Category: صفحات من تاريخ رومانيا

  • ذكرى مرور 350 عاما على ميلاد الأمير الروماني ديميتري كانتمير

    الزعيم السياسي المثقف ظهر في تاريخ أوروبا في العصر الروماني القديم مع تولي الإمبراطور ماركوس أوريليوس زمام السلطة في القرن الثاني الميلادي . في كاتبه الشهير “الأمير” قال نيكولو ماكيافيلي إن أميرا أو زعيما مثقفا سيطرح دائما أفضل الحلول في التعامل مع شؤون السياسية . أما في تاريخ رومانيا فكان الأمير نياغوي باسراب حاكم إمارة فالاهيا في القرن السادس عشر صاحب ثقافة واسعة واقترن اسمه بأحد كنوز الأدب القديم في أوربا الجنوبية الشرقية هو مجموعة من النصائح والإرشادات كتبها نياغوي باسراب لنجله تيودوسي حول مبادئ الحكم والأخلاق التي تساعد على تربية الشباب وتكون بمثابة سبل إلى الرقي المعنوي . لكن أشهر الأمراء الرومانيين المثقفين هو ديميتري كانتمير، حاكم إمارة مولدوفا الذي ترك إرثا حافلا من الأعمال القيمة في التاريخ والجغراغيا والأخلاق والسياسة والموسيقى ..



    ولد ديميتري كانتمير عام 1673 لأمير مولدوفا كونستنتين كانتمير .وكغيره من أبناء الأمراء أرسل إلى الإمبراطورية العثمانية للدراسة في عاصمتها التي عاش فيها لمدة 23 سنة إلى حين بلوغه سن السابعة والثلاثين .. أعماله تعكس تعمقه في بعض مجالات العلم والمعرفة ومن بين أشهر كتاباته ” الديوان ” الذي ترجم إلى العربية من قبل البطريرك أثناسيوس الدباس الدمشقي، بطريرك أنطاكيا في مطلع القرن الثامن عشر بعنوان “صلاح الحيكم وفساد العالم الذميم” .كما ألف كانتمير كتبا حول تاريخ مولدوفا والإمبراطورية العثمانية وتناول في إحدى دراساته ركائز الإسلام . ومن بين مؤلفاته أيضا كتاب في علم الموسيقى وسيرة حياة والده .. انتخب كانتمير في عام 1714 عضوا في الأكاديمية الملكية في برلين اعترافا بقيمة أعماله ومساهمته في تطوير العلوم كما ذكره مؤرخون معروفون في أعمالهم ومن بينهم المؤرخ البريطاني الشهير إدوارد جيبون الذي أشار إلى أعمال الأمير الروماني في كتابه “انهيار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها “..لكن مسيرة ديميتري كانتمير السياسية لا ترقى إلى مستوى إنجازاته العلمية. فقد اعتلى عرش مولدوفا صوريا في عام 1693 وهو في العشرين من العمر إثر وفاة والده لكنه لم يستمر في الحكم لأكثر من أسابيع بسبب رفض الباب العالي تنصيبه .. في عام 1710 عينه الباب العالي أميرا لمولدوفا ولكن بعد عام واحد فقط اندلعت حرب بين روسيا القيصرية والإمبراطورية العثمانية وتحيز كانتمير للقيصرالروسي بطرس الأكبر . وبعد انتصار العثمانيين على الروس في إحدى المعارك أدرك الأمير أنه لا يستطيع العودة إلى مولدوفا فلجأ إلى روسيا مع أفراد أسرته حيث عينه القيصر مستشارا في ديوانه . في عام 1723 وافته المنية عن عمر ناهز 50 عاما ..



    يصادف عام 2023 الذكرى الخمسين بعد الثلاثمائة لميلاد ديميتري كانتمير وذكرى مرور ثلاثمائة عام على وفاته. وبهذه المناسبة أقيم في مقر الأكاديمية الرومانية معرض لمخطوطات الأمير .. عضو الأكاديمية رزفان تيودوريسكو تطرق إلى مساهمة كانتمير في التقريب بين الثقافتين الغربية والشرقية:



    “كان ديميتري كانتمير شخصية أوربية عظيمة .ألف كتابه حول إمارة مولدوفا بطلب من الأكاديمية الملكية في برلين التي أرادت الحصول على كتب حول مختلف المناطق في الشرق الأوسط التي كانت محط اهتمام مملكة بروسيا ..الحقيقة أن الأكاديمية الملكية في برلين حين انتخبت ديميري كانتميرعضوا لها أرادت إبداء تأييدها للقيصر الروسي إذ إنها اعتبرت كانتمير أميرا روسيا ووصفته بالرجل الأوسع ثقافة في الإمبراطورية الروسية ..وقد روج الأمير كانتمير للفكرة الأوربية بقوة في وقت كانت أوروبا تشهد بزوغ فجر حقبة جديدة هي الحقبة ما قبل الحداثة ..”



    كونستنتين باربو ناشر أعمال كانتمير تحدث عن المخطوطات المعروضة في مقر الأكاديمية الرومانية :


    “يتكون إرث كانتمير من 200 كتاب وتم نشر 104كتب. المخطوطات تعرض بالكامل بعد أن عثرت على الأجزاء المفقودة منها . كما حصلت على مخطوطات جديدة لم نكن على علم بوجودها من ذي قبل .. مخطوطات الأمير موجودة في رومانيا وأيضا في روسيا وألمانيا ويعرض بعض منها في هذا المعرض”.

  • جمعية القرى الرومانية

    جمعية القرى الرومانية


    خطط الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوشيكو لتغيير الوجه العمراني لرومانيا وفق مشروع أطلق عليه بمنتهى النفاق التخطيط العمراني للمدن والقرى. تنفيذ المشروع في المدن اقتضى هدم أحياء سكنية تاريخية في العاصمة وغيرها من المدن الرومانية بشكل غير مبرر وعلى غير جدوى. أما فيما يتعلق بالمناطق الريفية فنص المشروع على هدم نحو ثمانية ألف قرية من أصل ثلاثة عشر ألف قرية بهدف زيادة مساحة الأراضي الزراعية وكل ذلك لضمان تنمية متوازنة لجميع المناطق كما ادعى النظام. ربما بدا المشروع إيجابيا من الناحية النظرية إلا أن تنفيذه على الأرض جاء بنتائج كارثية. فكيف لنظام أخفق في إدارة الاقتصاد الروماني بشكل فعال أن يقدرعلى تنفيذ مشروع عملاق طموح كهذا بما يجدي نفعا؟



    الرومانيون لم يعارضوا خطة التخطيط العمراني خشية التعرض للاضطهاد لكن شخصيات الجاليات الرومانية في أوروبا لم تدع تشاوشيسكو يتصرف على هواه. ففي نهاية عام 1988 تأسست في بلجيكا جمعية عملية “villages roumains” أي القرى الرومانية التي سعت إلى إنقاذ الثلاثة عشر ألف قرية رومانية من خلال حملة ترويج لقضية القرى الرومانية في البلدان الغربية وحشد الدعم لها. وسرعان ما تأسست فروع للجمعية في فرنسا وهولاندا وسويسرا والسويد والمملكة المتحدة وإيطاليا وأسبانيا والنرويج والدنمارك وسط موجة تضامن أوروبي غير مسبوقة دفاعا عن التقاليد وحقوق الإنسان. أكثر الشخصيات الرومانية نشاطا ضمن جمعية ” القرى الرومانية ” هم المحامي والمعتقل السياسي السابق دينو زامفيريسكو والصحفية والناشطة الحقوقية أريادنا كومب والمؤرخ ميهنيا بيريديه. كما شارك صحفيون ومصورون ومهندسون فرنسيون وبلجيكيون في تأسيس الجمعية.



    في عام 2003 أجرى مركز التاريخ المروي التابع للإذاعة الرومانية مقابلة مع دينو زامفيريسكو. كان قد هاجر إلى فرنسا في عام 1975 وكان عضوا في الحزب الوطني الليبرالي كما عمل محررا في القسم الروماني في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. عن دوره في الجمعية قال زامفيريسكو:“كنت انخرطت في فعاليات الجمعية منذ عامين حيث كنا نلتقي بشكل منتظم لإعداد مذكرات وعرائض. لقد جبت فرنسا وبلدانا أوروبية أخرى طولا وعرضا لمدة عامين بصحبة ميهنيا بيريندي وأريادنا كومب للترويج لقضية القرى الرومانية. ففي يوينو حزيران من عام 1989 وصلنا أيضا إلى هنغاريا لحضور مراسم إعادة دفن رفات رجل السياسة المجري الإصلاحي إمري نوغي ورفاقه الذين أعدموا من قبل السلطات الشيوعية بعد ثورة عام 1956. ألقينا محاضرات دعما لقضية القرى الرومانية وأيضا لنشر معلومات حولها في مدن كثيرة في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة وإيطاليا. مساعينا حظيت باهتمام الرأي العام والسلطات والمنظمات غير الحكومية ومن بينها منظمة أطباء العالم التي كانت بدورها تحظى بدعم بعض من أعضاء الحكومة الفرنسية. فقد ساعدونا على القيام بجولاتنا تلك كممثلين عن رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في رومانيا.”



    في نهاية شهر ديسبمركانون الأول من عام 1989 شارك دان زامفيريسكو في نقل إمدادات الإغاثة إلى الرومانيين بعد أيام قليلة على سقوط النظام الشيوعي:“انضممت على الفور إلى عمليات نقل إمدادات الإغاثة حيث رافقت صحبة أريادنا كومب وميهنيا بيريندي أولى إمدادات الإغاثة التي تم نقلها إلى رومانيا على متن طائرة عسكرية فرنسية في السابع والعشرين من ديسمبركانون الاول من عام 1989. ثم في التاسع والعشرين من الشهر نفسه عدت إلى رومانيا على متن أولى طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسيىة سمح لها بالهبوط في مطار بوخارست الدولي الذي كان مغلقا آنذك. رافقتني في تلك الرحلة صحفية فرنسية خبيرة في الشؤون الرومانية وعضو في رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في رومانيا. كنت أحمل جواز سفر فرنسيا ما فتح كل الأبواب والقنوات أمامي.”



    تمثل فعاليات جمعية “القرى الرومانية” نموذجا للتضامن الأوربي في وجه تجاوزات نظام سياسي قاس. وساهمت فعالياتها في حماية القرى الرومانية في السنوات الأخيرة من الحكم الشيوعي الغاشم.

  • إصلاح التعليم في عام 1948

    إصلاح التعليم في عام 1948

    نظام التربية الجديد، عنى تفكيك النظام القديم، واستبداله بآخر، حيث كان يؤخذ في الحسبان ما يسمى بالأصل الاجتماعي الصحي. ولكنه في الحقيقة، كان المعيار السياسي، الذي قضى على المنافسة وروج لسياسة تأهيل الكوادر الداعمة للنظام الجديد.



    المهندس/ شتيفان بيرلا، شغل مناصب عالية في التسلسل الهرمي للحزب والدولة. وكان واحدا من بين الذين كانوا مفضلين من قبل النظام حتى يتسنى له الحصول على تربية. ولكن، على عكس الآخرين، الذين استفادوا من النظام السياسي الجديد، ولكن مقارنة مع آخرين من الذين كانوا منتفعين أو مستفيدين من النظام السياسي الجديد، ولكن دون أن يحظوا بأية صفة مميزة أو كفاءة، كان بيرلا تلميذاً نجيباً، حاصلاً على العديد من الجوائز، وتخرج من مدرسة غيورغيه لازار، إحدى ثانويات النخبة في بوخارست. في عام 2002، سرد لمركز التاريخ الشفوي التابع للإذاعة الرومانية العامة، كيف كان ينظر لهذه التغيرات في التعليم، بعد إصلاحه في عام 1948:


    ظهر تسهيل كبير، مُنح لتلاميذ الثانوية، بتقصير مدة عام لمن رغب بفعل ذلك، وأنا كنت من بين هؤلاء. ظهرت أشكال جديدة من التعليم العالي، التي شملت عمالاً مباشرة أثناء الإنتاج، وشباباً كانوا قد عملوا في الإنتاج. المدارس العمالية، في غضون عامين، كانت تعد خريجاً من المدرسة الثانوية، وكانت تعمل بجانب الكليات. وبالتوازي مع ذلك، فإن أولئك الذين كانوا في يدرسون في الثانوية، أو الذين درسوا في الثانوية، بشكل أو آخر، وكانوا عُمالاً في الإنتاج، كان بوسعهم الذهاب إلى الكليات، وأخذ دورات ومحاضرات بالتوازي مع ممارستهم لنشاطهم. كما كانت توجد كليات، كان يُسجل فيها أولئك الذين كانوا يأتون من المدرسة العمالية أو المهنية، لتحسين الأوضاع الاجتماعية للطلاب من خلالها. وأمام مثل هذا الانفتاح، الجيل الشاب، لم يكن قادراً على أن لا يكون متجاوباً. وحينذئن، تلقت منظمات الشباب ومنظمات التلاميذ، ومنظمات الطلاب، دفعة قوية. وكان الاتحاد الوطني لطلبة رومانيا، UNSR، خلال تلك الفترة، قد اتسع نطاقه وأصبح أكبر. الصيغة التي زاد بشكل كبير وصول الشباب إلى التعليم العالي، كانت الدورات التدريبية للشباب .



    إصلاح التعليم في عام 1948، قلب قيم التعليم التقليدي، بإدخال خيار التخلي عن امتحان الثانوية العامة (البكالوريا)، والقبول في الكلية للذين بلا تعليم ثانوي، بشرط استكماله بالتوازي مع التعليم الجامعي. شتيفان بيرليا:


    عندما سُجلت في الكلية، لاحظت أن لم تكن توجد أية كلية، من شهر يونيو/ حزيران إلى شهر سبتمبر/ أيلول – عندما كانت تقدم امتحانات القبول – لا تُنظم فيها دورات تدريبية للمرشحين الذين ينوون التقدم في المستقبل، حيث كان يقبل جميع الذين يرغبون بالمشاركة. الدروس كانت تعطى من قبل أساتذة جامعيين، ومساعدين، وكان يحضرها عدد كبير من الشباب. هناك التقيت للمرة الأولى، مع الذين كانوا يأتون من المدارس العمالية، مع أولئك الذين كانوا يعملون دروساً مثلنا، حتى يتمكنوا من الدخول إلى الكلية. أساتذة على مستوى عال، مارسوا الأسلوب التالي: كانوا يكتبون على السبورة، مسألة للإستخلاص. وأعني الرياضيات، ولكن كانوا يفعلون نفس الشيء في الفيزياء، على سبيل المثال، وفي مواد أخرى أيضاً. وكانوا يسألون من في القاعة، إذا كان أحدٌ يريد حل المسألة. وكان الأستاذ يُخرج أحدهم إلى السبورة، وكان المُرشح يَحُلها بمساعدته. حيث كان الأستاذ يقدم العديد من الاعتبارات التي كانت مفيدة جداً. المرشح كان يمر عبر قدر كبير من المادة التعليمية. وبعد ذلك، كان يكتب الأستاذ مسألة أخرى على السبورة، وكان يحدث أحياناً، أن يعرف هذا المرشح أم لا الإجابة، فكان يعود إلى مقعده، ويأتي آخرٌ، بدلاً منه، كان يعرف.



    الإصلاح كان يخلق نوعاً جديداً من الطلاب، وجواً طُلابياً جديداً، الذي كان فيه التعود على القصور والحرمان، وتشكيل الوعي الطبقي أولوية. يخبرنا شتيفان بيرليا:


    الصبية الذين كانوا يأتون من المدرسة العمالية كانوا يحظون بمكافأة. لماذا؟ كانت تُعطى لهم استمارة منفصلة عندما كان يستمع إليهم الأساتذة في الإمتحان الشفوي. لا أعرف كيف كانت الإجراءات في الإمتحان الكتابي، لأن الإمتحانات كانت شفهية وتحريرية. في الإمتحان الشفوي، من كان في المدرسة العمالية، كان يأخذ الإمتحان، أي ينجح فيه. كان واضحاً للرؤية بالعين المجردة من كان قادماً من المدرسة العمالية. فقط أولئك، المساكين، الذين كانوا لا يعرفون أي شيء أي شيء بتاتاً، لا يتخطون الإمتحان. كانت محاولات لمساعدتهم، ولكنه كان وضعاً صعباً. أعيد تنظيم كلية الميكانيكا (الآليات)، وتحولنا إلى مهندسين- اقتصاديين. هناك تابعت المحاضرات، وإلتقيت مع كثيرين جداً من المدارس العمالية. لقد حفزوني لنؤسس مجدداً مجموعات الدراسة، التي كانت رسمياً لأعضاء إتحاد الشباب الشيوعيين UTC ولمنظمات الشباب. وهم، باعتبارهم من الكلية العمالية، كانوا يعرفون وضع النقابات وما هي عليه. اخترناهم في النقابة، لأننا كنا ملزمين باختيارهم، كانوا يعرفون كيف يمثلوننا بشكل أفضل.



    الولاء والوفاء للنظام كان عبر يصنع عبر مكافآت. أما الطلاب الشيوعيون، الكوادر الأساسية للحزب في المستقبل، فكانوا يتقبلون التسوية. شتيفان بيرليا، مجدداً:


    كان يوجد نظام منح للطلاب، مائدة، ومنزل، ومبلغ بسيط، كان ثلاثين ليو فقط لتلبية الاحتياجات الشخصية الضرورية، بالإضافة إلى صابون ومعجون أسنان، وجميع أنواع الأشياء. كانت توجد منحة دراسية عادية، ولكنها لم تكن تُدفع سوى بالسلع فقط: بالمائدة، والمنزل، أما المال، فكان مقتصراً على مبلغ الثلاثين ليو فقط. لم أكن بحاجة إلى منزل، ولكن المائدة في مطعم الجامعة كانت ميزة مفيدة للغاية. كنا نأكل في القاعة مرتين، عند الظهيرة وفي المساء. كانت توجد منح دراسية للجدارة أو الإستحقاق، وقد انتفعت بعد النصف الأول من العام الجامعي بمثل هذه المنحة الجمهورية. الكلية، بما أنها كانت حديثة التأسيس، خصصت لها منحة جمهورية، كانت بقيمة 500 ليو في الشهر، وكانت تعادل راتباً تقريبا! وكانن حافزاً كبيراً بالنسبة لي.



    إصلاح التعليم في عام 1948 غير بُنية التعليم في رومانيا. مع أن، في السنوات اللاحقة، أعيد إدخال جزء من معايير الجودة، ولكن بشكل عام، أثرت الفكرة، على التعليم، بأسلوب سلبي.

  • مائة عام على دخول رومانيا الحرب العالمية الأولى

    مائة عام على دخول رومانيا الحرب العالمية الأولى

    تحت شعار الآن أو أبداً قبلت رومانيا المشاركة في الحرب بعد أن حصلت على وعد بتوحيد الأراضي التي يسكنها رومانيون في الإمبراطورية النمساوية-المجرية، عند التوصل إلى سلام، مع مملكة رومانيا. تأجيل دخول رومانيا للحرب، كان له تفسير مزدوج: الأول كان رغبة الملك كارول الأول بأن تقاتل رومانيا إلى جانب ألمانيا، الأمر الذي رفضته الطبقة السياسية، أما الثاني فكان عدم ثقة الجيش الروماني في التحالف العسكري مع روسيا، بعد التجربة المؤسفة في حرب 1877-1878. ففي غضون عامين من الصراع، خسرت رومانيا خمسمائة وخمسة وثلاثين ألفاً وسبمعمائة من الجنود بين قتلى وجرحى ومفقودين، أي 71٪ من عدد أفراد الجيش الذين دخلت بهم الحرب، محتلة المركز الرابع في الترتيب الأسود بعد الإمبراطورية النمساوية-المجرية، التي فقدت 90 ٪ من قواتها، متبوعة بروسيا التي فقدت 76٪، ثم فرنسا التي فقدت 73٪. ويُضاف إلى هذه الخسائر مقتل ثلاثمائة ألف من المدنيين، من بينهم: مائتين وخمسين طبيباً، وألف كادر صحي بسبب الحمى النمشية أو التيفوس. ولكن رومانيا في نهاية الحرب تلقت تلك الأراضي، وبدأت تتشكل رومانيا الكبرى، بثمن تلك التضحيات البشرية الهائلة.



    تاريخ هذه الحرب عانى من تغييرات كان لها تأثيرٌ في المفاهيم العامة حول تلك السنوات. فبعد الحرب، ضحايا، حظي الضحايا وورثتُهم والمعاقين والناجين بإهتمام أميري. كان التاريخ أقل انتصاراً، صدمة الخسائر في الأرواح البشرية، كانت لا تزال تخيم على إعادة الترميم النفسية والمادية للنسيج الاجتماعي. التاريخ أصبح مُناصراً متشدداًً، مع مرور الوقت، أما الأفكار والأيديولوجيات السياسية، فقد وضعت البعد الإنساني في الظل تدريجيا، على حساب الوطنية والمصلحة القومية. مآسي الحرب العالمية الأولى، بدأت تصبح غير مرئية، كمآس إنسانية، ولكن كتضحيات فعلية لمصلحة الوطن. هكذا كان حال رومانيا التي مرت عبر مراحل التاريخ المتشدد، وكل ذلك بلغ مرحلة الذروة إبان النظام الشيوعي، الذي شوه بشكل خطير معاني الأحداث، التي وقعت منذ 100 عام.



    دخول رومانيا في الحرب الكبرى، يجب أن يُنظر إليه – يعتقد المؤرخ/ رازفان بيرياناو، من جامعة بيترو مايور في مدينة تيرغو موريش – كاسترداد أو استعادة للمعاني والخبرات الأصلية للأشخاص آنذاك:


    لا يمكننا النظر إلى الماضي كأبرياء. معاني، وعبرات، ودلالات أبسط الكلمات مختلفة. كثير من الناس سيقولون أن ذلك نسبي. إن ذلك ليس نسبياَ، إنما هو إدراك فهم حقيقة أننا نفهم بشكل مختلف عن آبائنا وأجدادنا، فكرة الأمة، فكرة الشعب. كتب برنارد باكيه، عالم الاجتماع الفرنسي، الذي جاء الى رومانيا في تسعينيات القرن الماض، مقالا حول ما وصفها بمجمدة الأفكار الخطئة. وكانت هذه هي الفترة التي كتب فيها روبرت كابلان عن أشباح البلقان. مقاله باكيه كانت رداَ على رأي مفاده أن النظام الشيوعي قد جمع أشباح الماضي في ثلاجة وجمدها، أما بعد عام 1989، فقد قام شخص بقطع التيار الكهربائي عن الثلاجة من مقبس الحائط، وعادت الأشباح وبدأت تحوم وتصول وتجول وتطارد المجتمع. باكيه يقول بكل وضوح إن الأشباح ليست نفسها، ولا توجد أية ثلاجة. النظام الشيوعي لم يفسد جذرياً معاني الكلمات فحسب، ولكن المجتمع نفسه، الذي يفهم المعاني.



    يقال إن الكلمات تجذب الواقع، أي أن معناها قوي لدرجة، بحيث يصبح حاسماً في تشكيل الآراء. ويعتقد رازفان بارايانو، أن التاريخ يجب أن يصيغ تفسيرات ذات مصداقية للحرب العالمية، دون أن يتأثر بالأيديولوجيات:


    لا يمكننا أن ننظر أبرياء إلى الحرب العالمية الأولى، بين 1916 و 2016 توجد فجوة كبيرة من شأنها أن تغير معاني الكلمات والأفعال. التاريخ المفاهيمي لراينهارد كوسيليك يظهر أن الدلالة مرتبطة بالتغيرات التي تحدث في المجتمع، ومع التغيرات التي تجلبها الحياة السياسة. ولا يدور الحديث حول تغيُر فوري. المعاني لها تأخير، ويجب أن ننتبه إلى التغييرات. المؤرخ الهولندي/ فرانك آنكرشميت، يؤكد أن لغة السرد، ليست لغة- شيء مادي. آنكرشميت يريد القول إن عالم الآثار يجد أشياء قديمة، يحفر ويستخرجها يكشف عنها، ولكن الشيء يبقى شيئاً، نحن لا نتعامل مع أشياء، نحن نتعامل مع معاني ومفاهيم، مع الدور الذي كان لهذه الأشياء في وقتها. إذا كان لنا أن نتصور أو أن نتخيل، في الألفية الثالثة، خبير آثار سيحفر وسيعثر على زجاجة، قد يعتقد بأن نشرب النبيذ من تلك الزجاجة. ولكن ربما كانت تلك الزجاجة مصباحاً، أو لربما كانت قد استخدمت كعبوة ناسفة من خليط كوكتيل مولوتوف. يا للإحراج، يا لها من سخافة، أن يحدث إلتباس ويُظن أن المصباح خليط كوكتيل مولوتوف لأن الشكل هو نفسُه، ولكن دورَهما مختلفٌ تماماً؟



    قراءة الصحف واليوميات والرسائل والمذكرات الشخصية من سنوات الحرب العالمية الأولى، تبين لنا الروح التي رافقت رحيل مئات الآلاف من الرومانيين نحو مسار غير معروف، مختلف عن ذلك الذي اعتدنا عليه. بالنسبة لكثيرين منهم، المسار كان واحداً بلاعودة. في نهاية الحرب، كانت رومانيا الكبرى مكافأة تضحيتهم، ولكن الأحباء كانوا يعتبرونها كبيرة جداً.

  • كونسانتين  برانكوش

    كونسانتين برانكوش

    ظل برانكوش بعيدا عن أضواء الحياة العامة ولم يحب الشهرة ..لذا فإن المقابلات المسجلة معه و الأفلام و الصور التي يظهر فيها قليلة جدا ..


    الناقد جورجيه أوبريسكو تعرف على برانكوش خلال زيارته الأولى لباريس بعد الحرب العالمية الأولى .. وقال عن تلك الزيارة :


    “زرت ورشة عمل برانكوش في باريس .. كانت كبيرة ولاحظت أنها مليئة بعرائض ضخمة من الخشب كان الفنان قد جلبها من قرية بإقليم بريتاني حيث كان الناس قد هدموا عددا من البيوت القديمة .. وكانت العرائض الخشبية الضخمة تلك والتي كان طول بعضها يصل إلى عدة أمتار تبدو وكأنها بانتظار لمسة سحرية من يد المايسترو لتتحول إلى تماثيل و منحوتات رائعة “



    في الفترة ما بين الحربين العالمتين عاد الناقد جورجيه أوبريسكو إلى باريس وزار برانكوش في ورشته من جديد .. وقال عن الزيارة الثانية :


    “لاحظت أن العرائض الخشبية الضخمة كانت قد اختفت من الورشة فكان برانكوش قد أصبح يهتم أكثر بالمعادن و الجحر .. في تلك الزيارة دعاني الفنان لتناول الطعام معه وأثناء العشاء تجاذبنا أطراف الحديث . تحدثنا أكثر من ساعتين … تأثرت كثيرا ومنذ زيارتي الأولى بأحاديثه الشيقة و شخصيته القوية التي لمست فيها نواع من الأرستقراطية ذات الطابع الريفي .. كان لديه عينان ثاقبتان هما مرآة روحه ضاحكتان تارة و حزينتان تارة أخرى ..وكان يتكلم ببطء و بصوت لطيف وكان يزن كلماته بعناية … كان ينشر حوله شيئا من الهدوء هو هدوء الفنان الذي استطاع أن يكتشف حقيقة الفن المطلقة”



    ديسبري باليولوكو هرب من رومانيا إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية إبان الاحتلال السوفييتي للبلاد … كان طالبا فقيرا في باريس عندما تعرف على برانكوش الذي كان صديقنا لوالده :


    “كان برانكوش صديقا لوالدي منذ سنوات الدراسة الجامعية ..وكان والدي أول ناقد لبرانكوش وأول من ألف كتبا حول فنه .. كان برانكوش صديقنا لي أنا الطالب الفقير الذي لا يجد ما يسد به رمقه و يحاول كسب قوته اليومي في فرنسا .. كان يستقبلني في منزله و كان مضيافا جدا.. كان سعيدا باستقبالي ومساعدتي ليس لأنني كنت ابن أحد أصدقائه بل لأنني روماني يواجه شتى المصاعب في باريس .. كانت علاقاته مع الجالية الرومانية شبه عديمة بل أعتقد أنه كان يتجنب أي اتصال معها .. كانت الجالية مكونة من جماعات مختلفة من المناهضين للشيوعية و اليساريين و الشيوعيين المتحمسين ..نصحني بالبقاء بعيدا عن الجالية الرومانية فأصغيت إلى نصيحته ولم احتكك مع الرومانيين في باربس إطلاقا ..”



    الضابط فيرجيل كوفان حضر المراسم التي أقيمت في مدينة تيرغو جيو عام 1938 بمناسبة إزاحة الستار عن المنحوتات الضخمة التي كان برانكوش قد انجزها خصيصا لنصبها في إحدى ساحات المدينة :


    “ان المدير يحدث برانكوش بمودة واعتقد أن الرجلين كانت تربطهما أواصر القرابة .. وقال المدير لبرانكوش إن سكان مدينة تارغو جيو غير معجبين بتلك المنحوتات وأن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك ووصفها بالضحك على الذقون . فرد عليه برانكوش قائلا أن هذا الكلام ليس لسكان المدينة وإنما لخصوم رئيس الوزراء تاتاريسكو .. ثم تحدث عن عائلة تاتاريسكو وعن دعمها له ومساعدتها على إنجاز تلك المنحوتات وتحمسها لفكرة وضعها في تلك المدينة الصغيرة”.

  • زيارة  ريتشارد  نيكسون  إلى  رومانيا

    زيارة ريتشارد نيكسون إلى رومانيا

    ومن جانبها حاولت رومانيا بزعامة الدكتاتور الشيوعي نيكولاي شاوشيسكو إحياء علاقاتها مع الولايات المتحدة واستقبلت زيارتي رئيسين أمريكيين هما ريتشارد نيكسون في آب أغسطس 1969 و جيرالد فورد مطلع آب 1975 .



    الصحفي مرتشا كارب هرب من رومانيا بعد تولي الشيوعيين السلطة بدعم من السوفييت واستقر في الولايات المتحدة حيث انضم إلى فريق محرري إذاعة صوت أمريكا وعين رئاسيا للقسم الروماني و بصفته صحفيا رافق كلي الرئيسيين الأمريكيين في زيارتيهما لبوخارست . وفي عام 1997 تحدث لمحرري مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية عن زيارة الرئيس نيكسون و إدراك الرومانيين لها


    ” زيارة نيكسون لرومانيا مطلع آب أغسطس عام 1969 كانت الأولى لرئيس أمريكي واعتبرت بداية لمرحلة انفتاح في تاريخ العلاقات الثنائية .. الحقيقة أن المواطنين الرومانيين عقدوا عليها آمالا كبيرة ظنا منهم أنها ستساهم في تحسين الاوضاع الداخلية في البلاد .. ربما ذهب البعض إلى اعتقاد أن الزيارة ستؤدي إلى تخفيف قبضة موسكو على رومانيا … لكني أعرف جيدا أن احدا من المسؤولين الأمريكيين الكبار وأقصد الرئيس نيسكون و موظفي الخارجية الأمريكية لم يلوح إلى إمكانية تغيير الأمور في رومانيا بعد الزيارة .. و لم يشر أي موظف في السفارة الأمريكية في بوخارست إلى احتمال أن تحدث الزيارة تغيير ما في الأوضاع الداخلية في رومانيا … اقتصرت تصريحاتهم على التغيرات التي ستشهدها العلاقات بين الحكومتين الرومانية و الأمريكية بعد الزيارة ..”



    استقبل ريتشارد نيكسون في رومانيا استقبال الأبطال وسط أجواء مفعمة بالحماس و الانفعال و مشاعر التعاطف الجياشة إذ لم يخف الرومانيون الذين احتشدوا في الشوارع لاستقباله إعجابهم الكبير به .. و من جابه كان نيكسون متعاطفا مع شاوشيسكو. لنستمع إلى ميترشا كارب من جديد


    “انتظر الرومانيون قدوم نيسكون بصدر رحب على ضوء الآمال الكبيرة التي عقدوها على زيارته .. علمت فيما بعد من مسؤولين في وزارة الخارجية الرومانية أن حوالي مليون روماني خرجوا إلى الشوارع لاستقبال نيكسون و تحيته .. لكن الرئيس نيسكون كان هو الآخر متعاطفا مع نيقولاي شاوشيسكو ومعجبا به .. لكن الحقيقة أن نيكسون حاول من خلال هذه الزيارة و المباحثات التي أجراها مع شاوشيسكو تحسين علاقاته مع موسكو اعتقادا منه أن بإمكان الزعيم الروماني أن يساعده .. أعتقد أن نيسكون كان ساذجا حينما تصور أن شاوشيسكو قادر على التدخل لدى السوفييت و أداء مثل هذا الدور المهم ..لكن هذا التصور كان أحد الدوافع وراء توجهه إلى بوخارست .. أما أسباب إعجاب نيكسون بشاوشيسكو فتعود إلى المعاملة الحسنة التي تلقاها من شاوشيسكو قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ففي مطلع ستينات القرن الماضي حاول نيسكون تسحين صورته وتعزيز مركزه السياسي مجددا بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام كيندي عام 1960 ففي تلك الفترة قام بثلاث زيارات لأوربا الشرقية وبالتحديد لوارشو وموسكو و بوخارست .. وفي وارشو استقبله الساسة البولنديون ببرود و في موسكو أدار السوفييت ظهرهم له أما في بوخارست فمد شاوشيسكو السجاد الأحمر تحت قدمي ضيفه الذي كان قد أصبح بعد هزيمته الانتخابية شخصية نكرة في عالم السياسية الدولية .. يبدو أن نيكسون تأثر لم ينس حفاوة الاستقبال الذي حظي به في بوخارست و الذي اعتبره أحد أهم نجاحاته في حملة الترويج لصورته في الخارج التي كان نيكسون يخوضها آنذاك “



    بعد ست سنوات من زيارة الرئيس نيكسون حل خلفه جيرالد فورد ضيفا على رومانيا ووصفت زيارته بالناجحة لكنها لم ترق إلى مستوى زيارة سلفه من حيث حماسة الاستقبال الجماهيري له .. ميترشا كارب مرة أخرى


    ” قدم فورد من وارشو حيث كان قد قام بزيارة قصيرة بعد مشاركته في قمة منظمة الأمن و التعاون في أوربا التي انعتقد في هلسنكي ..و رحب به سكان بوخارست بحرارة وخصصوا له استقبالا جميلا لكن أقل حماسة من استقبالهم لنيكسون قبل ست سنوات .. علمت أن شاوشيسكو نفسه أراد كبش حماس الناس و اتخذ بعض التدابير لمنع خروج حشود الجماهير المواطنين إلى الشوارع و تكرار ما كان حدث أثناء زيارة نيكسون .. وفقا للتقديرات الرسمية كان في استقبال فورد حوالي أربعمائة ألف من سكان العاصمة وهو عدد مهم بالتأكيد لكنه لا يخرج عما هو متعاد في مثل هذه المناسبات .. أعتقد أن الرومانيين فقدوا الكثير من حماسهم خلال السنوات الست التي كانت قد مرت على زيارة نيكسون لأدركوا بأن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لعمل أي شيء يزيد عما تقتضيه مصالحها السياسية وبالتالي لم تكن ترغب في التدخل من أجل تحسين الأوضاع الداخلية في رومانيا “



    جاءت زيارتا نيكسون وفورد لرومانيا في سياق محاولات الولايات المتحدة التقريب بين بلدين منتميين إلى نظامين سياسيين و عسكريين متناقضين . لكن التناقضات بينهما كانت من العمق بحيث حالت دون ترجمة تلك المبادرة على أرض الواقع …