فيما كان الأثرياء يهربون من الحار الشديد إلى المناطق السياحية المجاورة أو إلى المراكز السياحية المشهورة في أوروبا.”


    إذا كان التراشق بالزهور إحدى وسائل التسلية المقتصرة على الأثرياء كانت الأسواق الشعبية في المقابل تسلية في متناول ذوي الحالة المادية المتواضعة أو الضعيفة. وكانت أكبر الأسواق الشعبية تقام في فصل الخريف بعيد انتهاء موسم الحصاد :”بعد ثلاثة أشهر على انتهاء موسم مهرجانات التراشق بالزهور كانت تقام في المدينة أسواق شعبية كبيرة في الهواء الطلق بالتزامن مع بداية السنة الدراسية الجديدة والموسم الاجتماعي الجديد .. الأسواق الشعبية كانت تعتبر وسيلة تسلية متواضعة وكان مرتادوها من سكان الأحياء الشعبية والتجار الجوالين الذين كانوا يعرضون على الزوار وسائل تسلية بسيطة رخيصة الثمن كالرماية بالبندقية وألعاب القوة والعروض البهلوانية بالإضافة إلى أنواع أخرى من الألعاب والملاهي للكبار . نخبة المدينة لم تكن تشاهد في الأسواق الشعبية تلك لا حتى بعد عودتها من رحلاتها الصيفية .. الحقيقة أن الأسواق الشعبية الخريفية في الهواء الطلق كانت مبثابة مدينة ملاه للفقراء ظلت مفتوحة أمام الزوار لأكثر من ستة أسابيع وكانت لتستغرق أكثر لولا البرد الشديد الذي كان يجبر سكان الأحياء الشعبية على قضاء أوقات الفراغ في الداخل وخاصة في الحانات والمطاعم المتواضعة”.


    كانت كرة القدم الرياضة المفضلة لدى سكان مدينة بلويشتي بحسب المؤرخ لوتشان فاسيلي:”ازدادت شعبية كرة القدم بشكل غير مسبوق في عشرينيات القرن الماضي وازداد عدد المشجعين بعد أن كانت كرة القدم تعتبر لفترة طويلة مضيعة للوقت وكان عدد المشجعين يحصى على أصابع اليد الواحدة .ولكن الأمور تغيرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حيث تأسس في المدينة ناديان لكرة القدم كان أحدهما مملوكا للصناعي الهولندي ياكوب كوبيس والثاني لمؤسسة السكك الحديدية بالمدينة التي استثمرت مبالغ طائلة في كرة القدم ودفعت للاعبي الفريق رواتب ومعاشات كبيرة رغم نتائجه الرديئة وهبوطه إلى درجة أدنى. ولم تخل مباريات كرة القدم من مشاهد التشابك بالأيدي والعراك بين المشجعين.. ففي إحدى المباريات دخل محافط المدينة إلى الملعب ليوزع اللكمات والركلات يمينا ويسارا تنفيسا عن عضبه الشديد من هزيمة النادي المحلي أمام الفريق الضيف.”


    عاشت في بوليشتي أقليات عرقية متعددة واستعار سكان المدينة بعض العادات المنتشرة بين أبناء تلك الأقليات :”قام أبناء الأقلية الألمانية ببناء قاعة كبيرة للفعاليات الثقافية والترفيهية .وكانت القاعة تستضيف حفلات موسيقية ومسابقات البلياردو والبولينغ بمشاركة الرجال والنساء معا .. كان أمرا غريبا على سكان بوليتشي أن يشاهدوا النساء يمارسن الرياضة جنبا إلى الجنب مع الرجال بدون تمييز.”



  • شارع باتيشتي في بوخارست

    شارع باتيشتي في بوخارست

    في وسط بوخارست مقابل مبنى الجامعة وخلف المسرح الوطني يقع أحد أقدم وأشهرالشوارع في العاصمة. إنه شارع باتيشتي الذي يتوسط أحياء سكنية قديمة علامتها الفارقة هي معالم الفن المعماري العائدة إلى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين التي كانت قديما منازل الوجهاء . معالم نجت لحسن الحظ من عمليات الهدم التي محت أحياء عديدة أخرى في إطار عملية التخطيط العمراني إبان الحقبة الشيوعية كما من التعديلات غير الملهمة التي شوهت العديد من الملامح الأصيلة للأحياء القديمة على مر العصور ليحافظ شارع باتيشتي على معالمه القيمة إلى أن أعلن منطقة تاريخية محمية .


    اسم الشارع قد يكون مشتقا من لقب “باتيليشتي ” التي يعتقد أنه أطلق قديما على سوق للمواشي كانت تقع بجوار مستقعات طينية . كما ليس مستبعدا أن يكون هذا الاسم هو اسم خادم أجنبي مخلص ومجتهد كان يعمل في القصر الأميري في مطلع القرن السابع عشر هو باتيستا فيليلي الذي كوفئ ببعض الأراضي بجوار شارع باتيشتي الحالي .مؤرخة الفن أوانا ماريناكي لديها المزيد من التفاصيل حول تاريخ شارع باتيشتي :” يقال إن المنطقة التي يقع فيها شارع باتيتشي كانت مغطاة ببرك ماء امتدت من حي إيكواني الحالي إلى شارع باتيشتي وهي برك تكونت من مياه أحد روافد نهر دامبوفيتشا الذي يعبر العاصمة . وكانت تلك البرك تكبد سكان المنطقة أضرارا كبيرة بسبب تراكم الوحل في الطرقات وتعثر حركة المرور بما جعلهم عالقين وسط الوحل . ويقال إن التجار في نهاية القرن الثامن عشر كانوا ينصحون بعضهم البعض بتجنب منطقة باتيليشتي وإلا ستتعثرعرباتهم في المستنقعات وسيضطرون لضرب الثيران لإجبارها على الخروج من الوحل.”


    مع انتشار الأسواق وتطور التجارة والحرف في العاصمة ازدادت أهمية شارع باتشيتي كشارع للتجار والحرفيين : “يقال أن الكثير من الجزارين افتتحوا محالا في شارع بتاشيتي حيث كانوا يذبحون المواشي ويغسلون اللحوم ويقطعونها قبل عرضها للبيع . كما انتشرت في المنطقة محال صناع المعاطف والسترات من فرو الخراف وكان الحرفيون يستخدمون مياه البرك لتصنيع الجلود .. بطبيعة الحال كانت روائح كريهة تفوح من ورش أولئك الحرفيين . وكان سكان المنطقة يشتكون منها ويخشون انتشار الأمراض المعدية بحسب ما تشير إليها وثائق عائدة إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر.”


    في النصف الثاني من القرن التاسع عشر دخلت بوخارست مرحلة التحديث فابتعد سكانها عن نمط الحياة الشرقي ليحتضنوا نمط الحياة الغربي . فقد تغير وجه المدينة بشكل كبير وازدهرت الأعمال التجارية واكتسب بعض التجار ثروات كبيرة سرعان ما تجلت في المنازل الفخمة التي انتشرت في المدينة ولا نزال نشاهد بعضا منها في شاوارع المركز التاريخي ومن بينها شارع باتشيتي الذي امتلأ هو الآخر بمنازل فخمة ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين :”لا بد من توضيح أن شارع باتيشتي يعد من بين المناطق التاريخية المحمية نظرا لقيمة المعالم التي شيدت فيه ولا تزال قائمة حتى اليوم . وهنا أود أن أشير على وجه خاص إلى المنازل الرائعة التي شيدت هناك في نهاية القرن التاسع عشر . نحن نعرف أسماء المالكين كما لدينا وثائق تحمل توقيعات المهندسين المعماريين الذي وضعوا المخططات وكان من بينهم المهندس السويسري لويس بلانك الذي يصادف عام 2023 الذكرى العشرين بعد المائة لوفاته. من أبرز المعالم التاريخية في شارع باتيشتي تجدر الإشارة إلى منزل العائلة فيليبيسكو وكذلك المقر السابق للسفارة الأمريكية و منزل المصرفي هيرمان شيابر الذي شيد في عام 1900 . كان شايبر صهر المصرفي موريسيو بلانك الذي كان يسكن هو الآخر في منزل فخم يعد أيضا من بين إنجازات المهندس المعامري السيوسري لويس بلانك . كذلك يجدر ذكر قصور عائلة بوامبا أريجتويانو فضلا عن قصور عائلة كاليماكي.”


    ليس المظهر الخارجي في منتهى الأناقة وحده ما تتميز به تلك المنازل وإنما التصميمات داخلية الفاخرة والتي لا يزال بالإمكان مشاهدة بعض منها رغم مرور الوقت : ” المساكن التي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر تمثل الأسلوب الفني للعصر الجميل ويحتفظ بعض منها بواجهاتها الأصلية المزينة بعناصر معمارية كلاسيكية . لكن التصميمات الداخلية التي أتيحت لي مشاهدتها تظهر مزيجا انتقائيا من الأساليب الفنية العائدة إلى مختلف العصور التاريخية بدلا من أسلوب فني واحد ذلك أن الأسلوب الانتقائي كان العديد من المهندسين المعماريين في نهاية القرن التاسع عشر يفضلونه على الأساليب المعمارية الأخرى . لذلك نلاحظ في بعض المنازل وجود صالونات مزينة على الطراز الكلاسيكي الفرنسي جنبا إلى جنب مع غرف جلوس وتدخين أو مكتبات مزينة على أطرزة أوروبية أخرى فضلا غرف جلوس على الطريقة شرقية علما أن الموضة العثمانية كانت لا تزال منشترة في المجتمع الروماني في منتصف القرن التاسع عشر. مع مرور الوقت أعيد تصميم بعض الغرف لتحويها إلى صالونات لاستقبال الضيوف على الطريقة الرومانية الحديثة . لذا فإن زيارة تلك المنازل يمكن اعتبارها درسا مفيدا في تاريخ التصميمات الداخلية في القرن التاسع عشر .”

  • الامير نيكولاي

    الامير نيكولاي

    في الخامس من آب أغسطس عام 1903 ولد في منتجع سينايا الجبلي نيكولاي الابن الثاني لولي العهد الأمير فيرنديناند وقرينته الأميرة ماريا ورابع أطفالهما إلى جانب ابنهما البكر كارول وبناتهما الثلاث . اختلفت سيرة حياة نيكولاي عن سيرة حياة شقيقه الأكبر إذ توج كارول ملكا لرومانيا في حين ظل نيكولاي بعيدا عن العرش طيلة حياته ولكن الشقيقين تشابها إلى حد كبير في سلوكياتهما وحياتهما الخاصة التي تأثرت إلى حد كبير بالتربية التي تلقياها وهم صغيران من والدتهما الأميرة ماريا . فكانت الأخيرة قد كتبت في مذكراتها أنها منحت أطفالها قدرا كبيرا من الحرية وربتهم بعيدا عن البروتوكول الملكي الصارم .


    ستيفانيا دينو مديرة متحف كوتروتشيني الوطني تروي لنا قصة الأمير نيكولاي: “إقيم قداس تعميد المولود الملكي الجديد في الثالث من أكتوبر تشرين الأول عام 1903 وسمي نيكولاي على اسم القيصر الروسي نيكولاي الثاني الذي كان ابن عم والدته . كان نيكولاي الابن الثاني لولي العهد وقرينته ومولودهما الرابع و بالتالي لم يأت في مركز متقدم في ترتيب ولاية العهد بخلاف شقيقه الأكبر كارول .تمتع بطفولة سعيدة في القصر الملكي وكان طفلا مشاغبا بحيث كانت تربيته تستعصي على والديه وأقاربه ومربيه ومع ذلك كان الجميع وخاصة جده الملك كارول الأول يحبه كثيرا .”


    بعد طفولة سعيدة أرسل الأمير الشاب إلى بريطانيا للالتحاق بجامعة إيتون . كان يهوى الرياضة والسيارات .ففي عام 1916 بعد انسحاب الحكومة والديوان الملكي إلى مدينة ياش كان الأمير نيكولاي يعتاد على أخذ والدته إلى جولات بسيارته الصغيرة لعلها تنسى الهموم والقلائق التي كانت تشغل بالها في تلك الفترة العصيبة .


    ماذا حدث بعد الحرب وإقامة الدولة الرومانية الموحدة عام 1918 : “واصل الأمير الدراسة في جامعة إيتون حيث حصل على درجات مرضية لكنه لم يكن متفوقا في الدراسة . كان شابا حالما وانجذب إلى الآداب والعلوم لإنسانية أكثر من انجذابه إلى العلوم الدقيقة ومع ذلك التحق وهو طالب في جامعة إيتون بدورات عسكرية تلبية لرغبة والدته الملكة ماريا في أن يصبح ابنها الثاني ضابطا بحريا . فبعد تخرجه من الجامعية انضم إلى صفوف البحرية الملكية البريطانية كضابط متدرب بنية مواصلة الدراسة في الكلية الملكية البحرية. ولكن حلمه ذلك لم يتحقق بسبب وفاة والده الملك فرديناند في يوليو تموز عام 1927 واضطراره إلى العودة إلى رومانيا لتولي مهام الوصي السامي . وهنا تجدر الإشارة إلى أن شقيقه الأكبر و ولي العهد الأمير كارول كان قد تنازل عن العرش في عام 1925 سالكا طريق المنفى الاختياري إلى فرنسا مع إيلينا لوبيسكو وهي امرأة مطلقة كان كارول يقيم علاقة غرامية معها خارج إطار الزواج . بعد رحيل كارول عين الأمير نيكولاي الذي كان يبلغ الرابعة والعشرين من العمر آنذاك وصيا ساميا ووليا لأمر شقيقه الأصغر ميهاي . “


    قام الأمير نيكولاي بوابجه على أفضل وجه حتى عام 1930 عندما عاد شقيقه الأكبر كارول إلى رومانيا واعتلى العرش . أما الحياة الشخصية للأمير نيكولاي فتشابهت إلى حد بعيد مع حياة شقيقه الأكبر كارول حيث أقام نيكولاي علاقة عاطفية مع مامرأة متزوجة هي إيوانا دوليتي وتزوج منها بعد طلاقها في انتهاك سافر للأعراف الملكية :”استمر الأمير نيكولاي في ممارسة هوياته المفضلة وهي قيادة السيارات والطيران والرياضة . وكانت رياضته المفضلة التزلج على الثلج وشارك في سباقات السيارات ومن بينها سباق باريس-نيس عام عام 1933 وسباق لومان. في عام 1926 رافق الملكة ماريا في زيارة إلى أمريكا التقى خلالها العديد من مصنعي السيارات الأمريكيين بما فيهم هنري فورد ولدى عودته إلى رومانيا اشترى سيارات أمريكية الصنع للمشاركة بها في سباقات السيارات . في الثمان والعشرين من أكتوبر تشرين الأول عام 1938 تزوج من إيوانا دوليتي رغم معارضة عائلته ورفض شقيقه الملك كارول الثاني الموافقة على زواجه من تلك السيدة . فكان الملك كارول الثاني منافقا إلى حد ما في مطالبة شقيقه بالتخلي عن إيوانا دوليتي وهو ما لم يفعله هو نفسه بل تنازل عن العرش من أجل مواصلة علاقته الغرامية مع عشيقته إلينا لوبيسكو. وقد تزوج نيكولاي من أيوانا دوليتي سرا ما أدى إلى إقصائه وإرساله إلى الخارج لكنه عاد إلى رومانيا مرارا للمشاركة في مختلف الفعاليات إلى جانب الملك كارول الثاني.”


    في عام 1937 تخلى الأمير نيكولاي عن لقبه الملكي واستقر في منفاه بشكل دائم مع إيوانا دوليتي حاملا اسم نيكولاي برانا. في عام 1942 أعاد شقيقه الأصغر الملك ميهاي لقب أمير له إثر اعترافه بزواجه .عاش الأمير نيكولاي في إيطاليا وسويسرا حيث تعرض لملاحقة متواصلة من قبل أجهزة الأمن في الفترة ما بين الحربين العالميتين وثم من قبل أجهزة الأمن الشيوعية . بعد الحرب العالمية الثانية أصبح الأمير نيكولاي أحد أنشط ممثلي الرومانيين المنفى وحاول توحيد صفوفهم وإشراكهم في المشاريع التي كان يبادر بها ومن بينها افتتاح عدد من المكتبات الرومانية في غرب أوروبا مثل مكتبة فرايبورغ فضلا عن افتتاح عدد من المراكز الثقافية وأحدها في مدريد. توفي الأمير نيكولاي في عام 1978 في مادريد ودفن في مدينة لوزان السويسرية .

  • الصلبان  الحجرية في بوخارست

    الصلبان الحجرية في بوخارست

    تواجدت الصلبان الحجرية في بوخارست منذ القدم في الأحياء السكنية وعند مفترق الطرق إما لإحياء ذكرى أحداث هامة في تاريخ العاصمة وإكرام ذكرى الأموات أو للإشارة إلى كون ذلك المكان ملكية خاصة . يبلغ عدد الصلبان الحرجية اليوم خمسين صليبا وأقدمها هو صليب الأمير ليون حاكم إمارة فلاهيا ما بين عامي 1629 و1632 والذي صنع من الخشب تمجيدا لانتصار الأمير على ماتي باسراب في عام 1631. لكنه تهالك مع مرور الزمن فأعيد إنشاؤه من الحجر في عهد نجل الأمير- رداو ليون ما بين عامي 1664و1665. صليب الأمير برانكوفيانو الأب كان أيضا من خشب وقت إقامته بأمر من نجله كنستنتين في عام 1713 في المكان الذي قتل فيه والده في عام 1655 أثناء تمرد الجنود والمرتزقة عليه .. المؤرخ تشيزار بيتري بويوماتش مسؤول متحف بوخارست ومنسق مشروع ثقافي حول الصلبان القديمة في العاصمة فسر لنا وظيفة تلك المعالم ومغزاها : “الشدائد والمشاق التي ابتليت بها إمارة فالاهيا في العصر ما قبل الحديث دفعت سكانها لإقامة معالم ذات وظيفة رمزية مزدوجة هي الحماية من ويلات جديدة في المستقبل والتذكير بالمآسي التي حلت بهم في الماضي كما هو على سبيل المثال الصليب الحجري الذي أقامه قائد الجيش ماتي موغوش في إقطاعه مطلع القرن الثامن عشر امتنانا على بقائه وأفراد عائلته على قيد الحياة أنثاء وباء الطاعون الذي كان يخيم على بوخارست آنذاك . وقد اكتسب ذلك الصليب رمزية عميقة في العقلية الجماعية حتى أصبح أحد أبرز المعالم من نوعه في بوخارست ما دفع المطران غريغوريوس الثاني لبناء كنيسة حول الصليب للتذكير بفظائع الطاعون والمجاعة التي أعقبته . وقد وضع الصليب فيما بعد في مذبح الكنيسة لكن من الصعب رؤيته اليوم . معالم مماثلة أقيمت قديما للتذكير بوباء الطاعون موجودة أيضا في عاصمة النمسا فيينا على هيئة عامود من حجر تحيطه تماثيل ومنقوشات وقد إقيم بأمر من الإمبراطور في نهاية القرن السابع عشر بعد نهاية وباء الطاعون وأطلق عليه عمود الرحمة . وفي مدينة أراد غرب رومانيا أقيم عامود مماثل في منتصف القرن الثامن عشر هو عمود الطاعون الذي تحيطه تماثيل الثالوث الأقدس. معالم أخرى من هذا النوع أقيمت أيضا في مدن غرب رومانيا وفي المجر وألمانيا وفاء بوعود بإنشائها قطعت أثناء انتشار وباء الطاعون في أوروبا على أمل التخلص منه .”


    كانت الصلبان الحجرية تحمل رمزية قوية ما يفسر تأثيرها الكبير على العقلية الجماعية ونمط حياة سكان بوخارست . المؤرخ تشيزار بيتري بويوماتش يروي لنا قصة أحد تلك الصلبان — شريط :”أحد أشهر الصلبان في بوخارست هو صليب نيوفيت ومع ذلك لا يعرف قصته إلا قلة قليلة من الناس. لقد شيد الصليب بأمر من المطران نيوفيت ليكون حجر الحدود بين أراضي المطرانية وكرومها وبين أراضي دير الأمير ميهاي المجاور عقب انتهاكات متكررة لأراضي المطرانية من قبل كهنة الدير . فقد اختار المطران موقع الصليب على الحدود القديمة للمطرانية قبل انتهاكها من قبل الكهنة . لكن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن المطران إذ إن كهنة الدير أقنعوا سكان المنقطة بإخفاء الحدود الحقيقية للمطرانية. وعليه أطلق المطران لعنة على سكان المنطقة لعلهم يصارحونه بالحقيقة . وقرئت اللعنة الرهيبة في الكنيسة أثناء قداديس أيام الأحاد الثلاثة الأولى من فترة صيام عيد القيامة فخرج سكان المنطقة عن صمتهم ودلوا لجنة التحقيق المكلفة بحسم القضية على الحدود الحقيقية للمطرانية “.


    تحتضن ساحة الجامعة في وسط العاصمة صلبانا حديثة الصنع أقيمت تكريما لشهداء ثورة عام 1989 ومن بينها صليب باسرابيا . مسؤول متحف بوخارست تشيزار بيتري بويوماتش يوري لنا قصة هذه المجموعة النحتية :


    “صنع صليب باسرابيا من خشب وجلب إلى بخارست من قبل طلاب في جمهورية مودلوفا أثناء مسيرة الوحدة التي أجريت في السابع والعشرين من مارس آذار عام 1992احتفاء بذكرى اتحاد المنطقة مع مملكة رومانيا في عام 1918 .صليب باسرابيا يرمز لوحدة الأمة وهو الأول ضمن مجموعة الصلبان التي نصبت في ساحة الجامعة وتتضمن ثمانية صلبان أخرى من الحجر.تعرف المجموعة بنصب أبطال ثورة عام 1989 وتشهد في شهر ديسمبر كانون الأول من كل عام مراسم تكريم ذكرى شهداء الثورة .”






  • خانات  بوخارست  القديمة

    خانات بوخارست القديمة

    الخانات القديمة هي فنادق القرون الوسطى .. إنها مبان ضخمة مكونة من أربعة أجنحة على شكل مستطيل تتوسطه باحة واسعة يدخل إليها من بوابة كبيرة . إذا نظرت إليها من الشارع تشبه حصون القرون الوسطى لسمك جدرانها الخارجية وقلة نوافذها وصغر حجمها لكن المشهد يختلف كليا إذا نظرت إليها من الباحة إذ تكتشف أنها مكونة من طابق أرضي فيه مستودعات ودكاكين وطابق علوي به غرف ذات نوافذ كبيرة مطلة على الباحة .. ويحيط المبنى رواق طويل ذو أعمدة من خشب وكان المسافرون يبيتون في الطابق العلوي ويتركون عرباتهم والخيول في الباحة . أولى الخانات شيدت في بوخارست عاصمة إمارة فالاهيا في القرن السادس عشر من قبل الأمراء وكبار الموظفين والإقطاعيين وثم بدأ التجار الأغنياء وحتى الأديار بإنشائها . مع تطور المدينة وتحولها إلى مركز تجاري هام على الطريق الذي كان يربط غرب أوروبا بالشرق انتشرت الخانات في جميع أحياء العاصمة وحتى في الضواحي . مذكرات الرحالة والتجار الأجانب تحفل بأوصاف لبوخارست وخاناتها ففي عام 1632 كتب رحالة أجنبي عن كثرة التجار الأجانب الذين كانوا يبيعون بضائعهم في أسواق بوخارست وبينهم أتراك وويونانيون وإيطياليون وفرنسيون وحتى إنكليز . أما أول إشارة إلى خانة في وثيقة رسمية فتعود إلى عام 1673. غابريال كونستنتين الخبير في متحف بوخارست لديه التفاصيل :


    “ازداد عدد الخانات في بوخارست بشكل ملحوظ حتى أصبح لكل ضاحية فقيرة خانة. لكن لم تكن الخانات متشابهة من حيث الشكل والحجم ودرجة الراحة إذ كانت هناك خانات صغيرة متواضعة للتجار الصغار القادمين من المنطاق الريفية وخانات ضخمة جميلة بالقرب من أسواق بوخارست وفرت للتجار الرومانيين والأجانب أفضل الظروف لتخزين البضائع وإبرام الصفقات. ولكن تطور وسائل النقل أدى إلى اختفاء الخانات حالما بدأت القطارات والبواخر تنقل كميات كبيرة من البضائع وفي وقت قصير . في الوقت نفسه بدأ المسافرون والتجار يفضلون الفنادق الجديدة التي كانت توفر للنزلاء درجة عالية من الراحة فضلا عن تسهيلات لبيع البضائع. ولكن مما لا شك فيه أن الخانات القديمة ساهمت في تطوير بوخارست كمركز تجاري هام . بعض الخانات القديمة التي استمرت في الوجود رغم مرور الوقت والكرارث لا تزال تحتفظ بشيء من رونق الماضي.”


    تدهور الخانات بدأ في عام 1828 عقب إنشاء أولى الفنادق بالأسلوب المعماري الغربي من جهة وتطوير السكك الحديدية والملاحة النهرية من جهة أخرى . لكن معظم الخانات شيد في محيط المركز التاريخي الحالي للعاصمة وهو المكان الذي تكدست فيه قديما دكاكين التجار والحرفيين .عن أشهر تجار بوخارست في القرن التاسع عشر قال غابرييل كونستنتين:”تخفي الخانات القديمة خلف جدرانها قصص حياة مثيرة ومنها قصة إيمانويل مرزويان المعروف بمانوك بيك التي تجمع بين الحقيقة والخرافة . لقد كان شخصية متميزة .ورث من والده ثروة كبيرة ولكنه عرف كيف يقيم علاقات مفيدة في الإمبراطورية العثمانية ومع صناع القرار هناك وأيضا مع صناع القرار في إمارة فالاهيا . كان يجيد اثنتي عشرة لغة وكان يتملك مهارات دبلوماسية عالية وكان صاحب رؤية استراتيجية . ولكن في الوقت نفسه رقص على حبلين مع الروس والعثمانيين في آن واحد . كان مانوك تاجرا ثريا وأقرض الأموال يمينا وسيارا حتى لصناع القرار في الإمبراطورية العثمانية وفي إمارة فالاهيا . كان شخصية معروفة ومحترمة فانتهى به الأمر إلى التوسط بين الروس والعثمانيين في حرب عام 1812 ما أدى إلى توقيع اتفاقية السلام بين الجابين في إحدى قاعات خانته . لكنه خان العثمانيين فاضطر إلى مغادرة الإمارة إلى إقطاعه في منطقة باسرابيا حيث فارق الحياة . قيل أنه مات مسموما على يد رجل في حاشيته غير أن الرواية الرسمية تقول بأنه لقى حفته إثر سقوطه من الحصان.”


    خانة مانوك اليوم هي الوحيدة من نوعها التي لا تزال قائمة محتفظة بوظيفتها الأساسية كفندق ومطعم. مالك خانة أخرى مشهورة قديما هو الحاج تودوراكي : “كان تودوراكي ابن فلاح فقير وكان اسمه الحقيقي تيودور تودوران وقد أرسله والده إلى بوخارست لتعلم إدارة الأعمال التجارية . لكنه لم يدرس فبدأ يعمل في دكان تابع لخانة القديس جرجس التي كان صاحبها رجل اسمه الحاج تودوراكي . لم يكن لديه أبناء وأحب الشاب تيودور كثيرا لصفاته الحسنة فورثه ممتلكاته شريطة أن يغير اسمه إلى الحاج تودوراكي بعد وفاته . بعد وفاة التاجر عمل تودوراكي في تجارة الجملة وفي الوقت نفسه استخدم العربات المغطاة لنقل البضائع إلى مناطق ريفية بعيدة لإمداد سكانها باحاتياجاتهم الأساسية . ما أود ذكره أن الجاح تيودوراكي كان أميا لا يكاد يعرف كيف يكتب اسمه لكنه امتلك ذاكرة قوية بحيث كان يتذكر بالتفصيل كل صقفة عقدها وكل المبالغ المستحقة له. أبناؤه تعلموا التجارة من خلال العمل في دكاكينه لأنه أراد أن يعلمهم كل شئ عن التجارة منذ نعومة أظفارهم .”


    نظم متحف بوخارست معرضا مؤقتا لتاريخ الخانات يقدم للجمهور ليس قصص تلك الأماكن فسحب بل أيضا الأشياء التي كانت موجودة فيها كالطناجر والصناديق الضخمة التي كانت تستخدم لتخزين أو نقل الأمتعة والملابس القديمة .

  • جامع   القطع  الأثرية  جورجي سيفريانو

    جامع القطع الأثرية جورجي سيفريانو

    في أحد الأحياء القديمة الأنيقة في وسط بوخارست وعلى مقربة من شارع فيكتوريا الرئيسي يقع البيت الذي سكن فيه في مطلع القرن العشرين الطبيب جورجي سيفريانو وهو اليوم بيت تذكاري تابع لمتحف مدينة بوخارست. للأمر دلالاته إذ إن الطبيب سيفريانو كان أول مدير لمتحف مدينة بوخارست وأحد أبرز جامعي القطع الأثرية في العقود الأولى من القرن العشرين . ولد جورج سيفريانو في عام 1879 لأب كان هو الآخر طبيبا مشهورا و غرس في قلب انبه الرغبة في احتضان مهنة الطب والاهتمام بدراسة التاريخ والسفر .


    عن الرحلات التي قام بها الطبيب جورجي سيفريانو يحدثنا دان بارفوليسكو مسؤول بيت سيفريانو التذكاري :”رحلات والده خارج رومانيا غرست في قلبه هواية السفر فضلا عن الاهتمام بدراسة التاريخ وزيارة المتاحف حيث تجدر الإشارة إلى أن نهاية القرن التاسع عشر شهدت تنامي اهتمام الرومانيين ميسوري الحال بالسفر إلى دول أوروبية أخرى للسياحة أو الدراسة . فقد أكمل جورجي دراسته في برلين وفيينا حيث تعرف على العديد من هواة جمع القطع الأثرية والفنية في وقت شهدت فيه البلدان الأوروبية بما فيها رومانيا انتشارا واسعا لهذه الهواية . ولدى عودته إلى رومانيا بدأ جورجي بجمع مختلف القطع الآثرية وفي الوقت نفسه مارس مهنته الأساسية كطبيب في أحد مستشفيات بوخارست وأيضا كمردس في كلية الطب ومؤلف كتب ومقالات علمية “.


    العديد من القطع الأثرية التي تكون مجموعة سيفريانو تعود إلى العصرين الإغريقي والروماني القدمين وعثر عليها في رومانيا وخاصة في منطقة دوبروجيا وأيضا في دول البحر المتوسط ​ .بالإضافة إلى ذلك تحتوي مجموعة سيفريانو على قطع قديمة جدا أثارت دهشة علماء الآثار كونها تعود إلى العصور ما قبل التاريخ وتشكل مصادر معلومات قيمة لعلماء الآثار.


    كان الدكتور سيفريانو مولعا بعلم المسكوكات وجعل من جمع العملات القديمة هوياته الرئيسية :”تشغل النقود القديمة حيزا كبيرا من مجموعة الدكتور سيفيريانو الأثرية إذ جمع نحو تسعة آلاف منها وتبرع بها للمتحف كما فعل بسائر مجموعاته في نهاية المطاف . نجد في تلك المجموعات نقودا معدنية إغريقية ورومانية وأخرى عائدة إلى القرون الوسطى وهذه الأخيرة فاجأت علماء الآثار بما كشفت عنه من معلومات تاريخية قيمة .وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى النقود العائدة إلى عهد الأمير رادو الأول حاكم إمارة فالاهيا الرومانية في النصف الثاني من القرن الرابع عشر والتي تضعنا في صورة الاقتصاد والتجارة وتداول العملات في تلك الفترة وهي في الحقيقة حقبة لا يعرف عنها الكثير.”


    أهمية مجموعات سيفريانو كانت أحد الدوافع وراء تعيينه مديرا لمتحف تاريخ العاصمة عقب تأسيسه في الفترة ما بين الحربين العالميتين :”كان تأسيس متحف تاريخ العاصمة إحدى أمنيات البلدية لكن الفكرة لم تتحول إلى واقع ملموس إلا بعد أكثر عشر سنوات على طرحها في عام 1921. والجدير بالذكر أن مجموعة سيفريانو كانت النواة الرئيسية لمعروضات المتحف قبل أن تكتمل بما تبرع به هواة الجمع من القطع الآثرية بمختلف أنواعها وأيضا بما تم العثور عليه أثناء البحوث الميدانية التي كانت تجري في محيط العاصمة .”


    بعد تولي الشيوعيين السلطة تم تأميم منزل الطبيب سيفريانو وتحويله إلى مقر إقامة لكبار مسؤولي الحزب الشيوعي .. دان بارفوليسكو مرة أخرى :” كان الدكتور سيفريانو قد توفي منذ عام 1939 وبقيت زوجته في البيت إلى حين تأميمه من قبل السلطات الشيوعية وتحويله إلى مقر إقامة لمسوؤلين حزبيين رفيعي المستوى . وفي غضون ذلك تم نقل مجموعات الطبيب سيفريانو إلى باريس حيث نقل الجزء الأكبر منها فيما نقلت مجموعات أخرى إلى بلجيكا. للأسف فقدت آنذاك وثائق كثيرة من أرشيف المنزل والمتحف ولا تزال مفقودة إلى اليوم لذا فنعكف حاليا على إعداد دراسة حول عائلة سيفريانو لأنها تستحق ذلك عن جدارة . في عام 1956 افتتح المتحف في بيت عائلة يفريانو كمتحف لعلم المسكوكات لكنه احتوى أيضا على المجموعات الأخرى من الأواني الإغريقية الرومانية وسائر القطع الأثرية . “


    متحف بيت عائلة سيفريانو التذكاري والذي أعيد افتتاحه في عام 2017 بعد ترميمه يعرض مجموعات الدكتور سيفريانو بطريقة تفاعلية جذابة .

  • المصور  الفوتوغرافي ألكساندرو تسيغارا  سارموكاش

    المصور الفوتوغرافي ألكساندرو تسيغارا سارموكاش

    اقترن اسم ألكساندرو تسيغارا سارموكاش ببدايات علم الآثار الإثنوغرافي . كان ساموكاش رائدا في علم الأعراق أو الإثنولوجيا ومؤرخا للفن وأستاذا لتاريخ الفن في جامعة بوخارست. يعود له الفضل في تأسيس أول متحف وطني في رومانيا كما ساهم بشكل كبير في تطوير فن التصوير الفوتوغرافي الذي كان مولعا به بما التقطه من الصور في المناطق الريفية التي أجرى فيها بحوثه الميدانية بهدف تسليط الضوء على حياة سكان القرى والبلدات الصغيرة التي كانت تحظى آنذاك بقدر أقل من الاهتمام والدراسة مقارنة بالحياة الحضرية. ولتعريف الجمهور بالأعمال الفوتوغرافية للعالم تسيغارا سارموكاش نظمت مكتبة الأكاديمية الرومانية معرضا لمجموعة من الصور الفوتوغرافية الي التقطها سارموكاش في منطقة أولتينيا جنوب رومانيا قبل أكثر من مائة عام والمختارة من مجموعة الأربعة آلاف صورة الموجودة بحيازة مكتبة الأكاديمية الرومانية .


    ولد ألكسندرو تزيغارا ساموركي في بوخارست عام 1872 وما لبث أن تداولت شائعات مفادها أنه الابن غير الشرعي للملك كارول الأول. درس تاريخ الفن في جامعة مونخ بألمانيا ولم يخف ارتباطه الشديد بألمانيا بيد أن دراسة أصوله العائلية تظهر انحداره من أصول يونانية وإيطالية فضلا عن صلات قرابة بعائلات ارستقراطية رومانية عريقة مثل عائلتي وكريتسيانو وكريتسوليسكو . زواجه من إحدى سليلات عائلة كانتكوزينو العريقة سمح له بدخول الأوساط الأرستقراطية المرموقة. انضم إلى مؤسسة “جونيميا” ( الشبيبة) الأدبية ذي التوجه الليبرالي المحافظ وفي الوقت نفسه بدأ يعمل في الصحافة الثقافية. في الحرب العالمية الأولى انضم إلى صفوف المطالبين بعقد تحالف مع ألمانيا وضد التحالف الفرنسي البريطاني ما دفع بالبعض للمطالبة بمعاقبه لتعاونه مع قوات الاحتلال الألمانية بين عامي 1916 و 1918 لكنه تملص من التهم والانقادات الموجهة إليه واستمر في تدريس تاريخ الفن في الجامعة. يذكره التاريخ كأول صوت سمع عبر أثير راديو رومانيا مع بداية بثه في الأول من نوفمبر تشرين الثاين عام 1928 حيث قرأ المقال الذي كتبه بنفسه افتتحا لبرامج الإذاعة . توفي ألكسندرو تزيغارا ساموركيتش في عام 1952 في بوخارست قبل ثلاثة أيام من بلوغه سن الثمانين.


    تولت ألينا بوبيسكو الباحثة في مكتبة الأكاديمية الرومانية مهمة تصميم معرض الصور الفوتوغرافية لسارموكاش وقالت عن المعروضات :”يتضمن المعرض صورا لكنائس وأديرة في منطقة أولتينيا بالإضافة إلى اللوحات الجدارية وأثاث البيوت الريفية في المنطقة وهي معروضات تعود بنا إلى مائة عام خلت وتدخلنا في فضاء الريف الروماني قديما . التقطت الصور الفوتوغرافية بين عام 1900 و1930 ولها قيمة توثيقية كبيرة لأنها تساعدنا على المقارنة بين الريف كما كان عليه في نهاية القرن التاسع عشر وما هو عليه اليوم . لم يكن سارموكاش أول من قام بتصوير القرى إذ سبق وصورها مصورون قبله ممن حطوا الرحال في تلك المناطق وقاموا بتصويرها بدوافع فنية أو بطلب من الزبائن .كما قام مسافرون وسياح بتصويرها أيضا . لكن تسيغارا سارموكاش كان أول من سخر نفسه لفن التصوير الفوتوغرافي الذي مارسه بدقة ومثابرة موليا اهتماما بالغا للتفاصيل خاصة أثناء تصوير البماني وسائر الأشياء التي لفتت انتباهه رغبة منه في استخدام تلك الصور كمراجع وثائقية أثناء محاضراته في الجامعة أو لتأليف بحث عن الريف أو أخيرا وليس آخرا لتأسيس أول متحف وطني في رومانيا وهو المتحف الوطني للفلاح الروماني الذي نعرفه اليوم .”


    سألت ألينا بوبيسكو ما الذي رآته عين سارموكش وهو يخلد فضاء القرية في صور فوتوغرافية ؟ :”إنها ترى الكثير من الكنائس في حالة يرثى لها وهي أشبه بالأنقاض كما ترى الكثير من المباني في حالة متقدمة من التهالك عرضة النسيان والإهمال .حتى الكنائس التي كانت أصلا تتبع لقصور الأمراء والإقطاعيين الكبار والمزينة بجداريات جميلة وصور رعاتها من القديسين إلى جانب صور الأمراء أو الإقطاعيينن الذين بنوها كانت هي الأخرى في حالة من التهالك النسبي ومهملة . لكن يجدر ذكر أنه بعد وقت قصير على التقاطه تلك الصورة شرعت لجنة المعالم التاريخية بتنفيذ أعمال تمريم في العديد من المباني التاريخية المتهالكة .”


    ما الذي يختلف في الصور التي التقطها في منطقة أولتينيا قبل أكثر من مائة عام وما نراه اليوم ؟ تقول ألينا بوبيسكو أن البصمات التي تركها مرور الزمن يجب تفسيرها : “لقد اهتممت بتوضيح الفوارق بين الكنائس وسائر المباني والأشياء كما صورها سارموكاش وما هي عليه اليوم سواء في دفتر المعرض أو على ملصقات المعروضات مع توضيحها بشكل دقيق . على سبيل المثال الكنيسة القديمة في بلدة فلاديمير كانت واجهتها الغربية مزينة برسوم تصور القديسين الرعاة بالإضافة إلى صور القديسة باراسكيفا والقديس يوحنا المعمدان وهي رسوم لم تعد موجودة اليوم فالواجهة الغربية مطلية بصبغة بيضاء اللون في حين أن الصور التي التقطها سارموكاش عام 1920 تظهر الجدرايات الأصلية التي كانت تزين الواجهة الغربية منذ عام 1800.”


    .

  • عامود  الامتنان   اللانهائي

    عامود الامتنان اللانهائي

    أشهر أعمال النحات الكبير كنستانتين برانكوش هو العامود اللانهائي الذي يكون مع ثلاث منحوتات ضخمة أخرى هي بوابة القبلة ودرب الكراسي ومائدة الصمت مجموعة النصب التذكارية التي أقامتها الفنان في مدينة تارغو جيو إكراما لذكرى الأبطال الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولى التي دارت على ضفاف نهر جيو جنوب غربي للبلاد. على مر السنين تعددت التفسيرات لدلالات العامود اللانهائي ، هذا النصب المثير الذي يبلغ طوله ثلاثين مترا ليغلب الظن أن النحات أراد تخليد ذكرى شهداء الحرب في عمل فني منقطع النظير.


    أدريان تودور الأستاذ في جامعة تارغو جيو كان من ضمن فريق المختصين الذين قاموا بترميم العامود اللانهائي في مطلع الألفية الثالثة .عن أهمية هذا النصب ودلالاته قال الأستاذ أدريان :


    “النقاد يعتبرون العامود اللانهائي جوهر إبداع النحات ووصيته الفنية . فقال أحد النقاد إن العامود يحتوي على أعمال أخرى للفنان تتكشف عند النظر إليه من زاويا مختلفة . فإذا نظرنا إلى العامود من زاوية معينة نكتشف في أحد المكعبات الطير السحري وهو تمثال مشهور للفنان. أما إذا نظرنا إليه من زاوية أخرى فينكشف لنا الديك وهو تمثال أراد برانكوش أن يعرضه في الهواء الطلق أمام مقر منظمة اليونيسكو في باريس. العامود اللانهائي والذي أقيم في المنطقة التي ولد فيها برانكوش هو العمل الوحيد من نوعه الذي صنعه النحات من حديد الصلب وكان برانكوش نفسه يقول إن القدر شاء أن يقيم عمله الوحيد الذي أنجزه من تلك المادة في مسقط رأسه . وكان النحات قد أنجز عواميد أخرى ولكن من الخشب فقط ونصب أحدها وطوله تسعة أمتار في فناء منزل صديق له قرب باريس ثم نقله إلى ورشته وهو معروض حاليا في مركز بومبيدو.”


    طرحت مسألة إنجاز العامود اللانهائي في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي بمناسبة ذكرى مرور عشرين عاما على نهاية الحرب العالمية الأولى . وقد أسند إنجاز العامود إلى برانكوش باقتراح من النحاتة الكبيرة ميليتسا باتراشكو التي كانت هي الأخرى قد نحتت نصبا تذكريا لبطلة الحرب العالمية الأولى إيكاترينا تيودوريو في بلدة ماراشيشتي. الأستاذ أدريان تودور :


    “دعي برانكوش لإقامة نصب تذكاري في مدينة تارغو جيو إكراما لذكرى أبطال الحرب من الجنود و سكان المنطقة .ففي الرابع عشر من أكتوبر تشرين الأول من عام 1916 اتجه المسنون والنساء والأطفال بقيادة قائد الشرطة إلى منطقة الجسر على نهر جيو لمنع القوات الألمانية من التقدم .. الدعوة وجهت إلى برانكوش من قبل السيدة أريتيا تاتراسكو زوجة رئيس الوزراء غورغي تاتراسكو فوافق النحات على إنجاز النصب شريطة أن يمنح حرية تامة في تصميمه وإنجازه ..


    ما لبث أن أطلق النحات العنان لإبداعه فتحولت الفكرة إلى أحد أروع إنجازاته :


    “في ربيع عام 1937 حضر برانكوش إلى مدينة تارغو جيو للبحث عن مكان مناسب لنصب العامود .. واختار موقعا عند أطراف المدينة كان يمتلئ بالتبن وقت إقامة أسواق المواشي فيه فأطلق عليه سوق التبن .وقد التقط برانكوش صورة للمكان ورسم عليها العامود بالحبر . إنها شهادة ميلاد العامود اللانهائي .في نفس العام تم صب العامود الداخلي من الصلب في مصنع ريشيتسا وتم صب المربعات التي تكون العامود من حديد الصلب في معامل بيتروشان وأخيرا نقل العامود الداخلي والمربعات إلى تارغو جيو حيث قام النحات بتركيبها فوق قاعدة من الخرسانة في خريف عام 1937 .. كان الاسم الذي اختاره الفنان للعامود اللانهائي عامود الامتنان اللانهائي”


    بينما كان يعمل على إنجاز العامود اللانهائي قرر برانكش أن يجعل منه النصب الرئيس ضمن مجموعة من النصب التذكارية الضخمة اعتبارا منه بأن نصبا واحدا لا يتناسب مع عظامة بطولة الجنود الذين سقطوا في الحرب . فنحت ثلاثة نصب أخرى هي مائدة الصمت ودرب الكراسي وبوابة القبلة ونصبها على طول خط خيالي أطلق عليه الفنان طريق الأبطال و يبلغ طوله 1275 مترا. ينطلق الخط من مائدة الصمت على ضفة نهر جيو ويتجه إلى الغرب مرورا بدرب الكراسي وبوابة القبلة وينتهي عند العامود اللانهائي”

  • قوانين الطب العقلي في الإمارتين الرومانيتين

    الأمراض النفسية والعقلية عبء ثقيل على المصابين بما وعلى المجتمع من حولهم على حد سواء وفي أحيان كثيرة ترتبط الأمراض العقلية بحوادث مؤلمة كالاعتداءات وجرائم القتل التي حاولت المجتمعات على مر العصور الحيلولة دون وقوع فضلا عن معقابة مرتكبيها عبر إجراءات وإرشادات تناسبت مع مدى تطور المجال التشريعي القانوني في هذه الحقبة التاريخية أو تلك. أما في إمارتي فالاهيا ومولدوفا الرومانيتين فكانت الأمراض النفسية والعقلية غالبا تعرف بجنون وعوقب مرتكبوها من المصابين بأمراض عقلية أو نفسية بقتضى أوامر صادرة عن الأمير نفسه كانت بمثابة قوانين وتضمنت أيضا الإجراءات التي كان يتعين على السلطات اتخاذها لمنع المصابين بأمراض عقلية من ارتكاب جرائم واحتواء تداعياتها إن وقعت . لكن ما يجدر ذكره أن الأموار الصادرة عن الأمراء بهذا الصدد ومن بينها ما صدر عن الأمير فاسيلي لوبو حاكم إمارة مولدوفا في القرن السابع عشر والأمير ماتي باساراب حاكم إمارة فلاهيا في نفس القرن قضت بنزع الصفة الجنائية عن الجرائم إذا كان مرتكبوها من المصابين بأمراض عقلية .


    الطبيب أوكتافيان بودا أستاذ تاريخ الطب في جامعة الطب والصيدلة في بوخارست لخص محتوى تلك الأموار :


    “لا يمكنني القول بأن الأوامر الصادرة عن حكام الإمارتين في القرون الوسطى هي قوانين دستورية أو جانئية بالمعنى الشائع للكلمة . إنها في الواقع أشبه بإرشادات كان يتعين أخذها بعين الاعتبار في ممارسة مختلف المهن والأنشطة .. لكن ما لفت انتباهي أن تلك الأوامر تؤكد بما لا يترك مجالا للشك أن الاشتباه بمعاناة المجرم من مرض عقلي يؤدي تلقائيا إلى تأجيل إصدار الحكم بحقه ومعاقبته إلى حين إخاضعه لفحص طبي وتقييم حالته الصحية.. على سبيل المثال نقرأ في أحد الأموار الأميرية ما يلي : “إذا كان المجرم مجنونا أوفاقدا للعقل وقتل والده أو نجله فلا تعاقبوه لأن في جنونه من العقوبة ما يكفيه ” ..بعبارة أخرى فإن الأمير بقوله هذا كان يعتبر المرض النفسي أو العقلي شأنا طبيا وأضفى عليه صفة المفهوم النظري ..”


    القرن التاسع عشر كان قرن الإصلاحات في غرب أوروبا .. وأما في الإمارتين الرومانيتين فتزامن مع حقبة الأمراء اليونانيين وهم من الموظفين الكبار لدى الباب العالي الذين كان السلطان يختار من من بينهم حكام الإمارتين …مع بداية قرن جديد أخذت رياح الإصلاحات تهب على الإمارتين بحسب الأستاذ أوكتافيان بودا:


    “بين الأمراء اليونايين من أصدروا قوانين لتنظيم قطاع الطب .فالأمير إلكساندرو إبسيلانتي أصدر قانونا من هذا النوع في عام 1780 وفي مطلع القرن التاسع عشر أصدر قوانين مماثلة الأميران كالماكي وكراجا ..كما اعتاد الأمراء اليونانيون على إحضار أطباء من الخارج ليسهموا بخبرتهم ومعرفتهم في تطوير الطب والرعاية الطبية في الإمارتين “.


    أما القرن التاسع عشر والذي تزامن مع عصر الحداثة في الإمارتين فقد شهد مواصلة الإصلاحات في شتى المجالات . وقد لعبت القوانين التي تم إقرارها في عام 1830 تحت اسم القوانين الأساسية دورا كبيرا بهذا الصدد :


    “القوانين الأساسية نظمت مجال الطب من ناحيتين على الأقل . أولا قضت بتأسيس مجلس الأطباء وتنظيم قطاع الرعاية الصحية على أساس معايير دقيقة كانت مراعاتها لزاما على الأطباء .. ثانيا قضت القوانين الأساسية بضرورة حصول الأطباء على رخصة رسمية من قبل السلطات لممارسة ..حقبة الأمراء اليونانيين شهدت أيضا قدوم أطباء من إيطاليا واليونان إلى الإمارتين الرومانيتين .. “


    مع نهاية حقبة الأمراء اليونانيين في العقد الثاني من القرن التاسع عشر شهد الطب تحولا مؤسسيا في غاية الأهمية إثر دخول القوانين الأساسية حيز التنفيذ حيث تأسس أول مستشفى للأمراض النفسية و العقلية :


    “تأسس المستشفى في عام 1838 في عهد الأمير ألكساندرو غيمكا وسرعان ما أخذ يستقبل المصابين بأمراض مصنفة كأمراض عقلية وفق معايير الطب الحديث .. وانضم إلى فريقه ا أخصائيون من خريجي جامعات طب أجنبية ومن بينهم الطبيب مينيش الذي درس في مدينة لايبسيغ و الطبيب نيكولاي غانيسكو الذي درس في مدينة خاركوف والذي يعود إليه الفضل في تنظيم عمل أطباء الأمراض النفسية والعقلية وفق المعايير الحديثة اعتبارا من عام 1850 . كما يعود للطبيب غانيسكو الفضل في تطوير أساليب علاج الأمراض العقلية وجعلها أكثر إنسانية في وقت كانت فيه أساليب العلاج الأمراض العقلية أشبه بأساليب الاعتقال وكان العديد من المرضى مكبلين بسلاسل معدنية . فقام الطبيب غانيسكو باستبدالها بحبال من القماش .. خلف الطبيب غانيسكو في قيادة المستشفى هو الطبيب ألكسادرو شوتسو الذي درس الطب في اليونان وفي فرنسا .. وفي عام 1877 نشر شوتشو كتابا بعنوان ” المريض العقلي في الطب والمجتمع ” هو في الواقع أول كتاب في علم النفس الاجتماعي والقضائي في رومانيا .. “

  • قصة مكتبة الأكاديمية الرومانية

    أصبحت مكتبة الأكاديمية الرومانية على مدى المائة وخمسة وخمسين عاما التي انقضت على تأسيسها أضخم خزينة للكتب والمطبوعات التي نشرت أو تداولت في رومانيا على مدى قرون .. نشأت الأكاديمية الرومانية من رحم المؤسسة الأدبية الرومانية التي تأسست عام 1866 وغيرت اسمها إلى المؤسسة الأكاديمية الرومانية في العام التالي . وبعد عامين على نيل رومانيا استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية عام 1877 أصبحت الأكاديمية الرومانية وريثة المؤسستين الثقافيتين السابقتين وأهم مؤسسة علمية في الدولة الرومانية الجديدة .. أما مكتبة الاكاديمية فتأسست في عام 1867 بهدف تكوين صندوق للمعرفة والعلم من تبرعات ومشتريات .. وفي نهاية القرن التاسع عشر وتحديدا في عام 1897 شيد في وسط بوخارست المبنى الذي يستضيف الأكاديمية الرومانية ليونا هذا ..


    أول متبرع لمكتبة لأكاديمية الرومانية هو الأسقف الأرثوذكسي ديونيسي رومانو – أسقف بوزاو .. وقد أعلن عن تبرعه بواحد وثمانين من الكتب الرومانية القديمة في أول اجتماع تأسيسي لمكتبة الاكاديمية . وبعد وفاة الأسقف أصبح جل مجموعته الشخصية من الكتب والمطبوعات بحوزة مكتبة الأكاديمية .. كما انضم إلى صفوف المتبرعين الطبيب الشهير كارول دافيلا وخبير اللغويات تيموتي تشباريو والمؤرخون وعلماء الآثار فاسيلي أوريكيا وجورجي باريتسو وآليكساندرو أودوبيسكو ..وكان أول مدير لمكتبة الأكاديمية خبير اللغويات أيوان بيانو وهو الشخصية التي تركت بصمات عميقة على مسيرة هذه المؤسسة بما أنجزه من أعمال من أجل تنظيم المراجع الوطنية من الكتب والمنشورات والمطبوعات الدورية إضافة إلى تنظيم المراجع الوطنية من المقالات الصحية وإعداد سجل للمخطوطات فضلا عن سجل للوثائق الموجودة في المكتبة ..



    صدر مؤخرا المجلد الأول من أصل عشرة مجلدات لتاريخ مكتبة الأكاديمية الرومانية . على سبعمائة صفحة يتناول الجزء الأول المراحل الأولى من تطور المؤسسة بين عامي 1967 و1885 . رئيس الاكاديمية الرومانية أيوان أوريل بوب قال في حفل إطلاق المجلد الأول والذي أعد بتنسيق من مدير مكتبة الاكادمية إن سرد تاريخ الأكاديمية يمثل مشروعا في غاية الأهمية :


    “للمرة الأولى تكتب قصة مكتبة الأكاديمية الرومانية في عشرة مجلدات لذا فإن المشروع الذي بدأ يرى النور تحت أنظارنا مع صدور الجزء الأول من تاريخ الأكاديمية الرومانية يمثل إنجازا استثنائيا .”


    وقال إيوان أوريل بوب أن مكتبة الأكاديمية تطورت و وسعت من آفاقها باستمرار :


    “أهداف ومهام مكبتة الأكاديمية تطورت باستمرار على مدى المائة وخمسة وخمسين عاما التي انقضت على تأسيسها وهي اليوم أهم مكتبة وخزينة وأرقى المكتبات في البلاد .. فمجوعاتها من الكتب والمطبوعات هي بمثابة موسوعات تحمل في جنباتها أقدم النصوص التي كتبت باللغة الرومانية في القرن السادس عشر إلى جانب كتب أقدم كتبت باللغات المسخدمة في دواوين الحكام والكنائس والتي أضفت على آثار الماضي وشهاداته جمالا وبهاء وأخص بالذكر الكتب بالسلافونية واللاتينية والتركية العثمانية والرومانية القديمة والإغريقية والعربية والأرمنية والعبرية والمجرية وغيرها ..”


    ووصف رئيس الأكاديمية الرومانية أهم مجموعات مكتبة الأكاديمية قائلا:


    “المجموعات الخاصة الموجودة بحوزة المكتبة تضع هذه المؤسسة في مكانة مرموقة بين المكتبات التي تحتفظ بشهادات الماضي وتبرز من ضمنها مجموعة المخطوطات وهي الأكبر في رومانيا إلى جانب مجموعات الرسوم المحفورة والطوابع والخرائط . وكلها مرجعيات متميزة لا بد من دراستها بتأن عند الشروع في كتابة أي بحث في تاريخ العلوم ومخلتف مجالات العلم أو تاريخ والثقافة .من جانب آخر فإن مكتبة الأكاديمية مؤسسة حية ونشطة تستضيف مؤتمرات وندوات بانتظام ..”




    .




  • فيرينتاري – المعضلة السكنية


    فيرنتاري – حي أشبه بالغيتو يقع في الضاحية الجنوبية الغربية للعاصمة بوخارست . اسمه كان لسنوات طويلة مرادفا للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والإجرام بمختلف اشكاله . المؤرخ أندري رزافان فوينيا يعرفنا بتاريخ الحي :


    “التخلف كان عنوان حي فيرنتاري منذ بداية وجوده على أطراف بوخارست قرب نهاية طريق كان ينطلق من وسط العاصمة وينتهي عند مزارع الكروم المملوكة للمطرانية والأديار .. بمرور الوقت بيعت الكروم والأرض وبنيت عليها منازل حتى تحولت المنقطة شيئا فشيئا إلى حي سكني ..قرب الحي من منطقة صناعية و تدني أسعار الإيجار دفعا عمال المعامل المجاورة لاستئجار بيوت في حي فيرنتاري . ومع توسيع أعمال البناء بدأ الحي يتطور لكن ببطء شديد مقارنة بالأحياء الأخرى..حي فيرنتاري كان يسمى آنذاك ميدان المرح ربما لأنه كان يحتضن ما لا يقل عن مائة حانة نظم معظمها في معامل النبيذ التابعة لمزارع الكروم السابقة فيما أطلق على الشارع الرئيس شارع المرح ..حتى تسمية الحي بميدان توحي بأنه لم يكن حيا سكنيا بكل المقاييس بل على العكس ظل حي فيرنتاري يفتقر لأبسط المرافق والخدمات من مجاري الصرف الصحي وشبكات توزيع المياه والكهرباء حتى مطلع الأربعينيات من القرن الماضي بسبب إهمال السلطات المركزية .”



    في الفترة ما بين الحربين العالميتين ظهرت في حي فيرنتاري إلى جانب مساكن العمال الفقراء دكاكين وورش وغيرها من الأعمال الصغيرة وبنى أصحابها منازل وحتى فيلات ، كل حسب إمكاناته بحسب المؤرخ أندري رزففان فوينيا:


    “أحد أنجح رجال الأعمال في حي فيرينتاري كان يهوديا اسمه ليتمان وفي عام 1935 كلف المهندس بول روسيني بتصميم منزل له وفق أسلوب معماري عصري .. إنه منزل رائع استوحي أسلوبه من أحدث الأساليب المعمارية في أوروبا آذاك .. وكان منزل ليتمان أحد المنازل الجميلة القليلة في حي فيرنتاري إلى جانب منزل آخر يتميز بأسلوب معماري متوازن وجذاب .. وكما أسلفت فإن مثل هذه المنازل كانت قليلة في الحي بينما سادت المشهد بيوت الفقراء المتواضعة “



    التخطيط العمراني لحي فيرنتاري بدأ بعد تولي الشيوعيين السلطة بهدف تأمين ظروف عيش كريمة للعمال . فقد بنيت في ميادين الحي عمارات سكنية متعددة الطوابق من الطوب الأحمر تعرف اليوم بالعمارات الحمراء :


    “بعد عام 1948 بدئ بإنشاء 20 عمارة سكنية وفق مفهوم جديد تمثل في استبدال السكن الأفقي في منازل صغيرة محاطة بحدائق بالسكن العامودي في عمارات متعددة الطوابق. كان حي فيرنتاري المكان الذي نفذ فيه مشروع عمراني وفق الرؤية الجديدة للمرة الأولى في تاريخ العاصمة . وهكذا ظهرت في الحي عمارات من أربعة طوابق تفصلها مساحات خضراء وتوفرت فيه جميع أنواع المرافق الحديثة .. فكانت هناك روضة أطفال ودار سينما وحتى مسبح ظل مفتوحا للجمهور حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي إضافة إلى متاجر وصالون حلاقة . بذلك تحول حي فيرنتاري إلى مدينة صغيرة تتولى إدارة شؤونها بنفسها ..”


    تعرض حي فيرينتاري للإهمال ابتداء من منتصف الستينيات وتردت ظروف المعيشة .



    “لم تقم السلطات بأي استثمارات جديدة في الحي بعد انتهائها من إنشاء العمارات السكنية والمرافق باستثناء مدرسة وشبكة إنارة. بعد عام 1966 أعيد النظر في التخطيط العمراني للمنطقة وتقرر إنشاء المزيد من العمارات السكنية في الضواحي الريفية للحي بعد هدم المنازل الفردية .. لكن في نهاية المطاف شيدت في الحي مجموعات متفرقة من العمارات خلف المساكن الفردية إضافة إلى المرافق اللازمة للتدفئة والإنارة العامة وغيرها ..ففي غضون بضع سنوات وتحديدا حتى عام 1973 شيد في حي فيرنتاري أكثر من مائة وخمسين عمارة شقق من غرفة واحدة وغرفتين لآلاف العمال الذين قدموا إلى العاصمة للعمل في مصانعها .. اللافت أن المشروع لم يحدث أي تغيير نوعي بل أبقى على سمات الحي العمالي المهمش الذي يتكدس فيه عمال قادمون من جميع أنحاء البلاد ثم يتزوجون وينجبون وينتقلون إلى مكان آخر .. مكان ترانزيت للسكن المؤقت ليس إلا .. بعد عام 1973 توقفت السلطات عن بناء عمارات سكنية جديدة في الحي..”


    بعد زلزال عام 1977 أعادت السلطات النظر في مشروع التخطيط العمراني لحي فيينتاري لكن شيئا من تلك الخطة لم ينفذ على الأرض . بعد سقوط النظام الشيوعي عام 1989 تعرض حي فيرنتاري للإهمال والتهالك والتهميش وتفاقمت فيه المشاكل الاجتماعية ..