Category: الموسوعة الإذاعية

  • كازينو كونستانزا

    كازينو كونستانزا

    الكازينو   هو  شعار مدينة  كونستانتزا –   أكبر  ميناء بحري   في رومانيا   وأكبر  مدينة مطلة على  البحر الأسود  في البلاد وهي المدينة التي   قام بتأسيسها  اليونانيون  القدامي تحت اسم  توميس. وقد ذكرت مدينة  توميس قديما  في  أسطورة   أبطال الأرجو  وفي  قصائد  الشاعر اللاتيني بوبليوس أوفيديوس ناسو. أما  كازينو  كونستانتزا فقد بني  على طراز الفن الحديث مطلع  القرن العشرين  وافتتح   رسميا   في الخامس  عشر من آب أغسطس  عام 1910 بمناسبة  يوم   البحرية.

    لكن  الجدير بالذكر  أن  مدينة  كونستانزا  كانت  قد أصبحت  مركز اصطياف  وسياحة  علاجية  منذ عام 1879  . وفي عام 1880  بنيت فيها   أول قاعة رقص هي  قاعة غواراتشينو التي    تضررت أثناء  عاصفة شديدة   في عام 1891 . وفي العام التالي  قامت البلدية ببناء قاعة  رقص  جديدة  ظلت  مفتوحة أمام الجمهور    حتى  عام 1910. لكن قصة الكازينو  بدأت في عام 1903  بتوقيع   رئيس البلدية كريستيا جورجيسكو   على  عقد   كلف   فيه  المهندس المعماري دانييل رينار  بوضع  مخططات مبنى  الكازينو .

     ديليا روكسانا كورنيا  المديرة المؤقتة لمتحف كونستانزا للتاريخ  وعلم  الآثار: “في الخامس عشر  من آب  أغسطس  عام   1910 افتتح الكازينو رسميا فأطلقت الصحافة عليه  كازينو    كارول الأول    على اسم  العاهل الروماني آنذاك . وكانت  مراسم  الافتتاح   مصحوبة  بحفلة  كوكتيل  فاخرة  ما زلنا  نحتفظ بقائمة الأطعمة التي  قدمت فيها ومن بينها بيض الحجل  وكبد الإوز وأفخر أنواع   النبيذ . وقد  ظل  الكازينو  نقطة   جذب  رئيسية  على خريطة  كونستنازتا السياحية  إلى حين  اندلاع  الحرب العالمية الأولى. ففي عام 1916 احتلت القوات  الألمانية والبلغارية  منطقة   دوبروجيا المطلة على البحر  الأسود  ومعها  العديد من المباني في  مدينة  كونستانتزا ونهبتها قبل  أن تنسحب  من المنطقة  .. ولم  يسلم  الكازينو من  النهب  والتخريب  غير أنه   كان قد تحول  إلى مستشفى عسكري  إبان الحرب  ورسم  شعار الصليب الأحمر على  سطحه. ومع  ذلك  سقطت عليه  قنبلة  ودمرت جزءا من السلم الداخلي. وقد أعيد  بناء الكازينو في عشرينيات القرن الماضي ليستعيد روعته في الفترة  ما بين الحربين العالميتين.وكانت احتفاليات  يوم  البحرية  في الخامس عشر من آب  أغسطس ولا سيما  العرض البحري الذي كان  الفعالية  الرئيسية  فيه بالإضافة الى الفعاليات  الفنية والترفيهية  الأخرى  تجذب الكثير من الزوار  وكان  يحضرها أيضا  سكان المدينة  بأعداد  كبيرة.  فمعظم  الحفلات الخيرية  أقيم  في الكازينو  وكان  يحضرها   أفراد  الأسرة المالكة.”

     

    بلغ بريق  الكازينو ذروته  في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي وهي الفترة التي شهدت مدينة  كونستانتزا فيها ازدهارا  لم يسبق له  مثيل  بحسب  المؤرخ والكاتب كريستيان تشياليرا  المرشد في متحف كونستانتزا  للتاريخ وعلم  الآثار:”كانت  هناك في  منطقة  دوبروجيا   تسع عشرة  أقلية  عرقية  ولكن   تعدادا للسكان  أجري  في  عشرينيات  القرن الماضي  أظهر أن  عدد  سكان   مدينة  كونستانتزا كان يزيد  عن  ستة وخمسين  ألف نسمة وبينهم  أبناء ثلاث  وثلاثين أقلية  عرقية .  لعل  كثيرين  لا يعرفون أن  رحلات  جوية   عبر المحيط الأطلسي كانت  تربط   كونستانتزا بنيويورك  وأن فرقا موسيقية من نيو أورليانز كانت تقيم  حفلات  موسيقى الجاز في حدائق المدينة  وفي قاعات  الكازينو. وكان  مغنو  مسرح لا سكالا بميلانو  يتنافسون على  توقيع  عقود لإقامة  حفلات  في   الكازينو في  موسم  الصيف  وكان  أبطال  العالم في الملاكمة يلتقون   في الكازينو أو في  الحلبة  المقامة  أمامه .

     كان  الكازينو أحد  الأماكن  المفضلة لدى سكان كونستانتزا . من جانب آخر شهدت  ثلاثينيات  القرن الماضي   إقبالا  متزايدا  على القمار الذي كان الكازينو أشهر أمكانه .  فقد ساهمت  الأموال  الناتجة من تجارة القمار في  تطور وازدهار المدينة  والسياحة في المنطقة . ولكن  في الوقت  نفسه  وقع  كثيرون  ضحايا   للقمار.  فإذا كان  الأغنياء يغادرون  كازينو  مونتي كارلو للمجئ إلى كونستانتزا لرخص أسعارها  إلا أن  الأقل حظا وخاصة  الموظفين  الصغار  والسكان المحليين لم يعرفون كيف  يتعاملون مع القمار وكيف   يتجنبون الإدمان  ولذلك  شهدت   المدنية   مأس  وقصصا  حزينة  كثيرة  أفردت  لها الصحافة  حيزا  واسعا  وتنوعت بين  حالات الانتحار والفضائح  .فكانت  لافتة قصة   امرأة   أنفقت أموال صديقها في الكازينو وفي اليوم التالي  طاردها صديقها   محاولا إطلاق النار عليها”.

     

    بعد عام 1940  وخاصة   إبان الحرب العالمية تعرض  الكازينو  للإهمال .فقد  تم احتلاله من قبل القوات الألمانية  وثم في عام  1944 من قبل القوات السوفيتية  . أثناء الحقبة الشيوعية  أصبح  الكازينو في حالة متقدمة  من التهالك   ولكن  في  خمسينيات  القرن الماضي  طرحت  مسألة تصليحه  وترميمه  باسخدام  ليس  المدنيين فحسب   بل أيضا  السجناء السياسيين القابعين  في  السجون ومعسكرات  الاعتقال  التي كانت  توفر اليد العاملة  لموقع  إنشاء  القناة بين  الدانوب والبحر الأسود.  حقيقة حزينة  أثبتتها مذكرتان كتبهما سجينان  سياسيان  وتم اكتشافهما في جدران الكازينو أثناء أعمال الترميم التي انطلقت  في عام 2020 . في  ثمانينيات القرن العشرين ومطلع  التسعينيات  تحول كازينو كونستانتزا  إلى  مطعم  . وبعد عام 2000  أغلق  الكازينو  إلى حين  الحصول على   الأموال اللازمة لترميمه.  وبعد  انتهاء  أعمال الترميم  سيستضيف  الكازينو  معارض ومتحفا  لتاريخ الكازينو ومركزا ثقافيا متعدد الوظائف.

  • قلعة تيغينا

    قلعة تيغينا

    تقع قلعة تيغينا  على   الضفة الشرقية  لنهر نيسترو   وهي واحدة من القلاع   التي أمر الأمير الروماني  شتيفان الملقب  بالعظيم  حاكم  إمارة  مولدوفا  الرومانية في النصف الثاني من القرن  الخامس عشر  ببنائها  لحماية  الإمارة  من  الغزوات  التتارية . وقد أظهرت  الحفريات الأثرية أن  القلعة  كانت  قد بنيت   من الطين  على شكل  دائرة وأحيطت  بخنادق  دفاعية .

    أعيد  بناء  قلعة  تيغينا  في  عهد الأمير بيترو  راريش   الذي  خلف  الأمير شتيفان على عرش إمارة مولدوفا في النصف الثاني من القرن السادس عشر  ولكن  بعد  استيلاء  السلطان  العثماني   سليمان القانوني   على  المنطقة  في عام 1538  أصبحت  القلعة  مركزا  للإدارة   العثمانية وسميت  بقلعة بندر  في إشارة إلى  قربها من   الميناء  على  نهر نيستور .  في القرون التالية  مرت القلعة  بأوقات   مضطربة  وخضعت  لسيطرة الإمبراطورية الروسية  بعد عام 1812  عندما بدأت  أهميتها الاستراتيجية  بالتلاشي  .

    كريستينا روس  المرشدة السياحية  تروي  لنا قصة  قلعة تيغينا :”هناك  روايات   كثيرة  عن   قلعة  تيغينا  ولكنها تختلف باختلاف  أثنية  المرشد السياحي   الذي  يتحدث عنها  فإذا كان الدليل من  إقليم  ترانسنيستريا المطل على   الضفة الشرقية    لنهر نيسترو  فإنه يفضل أن يقول إن القلعة بنيت  بأمر من السلطان  سليمان القانوني. لكني   أقول إن القلعة هي واحدة  من القلاع  التي بناها   الأمير الروماني شتيفان وذلك  اعتمادا على   المصادر التاريخية    الكثيرة التي  تفيد   بأن الأمير  شتيفان  أمر ببناء القلعة  على الضفة الشرقية   لنهر  نيسترو من أجل الدفاع عن الحدود   الشرقية  لإمارة  مولدوفا.

    والجدير بالذكر أن  الأمير  شتيفان  ينسب إليه  بناء أربع  قلاع   تقع  كلها على  الضفة الشرقية   للنهر  وهي  هوتين  وسوروكا  وتيغينا  والقلعة البيضاء  وأن  قلعة   سوروكا  هي الوحيدة التي  لا تزال  ضمن أراضي جمهورية   مودلوفا في حين أن  قلعة   تيغينا  تتواجد حاليا في اقليم ترانسنيستريا الانفصالي

    القلعة التي نشاهدها اليوم   تختلف  إلى  حد  كبير عن تلك التي   بناها  الأمير شتيفان .إنها مبنية   من  الحجر  والرمل المخلوط بالبيض وفراء الحيوانات  وهي  مواد  البناء التي  كانت  متوفرة   ومستخدمة  آنذاك   لكنها  ذات جودة عالية . وكانت  للقلعة   أربعة أبراج  دفاعية . ولكن  بعض  المباني التي كانت  قائمة  داخل القلعة   قد  دمرت  أثناء  القتال  ولم تعد  موجودة. وقد  استخدمت  القلعة   لأغراض  عسكرية  حصرا  لقرون   طويلة  ولم  تفتح أبوابها للزوار إلا في القرن الحادي والعشرين.

    من جانب آخر  كان  موقع    القلعة   على ضفة النهر ملائما  للأنشطة التجارية . ففي العصور الوسطى  كان   التجار  يأتون  من  البحر الأسود عبر نهر نيسترو لأقامة  أسواق   داخل  القلعة  و كان  تجار وحرفيون   من جميع  أنحاء العالم  يزورونها . المرشدون  السياحيون المحليون  يقولون  إن القلعة  احتضنت  كنائس ودور عبادة  لمختلف  الديانات  والمعتقدات  بما  تناسب  مع   ديانات  التجار  والحرفيين  الذين  ارتادوا السوق  ويذكرون  على سبيل المثال  كنيسة أرمنية وأخرى  يونانية  ومسجدا . ولكن  لا توجد في المنطقة  آثار وانقاض   تثبت هذا القول .”

    القلاع   التي  بنيت بأمر من  الأمير شتيفان   على طول مجرى  نهر نيستور   مرت  عبر العصور بأوقات    مضطربة  :”القلعة البيضاء وقلعة هوتين  لم تعدا   تابعتين   لجمهورية  مولدوفا   بسبب  إعادة  تقسيم الأراضي إبان   الحرب العالمية الثانية  . في عام 1812 بعد  الحرب الروسية التركية وبعد الحرب بين الإمبراطورية العثمانية   وإمارتي مولدوفا  وفالاهيا  الرومانيتين  كانت   أراضي  إمارة مولدوفا الرومانية  التاريخية  قد  قسمت إلى جزأين  وكان  نهر بروت   يشكل  الحدود الطبيعية بينهما

    .وبما  أن  الإمبراطورية العثمانية خسرت الحرب ضد  الإمبراطورية الروسية في  عام 1812  اضطرت لتقديم  شيء  ما للروس. وهكذا  أصبح  جزء من أراضي إمارة  مولدوفا  الرومانية   تحت سيطرة الروس الذين أطلقوا عليها اسم باسارابيا  . واختاروا  بلدة  كيشيناو  لتكون  مركزا   إداريا للمنطقة .  بعد الحرب  العالمية الأولى  عادت  منطقة  باسارابيا  ألى رومانيا  ولكن في عام   1940  إبان الحرب العالمية الثانية   ضم الاتحاد السوفييتي  منطقة  باسارابيا  وشمال   بوكوفينا إلى أراضيه .. بعد   تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991  أصبحت  قلعتا  سوروكا   وتيغينا  ضمن  أراضي  جمهورية  مولدوفا  وأصبح  شمال  بوكوفينا   ومعها  قلعة  هوتين  والقلعة البيضاء  جزءا  من الأراضي الأوكرانية.

     

     

  • شارع فيكتوري ببوخارست

    شارع فيكتوري ببوخارست

    أحد  أقدم  الشوارع  في بوخارست  هو  شارع فيكتوري  أي شارع النصر   الذي  أنشئ  في  أواخر  القرن  السابع  عشر  في  عهد الأمير  كنستنتين برانكوفينو. ففي  عام 1692  قرر الأمير إنشاء  طريق  يربط  قرية   موغوشيايا  قرب العاصمة  التي  كان  يسكن فيها   بالقصر الأميري في بوخارست  فأصدر  أوامر بربط   زقاقين قديمين متعرجين وتحديثهما  ليشكى  طريقا  جديدا مستقيما أطول وأجمل .فقام   الأمير بتدشين الشارع  الجديد  وأطلق عليه  “جسر  موغوشوايا”  لمظهره  الذي كان  أقرب إلى جسر منه  إلى طريق  . وقد  خصص الطريق  الجديد  لاستخدام  الأمير  حصرا  لكن  بمرور  الوقت أصبح  جسر موغوشوارا أهم  طريق  عام   في العاصمة ما دفع  بالإطقاعيين  والموظفين  الكبار والتجار الأغنياء   إلى  إنشاء  منازلهم  الجديدة  في محيطه حتى  امتلاء   الشارع  بالمنازل الفخمة  والكنائس والحانات  والمتاجر الفاخرة  وأصبح الطريق الرئيس في  الحي  السكني  الجديد   الذي  إنشئ  في محيطه  .

    غطي الطريق الجديد وقت إنشائه   بألواح  خشبية  ثم  استبدل  الخشب بالحجر. وفي عام 1882 تم  تركيب  مصابيخ  كهربائية  على  رصيف  الشارع  أمام  القصر الملكي   للمرة الأولى  في  بوخارست .و تم  تغيير  اسم  الشارع إلى شارع  فيكتوريا  في إشارة إلى دخول   الجيش الروماني إلى العاصمة  سالكا هذا الطريق   بعد  عودته  منتصرا  من حرب الاستقلال  عن الإمبراطورية  العثمانية في الثامن  من  أكتوبر تشرين ا

    لأول  عام   1878  .

    عن  تاريخ  هذا الشارع  القديم  تحدثنا منسقة قسم التاريخ الحديث والمعاصر في متحف  بوخارست  كاميليا إيني:”الخوض في  تفاصيل  الأحداث التاريخية  قد يبدو  أمرا  عفا عليه الزمن. لكن هذا غير  صحيح لأن هذا الشارع  كان  أول طريق    بهذا الطول  في تاريخ   العاصمة  الرومانية  وأول طريق يربط  شمال العاصمة  بجنوبها .

    فاسم الشارع  يشير إلى   انتصار  الجيش الروماني في حرب الاستقلال  التي دارات رحاها بين عامي 1877 و1878 غير أن  تاريخ الشارع  بدأ  قبل  حوالي مائة  عام   من  حرب الاستقلال وتحديدا   في عهد الأمير برانكوفينو الذي   ربط   زقاقين  قديمين  كانا يعبران حيا سكنيا  فقيرا  في المنطقة  من أجل  إنشاء طريق  واحد  يربط منزله  بقرية  موغوشوايا  بالقصر الأميري في بوخارست . وفي الوقت نفسه  طالب   الأمير  بأن  يمر  الشارع  الجديد  بمنازل  أبنائه وأحفاده .”

     كيف تبدو صورة  الشارع   اليوم؟ : “من  يمشي  في   شارع  فيكتوريا اليوم  ربما   لا  يلتفت  إلى   المباني  الفخمة  المصطفة على جانبيه . لكن ما لا يمكن لأحد نفيه  هو أن   ميزة الشارع  هي الأناقة التي  تتجلى  في  الأساليب والأطرزة  المعمارية   للمباني  والقصور التي  شيدت  فيه اعتبارا من  القرن التاسع    عشر   والتي  تنم  عن سلامة  ذوق  ملاكها  من جهة وبراعة  المهندسين المعماريين الذين  وضعوا  مخططات إنشائها  من جهة أخرى ..

    أبرز الأطرزة المعمارية  هي   الانتقائي  والفرنسي وأسلوب الفن الجديد   والباروك والباروك الجديد . الحقيقة أن  العديد  من المباني تذهلنا بجمالها  وحجمها  المهيب  . ونحن  نمر بها  نتساءل  :  من يا ترى  سكن  في  هذا القصر الجميل ومتى أنشيء  ومن قبل  من  ؟  الأجوبة عن هذه  الأسئلة   نجدها في  وثائق   الأرشيف.”

    كيف أنشئ  شارع  فيكتوري؟ : ” أنشئ    الشارع انطلاقا من  الجنوب باتجاه   الشمال  وتطور  وزاد  جمالا  بفضل  العائلات  المرموقة التي  ساهمت في  كتابة  تاريخه   بالمنازل  والقصور التي بنوها  لتحل  محل البيوت  القديمة  المتواضعة .

    ينطلق الشارع  من ساحة الأمم المتحدة  على ضفة  نهر دامبوفيتسا  ويصل  إلى ساحة النصر شمالي العاصمة  مرورا  بأحياء  سكنية   قديمة فيها  مبان   ذات أهمية  تاريخية ومن بينها  المنزل الذي اغتيل فيه  أثناء ثورة عام  1821  بيمباشا سافا – قائد فرق  المرتزقة   الألبان  التي كانت مسؤولة عن حراسة   الأمير والإقطاعيين  الكبار .

    أحد أجمل المباني في شارع  فيكتوري  هو  قصر دار الادخار الذي  بني في عام 1900 في موقع  حانة  قديمة . وبالقرب  منه نشاهد  مبنى  متجر  فيكتوريا  الذي بني في عام 1930  على  طراز  الفن  الزخرفي  وسمي آنذاك  بمتجر لافاييت . كذلك  قصر البريد  الذي بني في عام 1900  ويستضيف منذ عام 1972  المتحف الوطني  للتاريخ .”

     

    يمثل شارع  فيكتوريا أحد  أبرز  المعالم في العاصمة  له  أهمية  تاريخية وتجارية  وفنية  وسياسية  . ولا يمكننا  اختتام   هذه  النبذة  دون أن  نذكر  بعضا من المباني  التاريخية  فيه  وفي مقدمتها  القصر الملكي السابق  الذي  يستضيف اليوم  المتحف الوطني للفن  وقاعة  الحفلات الموسيقية المعروفة  بدار الأثينينوم  ونادي الجيش  وقصر  رومانيت  الذي بني  في النصف الأول من القرن التاسع  عشر  بالإضافة إلى  قصر عائلة  كانتاكوزينو المرموقة  الذي بني    أوئل القرن العشرين  ويستضيف اليوم  متحف  جورجي إينيسكو .

     

  • شهادة  تحرير العبد  ماتي أوبريا

    شهادة تحرير العبد ماتي أوبريا

    شهدت   أوروبا   في عام 1848  موجة  من الثورات  عرفت  بربيع   الأمم انطلقت  من فرنسا وامتدت إلى  العديد  من البلدان  حتى وصلت إلى  إمارتي  مولدوفا وفالاهيا الرومانيتين  حيث  تماهت  مع   عملية  الم الأكانت  تأكيد الأمة الرومانية والوعي الوطني. كانت  العبودية   ظاهرة مألوفة  في الإمارتين  على مر العصور  أسوة  بالقنونة  مع وجود  أوجه  تشابه واختلاف بينهما . وكان  معظم  العبيد  في الإمارتين الرومانيتين  من الغجر   قبل الذين  كانوا يعتبرون   ملكا لأسيادهم  بحيث  كان يحق  للأسياد  أن يتصرفوا  فيهم   كما شاءوا وكان قانون العقوبات  الذي صدر عام 1818   في  إمارة فالاهيا  يقضي  بأن “جميع الغجر يولدون عبيدا   في حي أن “الغجر الذين  لا سيد لهم  يصبحون  تلقائيا ملكا   ملك للدولة”.

    توجد لدى  المتحف الوطني  للتاريخ    مجموعة  من الوثائق  الرمسية  حول  وضع  الغجر  العبيد  وتحريرهم   ومن بينها   “شهادة التحرير من العبودية للمدعو   ماتي أوبريا”.  أندريا شتيفان الخبيرة  لدى المتحف الوطني للتاريخ  حدثتنا  عن الوثيقة وأهميتها : “شهادة التحرير من العبودية التي صدرت  للمدعو  ماتي أوبريا هي  واحدة من الشهادات  على  عملية   تاريخية استمرت  لعقود  ابتدأ من   منتصف القرن التاسع عشر في  الإمارتين  الرومانيتين   وتمثلت في  سلسلة  من الإصلاحات  أدت  في نهاية المطاف  إلى تحرير العبيد الغجر بعد أن  كان  استعباد   الغجر في الإمارتين قد  أصبح  مشكلة  اجتماعية  حادة  في منتصف القرن التاسع عشر  وكان  لا  من   حلها”.

    عن ثورة  عام   في 1848 الإمارتين  وتأثرها  بالأفكار  السياسية والاجتماعية والثقافية   لسائر اللثورات  في أوروبا  آنذاك   حدثتنا  أندريا شتيفان مستحضرة  ما جاء  في   بيان  الثوار في إمارة  فالاهيا من أهداف  متعلقة  بتحرير  العبيد:

    “بيان  الثورة  الذي صدر  في  الحادي والعشرين من يونيو  حزيران عام 1848   والذي تضمن  برنامج  الثوار الرومانيين   أشار  بصريح  العبارة إلى ضرورة  تحرير  العبيد . وهنا  يجدر الإشارة إلى  أن  معظم الثوار كان  من  المثقفين   الذين درسوا في الجامعات الغربية ون  أ تبنوا قيم التنوير ولذلك كان أولائك يشعورن  بحرج   شديد  لاستمرار العبودية    في   بلادهم  وكانوا يعتبرون الاستعباد  ممارسة عفا عليها الزمن وغير إنسانية .وجاء في  نص البيان ما يلي :  “إن الشعب الروماني يرفض لاإنسانية   الاستعباد  وينأى  بنفسه  عن هذه  الظاهرة التي  تمثل   وصمة عار في جبينه .”

    قرر الثوار تشكيل لجنة تحرير العبيد  في  إطار مساعيهم   الرامية إلى القضاء على العبودية:

    “علينا أن نأخذ في الاعتبار أن  الثوار  كانوا  تحت  ضغط  شديد  من جهة  وكانوا  بأمس الحاجة  إلى الظهور  في  مظهر المعتدلين  المقبولين  للجميع  من جهة أخرى  . فأولائك   المثقفون  الذين درسوا  في فرنسا كانوا  ينتمون   إلى  النخب  الاجتماعية والثقافية وفي الوقت نفسه كان  كثيرون منهم  من ملاك  الإقطاعيات وكان استغلال العبيد  العاملين  في إطقاعياتهم يدر أموالا  كثيرة عليهم  . وبالتالي  فبعد  خمسة أيام فقط من إعلان  بيان  الثورة  أي  في السادس والعشرين من يونيو حزيران عام 1848  تم تشكيل   لجنة مكلفة بتنفيذ  الإصلاح الاجتماعي اللازم  للقضاء على  العبودية   فأطلق عليها  لجنة تحرير العبيد.وبالإضافة إلى  مهمة تحرير العبيد  كلفت  اللجنة  لمهمة  إصداروثائق   التعويض  للعبيد  المحررين .”

     عن شهادة  تحرير العبد  أوبريا ماتي الموجودة  لدى  المتحف الوطني  للتاريخ   فقالت أندريا شتيفان: “إنها  نموذج  مطبوع  صدر  للعبد   ماتي أوبريا  الذي كان   يبلغ  العاشرة من العمر وكان  ملكا  للإقطاعي  يون   غيكا – أحد  ثوار عام  1848 وأحد أكثر  المناضين  حماسا   من أجل تحرير العبيد.”

    أشارت  أندريا  شتيفان   إلى  سلبيات  عملية تحرير  العبيد  إبان ثورة  عام  1848 في الإمارتين  الرومانيتين :”لم تنجح   ثورة   عام 1848 في تحقيق  التقدم المرجو في  تحرير  العبيد  لأن  القانون  الذي  أقرتها الحكومة  المؤقتة  التي  تولدت  من  رحم  الثورة  كان أيضا  قانونا  مؤقتا عابرا  انتهى  مفعوله  مع  توقف  تلك  الحكومة عن العمل   .”

    آثار  تشريعات   عام 1848  حول  تحرير العبيد  تبعات  امتدت إلى  القرن  العشرين  ومنه إلى يومنا  هذا : “تركت   العبودية  آثارا عميقة  ومعقدة للغاية على مجتمع الغجر بعضها  قصير المدى تمثل في تحرير  العبيد بشكل فعلي  والبعض  الآخر  بعيد  المدى تجلى   إبان الحرب  العالمية وخاصة  أثناء  ما يسمى  بمحرقة الغجر وثم في زمننا هذا  في ميل  المجتمع  الحالي  إلى   تهميش  الغجر .”

     

  • 145 عاما من العلاقات  الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا

    145 عاما من العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا

    استضاف  البنك المركزي  الروماني   معرض “مائة وخمسة أربعون عاما من العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا” الذي جمع   بين الصور الفوتوغرافية والوثائق والعملات القديمة  التي تشكل  مجتمعة   مرآة  للعلاقات بين البلدين على مر العصور. وقد أقيمت  العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا في عام 1879.

    في  السادس  من   ديسمبر كانون  الأول  عام   1879 قدم  المبعوث  السامي  والوزير المفوض الإيطالي  جوزيبي تورنييلي  أوراق اعتماده إلى العاهل الروماني   الملك كارول  الأول. وفي الخامس عشر  من فبراير عام  1880  قدم المبعوث السامي  والوزير المفوض الروماني   نيكولاي  كريتزوليسكو  خطاب الاعتماد للملك أومبرتو الأول في روما  . في عام  1964 تمت ترقية   العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا إلى مستوى  البعثات الدبلوماسية للبلدين  .

    دورو ليتشو مدير الأرشيف الدبلوماسي حدثنا عن  العلاقات الرومانية الإيطالية عبر التاريخ:”نحتفل بمرور  مائة  وخمسة  وأربعين عاما  على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وإيطاليا. لكن في الواقع  يزيد تاريخ  العلاقات بين   شعبينا  عن ألفي سنة   نظرا لأصولهما  اللاتينية المشتركة .

    في  العصور الوسطى أقام  تجار  وبحارة  مدنية  جينوا الإيطالية أولى  المستوطنات على  الأراضي الرومانية  وتحديدا  عند مصب  نهر الدانوب  في  البحر الأسود .ففي  أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة  لاحظ المسافرون الإيطاليون إلى الغمارتين الرومانيتين   التشابه اللغوي  الكبير  بين   الرومانية والإيطالية والذي يعود إلى  انتمائهما  إلى أسرة  اللغات  المنحدرة من اللاتينية.  وفي القرن الثامن عشر  بدأ  كبار  الإقطاعيين  والموظفين  الرومانيين    يرسلون  أبناءهم  إلى  إيطاليا للدراسة.

    في بداية القرن التاسع عشر افتتحت  أولى  القنصليات الإيطالية  في مدينة  ياش عاصمة إمارة مولدوفا  وأيضا  في بوخارست عاصمة إمارة فالاهيا  وفي  المدن الموانئ على  الدانوب كبرايلا وغالاتي وسولينا. واستلهم  الثوار الرومانيون  في منتصف القرن التاسع عشر من أفكارفكارأفك ثورة عام   1848 ونجاح حركة التوحيد  في  إيطاليا.  كما لعب  مسؤولون  سياسيون  إيطاليون   دورا  هاما  في عملية  اتحاد  إمارتي  مولدوفا وفالاهيا   الرومانيتين  في يناير كانون الأول عام  1859 بانتخابهما   حاكما  واحدا  لكل الإمارتين  هو ألكسندرو إيوان كوزا .فقد اعتبر  مجلس القضاء  الدبلوماسي بإقليم  بيمونتي  الإيطالي  أن انتخاب ألكسندرو  إيوان    كوزا   كان شرعيا ومتطابقا  مع  أحكام اتفاقية باريس البمرمة  في عام  1858 والتي  نصت على اتحاد  الإمارتين   وانتخاب حاكم  في كل  منهما  دون أن  تحظر  انتخاب  حاكم  واحد لهما. وبذلك  كان رأي  مجلس القضاء  الدبلوماسي الإيطالي  مبررا  قانونيا   للاعتراف باتحاد الإمارتين  ومشروعية  ألكسندرو إيوان كوزا كأمير  للدولة الجديدة .وفي العقود التالية  استمرت العلاقات  الثنائية في التطور .ففي عام   1873 افتتح مكتب  دبلوماسي  لرومانيا  في  روما.”

    عن المعرض  الذي استضافه البنك  المركزي الروماني  وأهم المعروضات قال  دورو ليتشيو: “حاولنا   تسليط الضوء على أهم  الأحداث   في تاريخ  العلاقات  بين رومانيا وإيطاليا  ومن بيبنها  اتحاد  الإمارتين  الرومانيتين   والاعتراف باستقلال   رومانيا  من الإمبراطورية  العثمانية  وإقامة العلاقات الدبلوماسية  فضلا عن التعاون  بين البلدين   إبان  الحرب العالمية الأولى  عندما سعت   إلى  تحقيق  أمنياتهما  الوطنية  وقررتا  الانضمام إلى  قوى الوفاق. فقد تم آنذاك  تشكيل الفيلق الروماني في إيطاليا  من أسرى حرب سابقين كانوا   قاتلوا في   الجيش النمساوي المجري ومن  رومانيين  من المناطق التي  كانت  خاضعة  للإمبراطورية النمساوية  الذين انضموا إلى  المساعي الرامية إلى إقامة  الدولة الرومانية الموحدة .

    كما تطورت  أيضا  العلاقات الثقافية  بين رومانيا وإيطاليا  ولاسيما في الفترة ما بين الحربين العالميتين  مع افتتاح الأكاديمية الرومانية في روما في عشرينيات القرن الماضي   وافتتاح معهد البحوث الإنسانية في البندقية في الثلاثينيات.باختصار شديد  فإن  مؤسسة الأرشيف الدبلوماسي  التابعة  لوزارة الخارجية تعمل على الترويج  للتاريخ كوسيلة لمعرفة الماضي  من أجل فهمه  وفهم الحاضر وبناء مستقبل أفضل. “

  • قيام الدولة الرومانية الموحدة في صور فوتوغرافية وشهادات

    قيام الدولة الرومانية الموحدة في صور فوتوغرافية وشهادات

    تخلد  الوثائق  والرسومات والصور الفوتوتوغرافية  ذكرى  قيام  الدولة الرومانية الوطنية الموحدة في  الأول من ديسمبر  كانون الأول من عام 1918 باتحاد  إمارة ترانسيلفانيا مع الممكلة  الرومانية عقب  هزيمة  الإمبراطورية  النمساوية  المجرية في الحرب العالمية الأولى وتفككها . وبعد ثورة  عام  1989 أعلن  الأول من ديسبمر يوما  وطنيا  لرومانيا .

    إحدى الصور الأكثر انتشارا  هي  للتجمع الشعبي الكبير  الذي  جرى  في الهواء الطلق  قرب مدنية  ألبا يوليا  وأعلن  فيه   اتحاد إمارة  ترانسيلفانيا مع رومانيا .وقد أصبحت تلك الصورة   شعارا  لاحتفالات  اليوم الوطني ونجدها في جميع كتب التاريخ المدرسية ونشاهدها  في الأفلام الوثائقية حول أحداث عام 1918 وأيضا في المتاحف والأماكن العامة . نشاهد  في  تلك  الصورة  الجماهير التي حضرت   التجمع الشعبي الكبير وكان  معظمها من الفلاحين يردتون اللباس الشعبي التقليدي. لكن  الصورة  تظهر أيضا  بعض الرجال  بالزي العسكري.  في وسط الصورة  نشاهد  رجلا مسنا يحمل في يده اليسرى علم  رومانيا الوطني   بألونه  الثلاثة الأحمر والأصفر والأزرق.  وإلى جانب  ذلك الرجل المسن  نشاهد ستة رجال آخرين يحملون أيضا أعلاما ثلاثية الألوان . وقد  انتشرت هذه الصورة  وعرضت  في  مناسبات شتى  إبان  الحقبة الشيوعية  لرومانيا   أراد  النظام الشيوعي بترويجه  لها  أن  يثتب نظريته   القائلة بأن  الفلاحين  لعبوا دورا  حاسما  في تحقيق  الاتحاد  وقيام  الدولة  الوطنية  الموحدة .

     في الوقت  نفسه  استخدم النظام  الشيوعي  تلك الصورة  لتهميش  صورة  أخرى  لنفس  الحدث  ظهر فيها أسقف  كنيسة  الروم  الكاثوليك في  رومانيا   يوليو  هوسو الذي قرأ أمام  التجمع  الشعبي الكبير بيان  الاتحاد  ولكنه اعتقل وسجن  لأسباب سياسية   بعد  تولي الشيوعيين  السلطة .

    صورة آخرى  نالت  نصيبا  مماثلا من النشر والترويج  تظهر مجموعة من النساء والرجال  من سكان  قرية غالتسيو بمحافظة ألبا. نشاهد  في الخلفية  أشجارا  وعلى اليسار نرى  فلاحا  باللباس الشعبي التقليدي باللونين الأبيض والأسود وفي يده علم  رومانيا . وترفع النساء والرجال لافتة  كتب عليها  ” يحيا الاتحاد ورومانيا الكبرى”.

    الفنان  الذي  التقط  الصورتين الأيقونيتين  التاريخيتين  هو سامويلا مارزا  الملقب بـ “مصور الاتحاد”  وهو ابن  قرية  غالتسيو  التي  تظهر في الصورة الثانية . وقد التقط  مارزا  صورا  أخرى  لأحداث الأول من ديسمبر عام 1918  لكنها أقل انتشارا  وشهرة . ولد  سامويلا  مارزا  في  عام 1886 وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية في مدينة   ألبا يوليا  تدرب  على  التصوير الفوتوغرافي على يد مصور في مدينة  سيبيو. إبان الحرب العالمية الأولى عمل في خدمة الطبوغرافية والتصوير الفوتوغرافي لدى الجيش النمساوي المجري.

    بعد  انتهاء   الحرب  التقط مارزا ثلاث صور فوتوغرافية أثناء  مراسم  تقديس العلم ثلاثي الألوان  التابع   للمجلس العسكري الوطني الروماني  وهي المراسم التي جرت في الرابع عشر  من نوفمبر تشرين الثاني  عان 1918. قبل أربعة أيام من  إعلان  اتحاد  إمارة ترانسيلفانيا مع رومانيا  عاد  مارزا إلى قريته  حيث  التقط ثلاث صور فوتوغرافية  للقرويين   ثم  اتجه إلى  مدينة  ألبا  يوليا  راكبا  دراجة هوائية  ومعه  آلة  التصوير والحامل ثلاثي القوائم والألواح الزجاجية . ولكن بسبب  ثقل  الأجهزة والطقس الغائم التقط سامويلا مارزا خمس صور  فقط   أثناء التجمع الشعبي الكبير  ثلاث منها للجمهور واثنتان للشخصيات  التي  اعتلت  المنصة  الرسمية أثناء  قراءة بيان  الاتحاد. في مطلع  عام 1919  نشر سامويلا مارزا صوره في ألبوم بعنوان “وجوه في  التجمع الشعبي الكبير بمدينة ألما يوليا  “

    في عام 1918  كان القس لدى كنيسة الروم الكاثوليك  غيراسيم كابالنا في الرابعة والعشرين من العمر وفي عام  1970  تذكر في حديث  لمركز التاريخ المروي  التابع للإذاعة الرومانية  كيف تم  حشد  الجمهور  للمشاركة في التجمع  الشعبي الكبير بمدنية  ألبا يوليا  كيف شاركت  الأسقفية التي كان يخدم  فيها في تلك  الاستعدادات :تم  حشد  الناس  شفهيا   من قبل القساوسة والمعلمين. وقد  كان  مقررا أن  يقام  التجمع  في عيد  رئيسي  الملائكة  ميخائيل وجبرائيل  الموافق  للثامن من نوفمبر. لكنه تقرر لاحقا  تقديم  الموعد  بأسبوع   على أن يكون الموعد الجديد   الأول من شهر ديسمبر. لقد  كان  التجمع حاشدا   في المدنية  وامتلاء المكان   بالجماهير حتى  أصبح من الصعب  التحرك  فيه . وقد تم تنظيم قيادة  التجمع واختير  رئيسا له هو غيورغي بوب دي باسيشتي  وكان هناك أيضا  رجل السياسة  فايدا فويفود  الذي كان عضوا  بارزا في الحزب الوطني  الروماني في ترانسيلفانيا  إلى جانب   النائب الدكتور تيودور ميهالي.

    ولكن المنظمين  الحقيقيين  للتجمع  هم الكهنة والمدرسون ولو لاهم لما كان  بالإمكان  تنظيم مثل هذا التجمع  الشعبي الكبير بيد أنهم  خاطروا بحياتهم. وقد قام أولئك  بإعداد  قوائم  باسماء الراغبين  في  الذهاب  إلى مدينة  ألبا يوليا  وذلك من أجل  الحصول على تذاكر القطار فيما خصصت لنا السكك الحديدية عددا من  القطارات   فغادرنا قرانا  على  متنها  متجهين إلى  ألبا يوليا  .أمضيت  يومين  في الطريق أنا  ومائة  آخرين ووصلنا إلى  ألبا  يوليا قبل يوم من انعقاد  التجمع   ولكن  كثيرين  منهم  لم  يجدوا في المدينة  أماكن  يبيتون   فيها  فناموا  في الهواء الطلق  أو جابوا الشوارع  طول الليل .”

  • تيتو مايوريسكو

    تيتو مايوريسكو

    تأسست جمعية “الشبيبة” في  مدينة   ياش عام 1863 من قبل  مجموعة من المثقفين البارزين  ومن بينهم  المحامي والناقد الأدبي والكاتب والصحفي تيتو مايوريسكو. كانت  الجمعية   بمثابة  منتدى أدبي وفكري  دعا  مؤسسوها إلى  التغيير على  الطراز الغربي  والإصلاح اجتماعيا وثقافيا  وسياسيا. رسالة  أولئك  المثقفين  تحولت إلى تيار  فكري وأدبي  جديد  أطل   أطلقوا  عليه  التيار  الشبابي وأسسوا  جمعية  الشبيبة للمفكرين والأدباء  .

    وقد  ساهم  تيتو  مايوريكو بالترويج  للتيار الشبيبي  وساهم في  جذب  المزيد من المؤيدين له من بين المفكرين والأدباء . بالإضافة إلى ذلك  كان  مايورسيكو  راعيا  للكثير من الكتاب والمفكرين  الشباب  الذين انضموا  إلى التيار   الشبيبي  وترك بصمات عميقة على مسيرتهم  الأدبية . وكان ميهاي إيمينسكو شاعر رومانيا الوطني   واحدا من  أولئك الشباب .

     ولد تيتو مايوريسكو عام 1840 في مدينة  كرايوفا  وتوفي في  عام 1917 في بوخارست عن عمر ناهز السابعة والسبعين . كان والده إيوان مايوريسكو أستاذا  جامعيا  ودبلوماسيا ومؤلفا لكتب التاريخ وشارك  بشكل فاعل  في ثورة عام   1848 في إمارتي  فالاهيا  وترانسيلفانيا  الرومانيتين  . أما نجله  تيتو  فدرس القانون والآداب والفلسفة في فيينا وبرلين وكذلك في جامعة السوربون .

     

    مسيرته  المهنية  بدأت  مبكرا  بينما  كان  في  السابعة عشرة من العمر عندما حاول نشر ترجماته الأدبية في صحيفة  مؤثرة ناطقة باللغة الرومانية  كانت  تصدر في إمارة  ترانسيلفانيا في وقت كانت  فيه  الإمارة  تخضع  لسيطرة الإمبراطورية  الهابسبورغية. بعد التخرج  أصبح مدرس علم النفس واللغة الفرنسية. وفي عام 1861 نشر أول نص فلسفي باللغة الألمانية  متأثرا  ببعض التيارات  الفسلفية  التي كان قد درسها  في برلين .

     إرث مايوريسكو  من الكتب والأبحاث  ضخم  إذ ألف  عشرات الكتب   في النقد الأدبي والفلسفة وعلم الجمال والمنطق والتاريخ والبلاغة أما  دفاتر مدوناته   العشرة  فتعتبر  أضخم  كتاب في تاريخ الأدب روماني. تزوج  تيعتو  مايرويسكو  في عام 1862 من تلميذته كلارا كريمنتس  وأنجب منها ابنة  واحدة  .

    في عام 1862 بعد عودته إلى رومانيا عين   مدعيا عاما في محكمة إلفوف وبموازاة  ذلك ألقى  محاضرات في  تاريخ الرومانيين في جامعة ياش وفي قواعد اللغة الرومانية وعلم التربية وعلم النفس في إحدى  المدارس الثانوية. خطاباته  في المؤتمرات العامة تناولت  القانون والأدب والتاريخ والتربية.

    قد يبدو انخراط  مايوريسكو  وكفاءاته العالية  في  كل تلك  المجالات  – من المحاماة إلى النقد  إلى  العمل الصحفي  مفرطا افي يومنا هذا   ولكن  الظروف  التاريخية  التي  عاصرها  اقتضت  انخراطا  كاملا  للمثقفين في عملية  الإصلاح  والتغيير  الشامل  التي  كانت جمعية الشبيبة  تدعو  إلى  تحقيقها ..

    المؤرخ الأدبي أيون بوغدان ليفتر تحدث  عن   مشاركة تيتو مايوريسكو في جهود الإصلاح  التي  كانت  قلة  من  النخب  قد  أخذتها  على  عاتقها  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر:”كان  المجتمع بحاحة إلى   تغيير  شامل وإعادة  تأسيس لكل شيء  تقريبا بما في ذلك البلاغة ومهارات إلقاء الخطابات . فقد  بذل مايوريسكو جهودا كثيفة  من أجل  إتقان  أساليب  البلاغة  في الخطاب  العام متدربا عليها  في المقالات  التي كان يكتبها  للصحافة اليومية .لكن  المجال  الذي  تألق فيه  مايوريسكو هو النقد الأدبي  ساعده في ذلك  الحدس    القوي  الذي امتلكه  ومكنه  من  إدراك  وفهم  قيمة  الأعمال الأدبية  التي كان يتانولها  في   مقالاته النقدية  .

    على سبيل المثال  يظهر  حدسه  الاستثائي  في  المقدمة التي كتبها  لديوان   الشاعر ميهاي   إيمينيسكو  التي  تنبأ  فيها  بالقيمة  العالية  غير المسبوقة    لشعر  إيمينسكو  في وقت  كان  فيه المجتمع غير مستعد  بعد  لإعطاء الشاعر   نصيبه   من التقدير والتكريم  . أدرك   أيضا قيمة أعمال يون كريانغا  ويون  لوكا كاراجيالي  وفهمها  وفهم أنها  تمثل  ظاهرة  جديدة  واتجاها  جديدا   في  الأدب  الروماني.”

    كان  النقد  الأدبي المجال المفضل  لدى مايوريسكو بحسب  أيوان بوغدان ليفتر : “مايوريسكو كان صاحب   رؤية  حضارية  عميقة  في وقت كان فيه الإنتاج  الأدبي  لا يزال شحيحا  . مساهماته في تطوير النقد  الأدبي  هي المقالات التي  كتبها  والتي  تعتبر أساسية  وتأيسية  في  آن  واحد  كون  مايوريسكو  أول  ناقد  أدبي  في  رومانيا  . أما  مساهمته  في  تأسيس وهيكلة  تخصصات اجتماعية وإنسانية   أخرى في رومانيا  فلا تقل  أهمية  عن  مساهمته في تأسيس النقد الأدبي .”

     

    لم  يبق  مايوريسكو  بعيدا  عن السياسة حيث  أيد   حزب المحافظين ولكنه مثل  فيه  التيار  الشبابي  الليبرالي المحافظ  .وكان نائبا  في البرلمان  اعتبارا من عام 1871   وتولى حقيبة  التعليم  في أكثر من حكومة  محافظة حيث وضع مشروع  قانون  إصلاح  التعليم في المناطق الريفية  واهتم  بتنظيم  التعليم العالي  . بين عامي 1912 و1913 كان رئيسا  للوزراء ووقع  اتفاق  السلام مع بلغاريا   بعد انتهاء  حرب البلقان الثانية وفي عام 1914   أعلن انسحابه  من العمل السياسي  لأسباب  شخصية .

    توفي  تيتو مايوريسكو  في  الثامن عشر  من يونيو  حزيران  عام  1917عن  عمر ناهز السابعة والسبعين  .

     

  • القطار الملكي

    القطار الملكي

    في  شهر أكتوبر  تشرين الأول  الماضي  أطلق  تيودور فيشان ميو وأندريه بيريندي كتابهما   بعنوان “قصة القطار الملكي”  وهو  بحث  علمي   بثوب أدبي  في  تاريخ  الأسرة المالكة  الرومانية وأحد  أبرز رموزها  ألا وهو   القطار الملكي.

     يستخدم  القطار الملكي  حاليا من قبل  أفراد  العائلة المالكة   السابقة  وضيوفهم من  الرومانيين والأجانب  ويتكون القطار من قاطرة بخارية  وخمس عربات  هي  عربة المطعم وعربة  الملك  وعربة  الملكة  وعربة  الضيوف بالإضافة إلى  عربة  موظفي  الأسرة المالكة . حول أهمية القطار وتاريخ   السكك الحديدية في رومانيا  حدثنا  أحد مؤلفي الكتاب  المؤرخ تيودور فيشان ميو المعروف  باهتمامه  بتاريخ الأسرة   المالكة  الرومانية  :

    “بداية أود  التوضيح  أنه  كان  هناك  عبر التاريخ أكثر من  قطار ملكي  .  أما الذي نحن بصدده فهو الوحيد  الذي تبقى لنا  منها وهو تحديدا  القطار  المصنوع في مصانع إرنستو بريدا بمدينة   ميلانو الإطيالية والذي  بدأت  الأسرة المالكة باستخدامه   في  عام 1928  . مما لا شك فيه أن أهمية القطارات الملكية  مرتبطة  بضرورة  تأمين  الظروف المناسبة    لأفراد الأسرة المالكة للسفر لمسافات طويلة  وهي  ظروف لم يكن  بالإمكان  توفيرها إلا  في القطارات الخاصة. كما تجدر الإشارة إلى أن  تاريخ القطارات الملكية  هو جزء لا يتجزأ   من  تاريخ  السكك  الحديدية  في رومانيا   والذي تعود بداياته  إلى  عهد الأمير كارول الأول  الذي أصبح مالكا  لرومانيا  في عام 1866.  فلدى  وصول الأمير كارول  إلى  رومانيا  قادما من ألمانيا   في عام  1864  لاعتلاء عرش إمارتي مولدوفا وفالاهيا  المتحدتين  لم  يكن هناك  كيلومتر واحد من  السكك الحديدية غير أن مشاريع  عديدة  بهذا الشأن  كانت طرحت على  بساط البحث  منذ سنوات  طويلة  دون أن  تجد  طريقها إلى التنفيذ .  ولكن  الأمير  كارول  الأول  ساهم   شخصيا  في تسريع الأمور والبدء بإنشاء  السكك الحديدية في البلاد  .”

    ماذا عن   مصير القطار الملكي  في الحقبة  الشيوعية ؟ تيودور فيشان ميو :

     “النظام  الشيوعي   حافظ على  القطار الملكي واستخدمه  لرحلات  المسؤولين  رفيعي المستوى  لمسافات  طيولة نظرا  لدرجة  الراحة العالية  أثناء السفر على  متنه  .  فكان   غيورعي غيورغيو ديج  الزعيم الشيوعي الذي   استخدم القطار  الملكي  في خمسينيات  ومطلع الستينيات  من القرن الماضي . أما    نيكولاي تشاوشيسكو  فاستخدم   قطارا آخر  صنع   في  مدينة أراد  الرومانية  ومع ذلك  حافظ  على   القطار الملكي  وطالب   بتحديثه   في التسعينيات  لاستخدامه لرحلات  خصوصية .”

    يمثل  القطار الملكي  نقطة جذب لهواة التاريخ  . وقد  نظمت  رحلات على  متنه  إلى  مختلف  الوجهات   للسماح   للجمهور  بمشاهدته وحتى زيارته.  ولكن   للقطار  الملكي    مغزى  تاريخيا  هاما   كونه القطار  الذي استقله  الملك ميهاي آخر ملوك  رومانيا   لمغادرة البلاد  ليلة  الثالث  من يناير كانون الثاني عام  1948  بعد  أن أجبره الشيوعيون  على   التنازل  عن العرش  في الثلاثين  من   ديسمبر  كانون الأول عام   1947:

    “من المؤكد أن القطار يحظى باهتمام  كبير من قبل الجمهور   لأهميته التراثية. فقد تجلى  هذا الاهتمام    أثناء  عرضه   في  محطة  القطار الرئيسية  في بوخارست  حيث تدفق   الجمهور  إلى المحطة  لزيارته. كذلك  تدفق الناس  لمشاهدته   أثناء   رحلات أفراد الأسرة  المالكة  على  متنه إلى  مختلف الوجهات في رومانيا  اتبداء  من  عام 2012 . والجدير   بالذكر  أن  الأسرة  المالكة  نفسها   بادرت  بتنظيم   مثل هذه الرحلات ومن بينها  الرحلة  التي نظمت  لأعضاء اتحاد الكتاب في عام 2009  على  متن القطار الملكي  بمناسبة  ذكرى مرور مائة  عام  على   تأسيس  مؤسسة  الكتاب  والتي  أصبحت  لاحقا  اتحاد الكتاب في رومانيا  . بطبيعة  الحال  لا يمكن   استخدام هذا القطار بإفراط  لأهميته   التاريخية  حيث كان  القطار الملكي شاهدا  على  أحداث  هامة في  تاريخ رومانيا ومن بينها رحيل  الملك  كارول الثاني  والد  الملك  ميهاي   عن  رومانيا  في عام  1940  وثم  رحيل   الملك  ميهاي عن رومانيا   في عام  1948 وأخيرا  مراسم   تشييع  جنازة  الملك ميهاي   حيث استخدم القطار الملكي    لنقل الموكب الملكي من بوخارست إلى المقبرة  الملكية  في   بلدة  كورتيا دي أرجيس .”

    تداولت  الدعاية الشيوعية خرافات  مدعية  بأن القطار الملكي  خرج من رومانيا  محملا   بثروات  وكنوزى    بأمر  من الأسرة المالكة   قبيل  مغادرتها  البلاد  في يناير كانون  الثاني عام 1948  بعد  تنازل الملك  ميهاي  عن العرش  تحت ضعط  السلطات  الجديدة الموالية  لموسكو   وبدعم من الجيش السوفييتي . تيودور فيشان ميو مرة أخرى  :

    “تداولت في الفضاء العام  القطار  خرافة   تتعلق برحيل الملك  ميهاي عن رومانيا  حيث قيل أن  القطار  كان  محملا  بثروات لا تحصى وقت  خروجه من البلاد .. لكن دراسة   أرشيف   جهاز  الأمن الشيوعي  دحضت تلك الخرافة  كما   نفتها  روايات أفراد  حاشية   الملك الذين رافقوا الأسرة المالكة   في  تلك الرحلة بقولهم بأن الملك وأقاربه    خضعوا  لمراقبة صارمة  قبيل  السفر  ولم يسمح   لهم  إلا  بأخذ  بعض الأمتعة الشخصية  عديمة  القيمة  فيما  صودرت منهم  المجوهرات وأطقم المائدة  الفاخرة  وكل الممتلكات  القيمة  الأخرى “.

  • تيودور أمان  – مؤسس  مدرسة الفن الرومانية

    تيودور أمان – مؤسس مدرسة الفن الرومانية

    كان   تيودور أمان  أول رسام  روماني  كلاسيكي عظيم . كان رساما ونحاتا وأستاذا في مدرسة  الفنون الجميلة  التي   قام  بتأسيسها  بنفسه  بمساعدة   الرسام  الكبير غورغي   تاتاريسكو ويعتبره  النقاد  رائد الفن   الحديث  في رومانيا   لمساهمته  في  تحقيق  انفتاح  الثقافة المحلية على   الثقافة  الأوروبية  والحداثة  ولدوره  الكبير   في تطوير الفنون  والمؤسسات ذات الصلة في إمارتي مولدوفا وفلاهيا المتحدتين.

    عن مساهمة  الرسام   تيودور أمان  في  تأسيس مدرسة الفنون  الجميلة في بوخارست تحدثنا  مسؤولة  متحف أمان   دوينا شوتيو: “أتيحت لأمان فرصة مغادرة  ولاية  فلاهيا  التي كان  ولد فيها عام  1831  والتي  كانت  خاضعة  لسيطرة  الإمبراطورية العثمانية  وعانت  من  تخلف شديد  ليتجه إلى باريس  وهو في التاسعة عشرة من العمر  . فقد  وصل إلى باريس  التي كانت   عاصمة للثقافة والفن   في ذلك الوقت    قادما  من  مجتمع  متخلف  للغاية   ليكتشف عالما كان  قد  تطور  وفق  قواعد مختلفة  وغريبة  عليه تماما . لكنه  تكيف مع البيئة الجديدة  تلك    لأنه  كان  ذكيا ومتعلما   رغم تخلف المجتمع  الذي   قدم   منه  إذ  كان  وقت  سفره إلى باريس  يجيد  لغات  أجنبية  وكان قد  درس  الموسيقى .

    كان  جادا   للغاية  واجتهد  في الدراسة وحصل على  نتائج  ممتازة . كان من المقرر أن يعود إلى  إمارة فالاهيا  في عام 1855 ولكنه  تلقى   رسالة  من  الأمير باربو شتيربي  نصحه  فيها  بألا  يعود إلى  الوطن  بعد  لأن الظروف  لم  تكن   مواتية  للفنانين .  فقد  بقي تيودور أمان  في باريس حتى عام 1858 وتعمق في  الدراسة   حتى  أصبح يتقن مختلف   تقينات الرسم . فمن  الواضح  أن النموذج  الذي احتذى  به أمان  هم رسامو  عصر النهضة   الذين  كان  ينبغي  عليهم  إتقان    أكبر عدد ممكن من التقنيات. وقد عاد  تيودور أمان إلى بوخارست  في عام 1858 عاقدا  العزيمة  على تأسيس  مدرسة  للفنون  الجميلة في بوخارست  . كان قد رأى بأم  العين  أين  وصل   المجتمع   الفرنسي ومعه  الثقافة  والفنون  بفضل التعليم والتربية  وأدرك أنه بدون  تعليم لا يمكن لأي  مجتمع أو شعب أن يتطور  .  فكانت أمينته  الكبرى   أن يؤسس  مدرسة”.

    عن  مساعي  تيودور أمان  الرامية   إلى  تأسيس مدرسة الفنون  الجميلة  في بوخارست قالت  دوينا شوتيو: “اعتبارا  من عام 1858  قام  أمان  بمساع  عديدة  لدى  السلطات  مطالبا  بدعمها   من أجل افتتاح  مدرسة  للفنون الجميلة  لكنه فشل .  وبعد  محاولات   فاشلة  متكررة شعر  بحزن شديد   لأنه  كان  يطالب  فقط  بقطعة أرض   ليبني  فيها  مدرسة  خاصة . وفي نهاية المطاف  حصل على  الموافقة  في عام 1864 أي بعد  اتحاد  إمارتي  مودلوفا وفالاهيا  بقيادة  الأمير  ألكسندرو  إيوان كوزا  الذي   كان  قد  أسس جامعة  ومدرسة للفنون  الجميلة  في  مدينة   إياشي  عاصمة  إمارة  مولدوفا  منذ عام 1860.

    في عام 1864  وقع   الأمير  كوزا على مرسوم تأسيس مدرسة الفنون الجميلة في بوخارست. والجدير بذكر أن  الفنان  تيودور أمان لم يكن  وحيدا  في  مساعيه  تلك  بل أيده دائما   وساعده  صديقه  وزميله  الرسام غورغي تاتاريسكو  الذي كان  قد  درس   الرسم  في روما  ووقف إلى جانب  أمان  في مساعيه الرامية  إلى  تأسيس المدرسة . وفي عام 1864  افتتحت  مدرسة الفنون الجميلة  في بوخارست  وعين   أمان مديرا  لها  وبقي  في  ذلك المنصب حتى وفاته في عام  1891.  افتتاح المدرسة  كان   إنجازا   كبيرا   لأن  المؤسسة  أتاحت  للكثير  من الشباب  الموهوبين  فرصة  تطوير مهارتهم  في مدرسة  مختصة  على  أيدي   فنانين  كانوا  درسوا  الرسم  في  الغرب .”

    عن الأستاذ تيودور  أمان  قالت ضيفتنا :  “قلت مرارا  أن  اسم أمان  كان سيبقى   خالدا  في  تاريخ الفن في رومانيا  كمؤسس لأول  مدرسة لفنون الجميلة في بوخارست  حتى بدون   انجازاته  الرائعة  كرسام . كان  مدرسا  موهوبا   بحسب  الوثائق  العائدة إلى النصف  الثاني من القرن التاسع عشر   والتي  تصفه   بالمدرس  المتميز والناجح . كما أن  هناك   شهادات  كثيرة  تشير إلى   حسن  معاملته   لطلابه .   لقد أحبهم أمان  وكأنهم  أولاده  فأحبوه وكأنه أبوهم  .

    لم يكن لديه أطفال وكان يعامل   طلابه وكأنهم   أبناؤه  . ولكننا  لا نتحدث  هنا  عن العلاقة الإنسانية  بين الأستاذ  ومريديه  فحسب  بل  أيضا عن  العلاقة  التعليمية   . كان أمان  مدرسا  عظيما  لأنه حصل   على  تربية  استثنائية  جعلت  منه  مدرسا عظيما  . من جانب   آخر  كان  أمان  مدرسا  كثير المطالب  ورفع  سقف  مطالبه إلى أعلى  المستويات .  ولكن جهوده لم  تذهب   هباء  إذ إن   أول الفنانين  الرومانيين   الكبار  في    أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين  درسوا  الرسم  على  يد  تيودور  أمان”.

    أحد  أجمل المتاحف في بوخارست  هو  متحف   تيودور  أمان  الذي أقيم في   منزل الفنان . وقد  قام  أمان   بتصميم  مخططات المنزل  بنسفه كما  قام  بتزيينه  برسومات   رائعة تعكس   على أتم  وجه شخصية  الفنان  المتميزة .

  • عائلة  تشيركيز

    عائلة تشيركيز

     تاريخ الهندسة المعمارية في رومانيا يعرفنا بعائلة  تشيركيز ذات الأصول الأرمنية التي انحدر منها خمسة مهندسين معامريين بارزين هم الأخوان غريغوري ونيكولاي  تشيركيز والأخوان غريغوري وأرتا تشيركيز بالإضافة إلى هريستيا تشيركيز .

     

    عن المهندسين المعماريين   الخمسة  حدثتنا  المهندسة المعمارية إليانا توريانو الأستاذة في جامعة “إيون مينكو” للهندسة المعمارية  في بوخارست ورئيسة اتحاد المهندسين المعماريين في رومانيا : “ولد الأخوان غريغور ونيكولاي تشركيز في  عام 1850 ودرسا في  في باريس. وبعد  عودتهما إلى رومانيا قاما  بتأسيس جمعية المهندسين المعماريين الرومانيين في عام 1891 وساهما في تأسيس مدرسة  الهندسة  المعمارية  في رومانيا . فالجميع يعلم  أن  غريغوري  تشيركيز هو من  وضع مخططات  القصر  الذي  يستضيف  مدرسة   الهندسة المعمارية في بوخارست . ولكن ما لا يعرفه  كثيرون  أنه كان أيضا  كبير المهندسين  لدى  بلدية  العاصمة بين عامي 1874-1879 وهو الذي  قام  بتصميم  مخططات  تنظيم  مجرى  نهر  دامبوفيتشا الذي يعبر العاصمة  ووضع أيضا  خطط التنظيم  العمراني  لبوخارست وذلك في عام 1883.

    ففد جاء غريغوري إلى رومانيا بعد سنوات من الدراسة في الخارج  وانخرط في عملية  تحديث العاصمة وفق المعايير العلمية العصرية . عين  مديرا  للبريد  وبصفته  تلك  تعاون  مع   مهندسين معماريين متخصصين مثل  الفرنسي  ألكسندر كلافيل.  كما أشرك  زملاءه وأصدقاءه من  مهندسي الجيل الجديد  في عملية  بناء مكاتب للبريد الروماني  في جميع المدن الكبيرة  . فالعديد  من مكاتب  البريد  في أنحاء البلاد  قد  بنيت   تحت إشرافه وفق  مخططات  موحدة  كانت  مناسبة  للسياق الحضري آنذاك .”

     

    انخرط  الاخوان  غريغوري ونيكولاي تشيركيز  بشكل فاعل  في  عملية  تحديث   بوخارست وتحويلها من مدينة شرقية بكل المقاييس   إلى مدينة  أكثر مواكبة  للمعايير الأوروبية: “ساهم  غريغوري في  وضع  الإطار العلمي  المنهجي لعمليات  ترميم  المعالم التاريخية  حيث كان يقول : ” إن  المبدأ الذي استرشد  به  يتمثل في  الحفاظ على المبنى  كماهو عليه وأن أقوم  بتقويته  وترميمه  وإعادة شكله  الأصلي قدر الإمكان  بإزالة  كل ما أضيف  عليه  عبر العصور من عناصر فائضة وبطريقة  غير  ملهمة “. لذا فيمكننا القول بأن غريغوري  تشيركيز أسس علم  ترميم المعالم التاريخية  في رومانيا.

     

    أما  شقيقه  نيكولاي  فكان  هو الآخر  مهندسا  معماريا  بارعا ولكنه  انخرط   أيضا  في العمل السياسي والاجتماعي  وكان  نائبا  وعضوا  في مجلس الشيوخ   وساعد أخاه  في تنفيذ مشاريعه المعمارية.   كان يصغر  غريغروي بعام واحد  وولد  وكلاهما   في  محافطة  فاسلوي بمنطقة  مولدوفا. كما  كان   نيكولاي    نائبا لرئيس نادي السيارات الروماني مطلع  القرن العشرين  . ومن أهم  إنجازاته  أذكر  التصميصات  الخارجية  في  القصر الملكي ومبنى مدرسة الطب البيطري  بالإضافة  إلى  الجناح الزراعي  في  معرض عام 1906 في بوخارست  وهو إنجاز  حاز  عنه على جائزة.”

     

    الجيل الثاني للمهندسين  المعماريين الذين  يحملون  لقب  تشيركيز  يمثله   الأخوان  غريغروي  وآرتا  تشيركيز  اللذان  ولدا  بعد  عشرين  سنة  من ميلاد  الجيل الأول ولوالدين مختلفين: “العائلة الثانية تحمل أيضا  لقب  تشيركيز ولكن   ليس لدينا أي دليل  على  وجود  صلة قرابة بين  العائلتين ومع ذلك  لا نستبعد ذلك. فبعد عشرين عاما   ولد  غريغوري آخر  لعائلة   تشيركيز أخرى  وثم  ولد  شقيقه  آرتا.

    درس الشقيقان   الهندسة المعمارية في مدينة  كارلسروهي ألمانية وقاما بتصميم وتنفيذ  مشاريع  معمارية عديدة  كما  انخرطا  في  الحياة  العامة   حيث  تقلدا  مناصب  في  بلدية  بوخارست  وشاركا  في جميع المشاريع  الإنمائية  لاتي بادرت بها – كما في تنظيم  معرض عام 1906 في  بوخارست .

     

    شقيق غريغوري –  آرتا تشيركيز  وضع  مخططات  مبنى الكازينو بمصيف  إيفوريا على البحر الأسود فضلا عن مخططات عدة  مبان ومرافق  في  مصيف كارمن  سيلفا  ما  جلب  له  جائزة  الاستحقاق  الصحي  ووضعه إلى مصاف  مؤسسي  السياحة  العلاجية  في رومانيا .وشدد  آرتا على  أهمية دراسة  تاريخ العمارة في رومانيا  إذ كان يشبه وضع الهندسة المعمارية في  مطلع  القرن العشرين  بوضع  سفينة  تائهة  مرجعا  ذلك  إلى عدم معرفة   تاريخها. وعليه  قرر  آرتا إطلاق مسابقة وطنية  لكتابة تاريخ  الهندسة المعمارية في رومانيا “.

    خامس  المهندسين المعامريين  الذين يحملون  لقب  تشيركيز  هو  هريستيا  الذي يعود له الفضل  في  تطوير  الطراز  المعماري  الروماني الجديد  في  مطلع  القرن العشرين.  ولا يزال هريستيا  حاضرا   في الذكارة الجماعية  بمنزل  عائلة  مينوفيتش الرائع  الذي  قام  بتصميمه  في  شمال العاصمة ..

  • شارع  بريزويانو

    شارع بريزويانو

    أحد الشوارع  الرئيسية  القديمة في بوخارست هو شارع بريزويانو  الذي يقع   أحد طرفيه في الوسط  التاريخي  للعاصمة ويتقاطع مع واحدة  من أقدم  الجادات  فيها وهي جادة إليزابيتا حاليا.  إنه أيضا أحد  الشوارع القديمة  التي حافظت على العديد  من  معالمها  التاريخية  القيمة .

     

    تاريخ شارع بريزويانو  يبدأ  في القرن السابع عشر وتحديدا  في عام 1703 عندما  منح   الأمير  كونستانتين برانكوفيانو  الإقطاعي الكبير  باتراشكو  بريزويانو  قطعة أرض كبيرة   لبناء  منازل عائلته  فيها   فسمى  بريكويانو باسمه   الحي السكني   الذي  نشأ  حول   منازله في ذلك المكان . وقد تطور الحي باستمرار خاصة  بعد أن  بدأت السلطات  بتجفيف المستنقعات  الواقعة على مقربة  منه  تمهيدا  لإنشاء  متنزه  شيشميجيو في  منتصف القرن التاسع عشر.

    ولكن رغم  دور الإقطاعي  باتراشكو في تطوير المنطقة  وتحديثها  إلا أن  الذاكرة  الجماعية  تنسب اسم  الشارع   بشكل خاطئ  للممثل إيانكو بيزيويانو  بحسب  مؤرخة الفن أوانا ماريناكي: “إنه أحد  الأخطاء الأكثر  ورودا  في سجل  الشوارع. ربما  لكثرة  الشخصيات  المعروفة التي   حملت  لقب  بريزويانو  على  مر العصور حتى  أخذ سكان بوخارست  يخلطون  بينها . فإلى جانب الإقطاعي الكبير  باتراشكو  بريزويانو  كان  هناك  ممثل  معروف  هو إيانكو بريزويانو  وأيضا  مدرس مشهور  قام بإصلاح نظام التعليم هو إيون بريزويانو.

     

    مما لا  شك فيه أن  الشخصية  المركزية  في هذه القصة  هو الإقطاعي الكبير  باتراشكو بريزويانو الذي قام في مطلع  القرن الثامن  عشر بترميم  كنيسة  قديمة  كانت تقع  على  مقربة  من منزله  وسميت لاحقا  باسمه . كانت   مبنية  من الخشب أصلا  ولكن بريزويانو  أعاد بناءها  من الحجر في  عام 1710. وظلت  الكنيسة  قائمة  هناك   حتى عام 1959 غير أنها  كانت قد  تعرضت لزلزال عام 1940 المدمر وثم  للقصف  عام 1944  كما تضررت جراء أعمال التنظيم العمراني  التي  أجريت  في العاصمة في مختلف الحقب التاريخية  وفي نهاية  المطاف تم هدم الكنيسة.  ما أريد  توضيحه في هذا السياق  أن  الأحياء  السكنية  القديمة في وسط بوخارست قد  بني معظمها   في أراض ممنوحة بموجب عقود إيجار طويلة الأجل  وغالبا  كانت تلك الأراضي تقع قرب  كنائس . أما  الممثل بريزويانون والمدرس  بريزويانو  فلم يكن  لأي  منهما  منزل في ذلك الحي السكني  على الإطلاق .”

    على  عكس  الكنيسة القديمة وغيرها من المباني التي أصبحت أثرا  بعد عين لا تزال معالم  تراثية عديدة  قائمة  في شارع  بريزويانو ومن بينها  قصر جمارك  البريد الذي شيد ما بين عامي 1914 و1926  والمبنى  الذي كان  يستضيف مقر صحيفة  يومية  كبرى  في  الفترة ما بين  الحربين العالميتين  بالإضافة إلى  مبان  أخرى  نجت  من  ويلات  الزمن  رغم  هشاشة  البنية التحية  في المنقطة :  “اهتمت  السلطات  باستمرار   بإصلاح  شارع  بريزويانو وتبليطه  لأنه  كان  موازيا  لشارع   فيكتوريا  الرئيسي  كما  كان يتميز بجمال لافت  بفضل القصور الرائعة والمنازل الفخمة لسكانه من الإقطاعيون  الكبار والشخصيات  المرموقة . ولكن  إحدى المشاكل التي  عانت  منها المنطقة  تعلقت  بمتنزه  شيشميجيو  الذي  كان  لا يزال  يمثل  مصدرا   للفيضانات  والروائح  الكريهة  رغم  تجفيف  المستنقعات السابقة . فقد احتفظت الأرشيفات  بالرسائل التي كان  سكان شارع  بريزويانو  والشوارع  المجاورة  ومن بينهم  الرسام الكبير  تاتاراسكو  يوجهونها  إلى السلطات والتي  طالبوا فيها   بإيجاد حلول لوقف الفيضانات والتخلص من  الروائح الكريهة وخطر انتشار  الأمراض.”

    لقد وجدت  تلك المشاكل  طريقها  إلى الحل   فلا يزال شارع بريزويانو  يحتفظ  بالعديد من  المعالم  التاريخية   التي تشكل  إلى جانب  معالم أخرى    في وسط بوخارست  مثل   مقهى  كابشا  والنادي  العسكري  والقصر الملكي السابق ومبنى المتحف الوطني  للفن  جزءا  من التراث  العمراني  للعاصمة  الرومانية  .

     

  • طبيب الأمراض العصبية   غورغي  مارينيسكو

    طبيب الأمراض العصبية غورغي مارينيسكو

    إحدى  أبرز  الشخصيات  العلمية     في رومانيا  هو  الطبيب  غورغي مارينيسكو  الذي اقترن  اسمه  بأولى  الأبحاث ولى   حول الأمراض العصبية  وكان  أحد  مؤسسي علم الأعصاب  في رومانيا . ولد غورغي مارينيسكو في بوخارست عام 1863 وتوفي هناك عام 1938 عن عمر ناهز الخامسة والسبعين .

    درس الطب في بوخارست وفي عام 1889  وسافر  إلى باريس لمواصلة الدراسة حيث  التحق بفريق  طبيب الأعصاب الفرنسي الشهير جان مارتن شاركو. ثم  تعمق في دراسة  طب الأعصاب في  ألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا.  في عام 1897 حصل على درجة  الدكتوراه عن كلية الطب بباريس. وبموازاة  ذلك نشر  العديد  من أبحاثه الطبية  باللغة  الفرنسية في مجلات  مختصة  . عاد  الطبيب  غورغي مارينيسكو  إلى رومانيا   أوائل  وائل القرن العشرين وانتخب  عضوا في الأكاديمية الرومانية  وعين أستاذا في كلية الطب في بوخارست كما  عمل في قسم  الأمراض  العصبية في مستشفى كولنتينا ببوخارست.

     أقام  متحف بوخارست  الصيف  الماضي  معرضا مخصصا للطبيب بعنوان ” غورغي مارينيسكو – حياة مكرسة للعمل والعلم والتقدم”.

    الطبيب النفسي أوكتافيان بودا  أستاذ تاريخ الطب في جامعة “كارول دافيلا” للطب والصيدلة في بوخارست قال بتلك  المناسبة  إن الطبيب مارينيسكو كان شخصية  علمية  متعددة  الجوانب  وترك لمدرسة علم الأعصاب الرومانية إرثا  قيما من الدراسات والأبحاث :” اهتم جورجي مارينيسكو  على وجه  خاص  بما نسميها   اليوم  بعلوم الأعصاب. بصفتي  طبيبا للأمراض العقلية ومؤرخا  للطب  قمت بنشر العديد من المقالات حول أعمال  غورغي  مارينيسكو العلمية . وقد حظيت تلك  المقالات  بترحيب  كبير  وتداول  واسع في العديد  من  بلدان العالم . الأبحاث  العلمية  للطبيب  مارينيسكو بالغة الأهمية لمجالات  مرتبطة بعلم الأعاصب وتركز بشكل خاص  على  طريقة بناء  وهيكلة  الخلايا  العصبية . وقد استعان غورغي  مارينيسكو  في تلك  الأبحاث بأدوات  وأجهزة  اعتبرت  متطورة  للغاية  في حينها وساعدته  على   فهم كيفية عمل الدماغ البشري .

    أثناء سنوات  الدراسة في الغرب  عاش  مارينيسكو  وترعرع   في  بيئة فكرية وعلمية متقدمة . كان أحد أساتذته  طبيب الأمراض العصبية  الفرنسي  جان مارتن شاركو الذي ترعرت على يديه أجيال متتالية  من الأطباء المشهورين. وكان  له  تأثير قوي على طلابه  بمن فيهم  غورغي  مارينيسكو :”إذا سألتني من  هو الطبيب الروماني الذي حقق أكبر  شهرة  دولية فمن  الصعب علي الجزم . لكن بمجرد فتحنا   كتابا في  تاريخ علم الأعصاب  نجد فيه   الطبيب  الفرنسي شاركو  الذي كان  شخصية رائدة  في  مجال علم الأعصاب  آنذاك  وكان أصحاب الصالونات الثقافية  يتنافسون  على  استضافته  لشدة  إعجابهم  به  وبمناهجه العلمية المميزة  واستخدامه للتصوير الفوتوغرافي والفن السينمائي كوسيلة  لشرح نتائج  أبحاثه.  وقد احتذى  مارينيسكو حذوه فاستخدم مختلف  الأجهزة  والمعدات لشرح  نتائج  دراساته . كان شاركو في نهاية القرن التاسع عشر شخصية  علمية  وثقاقية  مذهلة  على المستويين المحلي الفرنسي والعالمي .وكان من بين من  استمعوا  لمحاضرات شاركو سيغموند  فرويد نفسه  الذي كان  معجبا  للغاية بدروس علم النفس وعلم الأمراض النفسية  للأستاذ شاركوا . “

    عاد  مارينيسكو  إلى رومانيا  في وقت  كانت  الدولة  تشهد فيه  تطورا  ملحوظا  وسريعا. أصبح مارينيسكو نموذجا  لطلاب جامعة  الطب :” كان السياسيون يخشون الدكتور مارينيسكو  لأنه  ترعرع  في الغرب وكان  رجلا  ذكيا  عرف كيف يضع الأمور في نصابها  وكان بالطبع ممثلا  للنخبة العلمية .فالمعروضات  التي نشاهدها  في متحف بوخارست  فضلا  عن أبحاثه التي  تتميز بمستوى علمي مرموق  تظهره  في صورة  رجل  شديد الانفتاح  على  كل ما هو جديد في مجال  الطب  وشديد  الاهتمام  بجعل  الثقافة الجامعية  المحلية  متوافقة  مع  المعايير  الغربية “.

     

     

  • الحمامات العامة  والخاصة وسياحة  العلاج  في إمارتي  مولدوفا وفالاهيا

    الحمامات العامة والخاصة وسياحة العلاج في إمارتي مولدوفا وفالاهيا

    كان الحمام العام  منذ قديم الزمان مكانا  يوفر  للمرتادين وسائل الحفاظ  على  النظافة الشخصية ممزوجة بوسائل  الترفيه  والتواصل الاجتماعي  في أجواء  مريحة ومسترخيةولكنه كان أيضا مكانا ملائما للتسامح  مع سلوكيات خارجة عن الأعراف  التي لم  تكن  مقبولة  في أي مكان  آخر. المجتمع  الروماني هو الآخر عرف الحمامت  العامة  التي  بدأت  تنتشر  في أمارتي  مولدوفا  وفالاهيا  مع  زيادة  النفوذ  العثماني  فيهما ابتداء من القرن الثامن عشر.

    المؤرخ تيودور دينو  بحث  تاريخ   الحمامات  وسياحة  العلاج  في الإمارتين في  النصف الأول من القرن التاسع عشر وتوصل إلى  استنتاج  أن   الحمام التركي  لم يكن أول مصدر إلهام لبناء هذا  النوع  من المرافق :”أولى الحمامات العامة  ظهرت في اليونان القديمة ثم  جاء الدور على  الرومان  القدامى لطويرها وتحويل الاستحمام إلى ثقافة  للرفاهية . فحمامات  الرومان القدامى لم  تكن  توفر للزبائن  النظافة  الجسدية   فحسب  بل أيضا يضا أيض المتعة  والترفيه . بعد  انهيار  إمبراطورية  روما القديمة  انتشرت الحمامات العامة في  الإمبراطورية البيزنطية ثم  في العالم الإسلامي الذي أصبح فيه  الاستحمام  تجربة  رائعة متميزة لتعدد طقوسها. ولكن  مع  انحسار النفوذ التركي في الإمارتين  الرومانيتين  وانتشار  الحضارة  الغربية    بعد عام  1821 أخذت الحمامات العامة  الشرقية  في الاختفاء  “.

     الحمام  الشرقي  المبني  على  الطراز التركي  والذي كان  منتشرا في   إمارتي  مولدوفا وفالاهيا  لم يرق  إلى مستوى الأصل ومع ذلك  كان له أهميته  للحضارة  المحلية  التي ما لبث حتى  أضفت  عليه  بعض  الملامح المحلية: “ظهرت  الحمامات العامة  التركية في الإمارتين  الرومانيتين منذ القرن  السادس عشر  في عهد الأمير إلكساندور ميرتشا الذي  كان قد  قضى سنوات طويلة منفيا  إلى  مدينة حلب. في القرن السابع عشر أمر الأمراء المنحدرون من  عائلة  كانتاكوزينو المرموقة  ببناء عدد  من الحمامات العامة ولكن طريقة تصميمها لم تلتزم تماما    بالنموذج الشرقي الأصلي. فمن المعروف أن  العثمانيين  اعتبروا   المياه  الراكدة نجسة لا يجوز الاستحمام بها   وبالتالي فإن  الحمامات  العامة  التركية   لم  تعرف الأحواض التي  نعرفها اليوم بل  كان  الماء المسخن يوضع في أوعية   ويسكب منها على الجسد.  أما  في حمامات  بوخارست  فكان  الناس يستحمون في   أحواض بمياه  دافئة  بحسب الوثائق  العائدة  إلى  أوائل  القرن التاسع عشر .

    من المعروف أيضا أن  الاستحمام على الطريقة الشرقية  كان  مصحوبا  بطقوس عديدة  زادت من  متعة  الزبائن  وأبرزها   التدليك والرش بماء الورد.   كما كان المرتادون   يحتسون  القهوة  الساخنة  المحضرة  من البن المحمص للتو  ويدخنون  الغليون . وقد أضاف  الرومانيون إلى الطقوس الأصلية تلك  بعض  العادات  المحلية  كشرب الخمور  وإحضار  فرق  العازفين  وإقامة  السهرات الصاخبة حتى ساعات  متأخرة  من الليل   حتى اضطر  حكام  بوخارست إلى حظر عمل الحمامات العامة  بعد الساعة العاشرة مساءً . معنى ذلك أن  الحمام العام كان يمثل   بيئة  متساهلة مع سلوكيات خارجة عن الأعراف .”

    إلى  جانب  الحمامات  العامة المبنية على  الطراز  التركي   ظهرت  في  منازل  الأغنياء  حمامات  خاصة  حتى  أصبح   عددها  يتجاوز  عدد  الحمامات العامة . أشهر  الحمامات الخاصة  وجدت  في قصر  عائلة  غوليسكو المرموقة  قرب  مدينة بيتيشتي.

    في   القرن التاسع عشر انتشرت أيضا في كلا الإمارتين  سياحة  العلاج حيث كان كبار الإقطاعيين  والموظفين يسافرون  مرارا إلى  حمامات  هيركولاني  غربي  البلاد: “كانت  حمامات  هيركولاني  الوجهة المفضلة  لدى  الإقطاعيين والموظفين  الكبار  رغم أن  الرحلة  كانت  مزعجة وشاقة  بسبب رداءة حالة  الطريق  في  جنوب إمارة   فالاهيا  واضطرار الرحالة  إلى عبور  جبال الكاربات  إلى مدينة  براشوف ومنها  إلى  هيركولاني .

    إذاَ كان عليهم  عبور حدود  الإمبراطورية  العثمانية  التي  كانت تسيطر على إمارتي  فلاهيا  ومولدوفا آنذاك  إلى  منطقة  ترانسيلفانيا التي  كانت  جزءا  من  الإمبراطورية  النمساوية وذلك   في وقت  اتسمت  فيه  العلاقات بين الجانبين بالتوتر. كما  صوب  الأغنياء  من الرومانيين  أنظارهم إلى  مراكز سياحية   أخرى  مماثلة  ومن بينها  بروسيك   الموجود  أيضا في إمارة  ترانسيلفانيا  وكارلسباد  في  تشيكيا  الحالية  وبادن بادن  بألمانيا .”

    تطور سياحة  العلاج  كان أبطأ  في إمارتي  فالاهيا ومولدوفا  مقارنة  بإمارة  ترانسلفانيا  :”كانت حمامات   هيركولاني  أول مركز لسياحة  العلاج  في   رومانيا  الحالية أما في الإمارتين  فكانت حمامات بوبوشتي  بإمارة   مولدوفا   أول  مركز  من هذا النوع  فيهما  وكان   يقع قرب بلدة  صغيرة اكتشفت فيها  في عام  1820   مياه  معدنية  ذات  خصائص اسثنائية ذاع صيتها   ليس  بين  سكان  المنطقة  فسحب  بل  أيضا  بين  سكان  بوخارست  . ونجد في إمارة  فالاهيا  أيضا حمامات  بوتشيواسا  التي كان يرتادها  النبلاء الروس  بالإضافة إلى  حمامات   بالتا ألبا  التي  اشتهرت  بالطين  الطبي  المسخرج  من البحيرة  التي  تحمل  نفس الاسم  .وكان  بالتا  ألبا  أجمل مركز  من  نوعه  في  إمارة  فالاهيا. “

     

  • متحف سيغيشوارا

    متحف سيغيشوارا

    سيغيشوارا هي واحدة  من المدن  الرومانية  التي  تفتخر  بحي  قديم  جميل  يعود إلى القرون الوسطى  يزوره الكثير من السياح  الرومانيين  والأجانب الراغبين في مشاهدة  المعالم التاريخية التي يحتضنها  وأهمها  المدينة المحصنة  التي  تتضمن هي الأخرى   معالم  تاريخية  وحضارية متميزة  لعل أشهرها  برج الساعة   الذي أصبح  بمرور الوقت شعارا  للمدينة . كما أن  المدينة  المحصنة  تستضيف  مهرجانا سنويا  لفنون القرون  الوسطى  يحضره جمهور  غفير من  محبي الموسيقى والمسرح والرقص وعروض الشارع .

    والجدير بالذكر أن أولى الآثار التاريخية  التي   اكتشفت  في  المدينة  تعود إلى  عصر الرومان  القدامى  وهي أنقاض   مستطونة وثكنة  عسكرية  أقيمتا على  أرض سيغيشوارا بعد استيلاء جيوش  الإمبراطورية الرومانية  على  المنقطة.  في القرن الثاني عشر الميلادي أرسل  ملك  المجر غيزا  إلى  المنطقة   مجموعات من الألمان القاطنين في وسط ألمانيا  الحالية لتولي  مهمة  الدفاع  عنها  أمام  الغزوات الأجنبية  فأقام  المستطنون الألمان عددا من  المدن في منقطة  ترانسيلفانيا ومن بينها  مدينة سيغيشوارا .

     أولى الوثائق الرسمية  التي  تشير إلى  المدينة  تعود إلى أواخر  القرن الثالث عشر. وعلى  مدى  الثمانمائة عام  من الوجود   تعاعقب على المدينة  فترات الهدوء والاستقرار  وفترات  الاضطرابات والأزمات  شهدت سيغيشوارا  أثناءها الغزوات وانتفاضات الفلاحين والحروب والحصار والحراك  الثوري فضلا عن  وباء الطاعون والحرائق. تاريخ  ملخص للمدينة  يقدمه متحف  سيغيشوارا   الذي يصادف  عام 2024  ذكرى تأسيسه   الخامسة والعشرين بعد المائة . مدير المتحف نيكولاي تيشكولا  حدثنا عن  بدايات  المؤسسة :”المتحف  هو عموما  المكان الذي  يحتفظ  بآثار وأعمال فنية    تسلط  الضوء على   هوية  الأمة التي تسكن  الأرض  المعنية  .فمتحف  سيغيشوارا  تأسس في  القرن  التاسع عشر الذي شهد تنامي   النزعات  القومية  في أوروبا مع  سعي مختلف  الأعراق    إلى الحفاظ  على  قيمها القومية والتعبير عنها.”

     في عام 1817 تأسس في بمدينة  سيبيو متحف  بروكنتال  كان ذلك الحدث  الذي   دفع  سكان  مدن أخرى  بتنظيم  متاحف مماثلة .وكان من بينها  متحف سيغيشوارا :  “أول  من قاموا  بتنظيم  مجموعة من المعورضات  هم  مدرسو  المدرسة الثانوية الألمانية  التابعة  للكنيسة  الإنجيلية وكانت  المجموعة  تتكنون من  أدوات  ومستلزمات مدرسية  . في عام  1879 أي في  فترة   سيطرة  الإمبراطورية  النمساوية على  منطقة  ترانسيلفانيا  استضافت  مدينة  سيغيشوارا  اجتماعا  للجمعية من أجل  ثقافة  الشعب  الروماني  وثم  اجتماعا  لمؤسسة  العلوم  التاريخية  في  شرق  الإمبراطورية النمساوية  .وكان أحد المبادرين  بعقد الاجتماع   عالم  اللاهوت والمؤرخ  كارل  فابريتسيوس والذي ولد في مدينة  سيغيشاورا  وكان  مدرسا في المدرسة الثانوية الألمانية  .وبمناسبة حضوره  الاجتماع   جمع  بعض الآثار والتحف الفنية من  المدينة  ومحيطها  وأقام  معرضا  بها  . كما أوصى  معاونيه الأصغر  سنا بتنظيم  متحف في المدينة  على  غرار متحف  بروكنتال  بسيبيو  لتسليط الضوء  على القيمة  التارخية  والحضارية  للمدينة  المحصنة.”

     تكللت  جهود  نخب  مدينة  سيغيشوارا من من أجل تخزين  وعرض  آثار الماضي  بالنجاح فإذا كان المدرس  كارل فابريتسيو  من بادر  بتأسيس  المتحف  وجمع  أولى  المعروضات  له كان  الطبيب  جوزيف باكون  من تولى  المهمة  من بعده  : “أحد المتطوعين الذين ساهموا في إقامة المعرض كان الشاب  جوزيف باكون. درس الطب وعاد  إلى سيغيشوارا  بعد التخرج  ليصبح  طبيب المدينة. في نهاية القرن التاسع عشر  قرر وجهاء المدنية   تنظيم متحف في  برج الساعة  الذي كان قد  استضاف في عام 1898  معرضا صغيرا  أطلق عليه  القاعة الأرستقراطية  .”

     شهد المتحف تغييرات  كثيرة  في العقود التالية:”استمرت عملية  جمع  وتنظيم  المعروضات  وأخيرا  افتتح  المتحف  في الخماس والعشرين  من يونيو حزيران  عام   1899.  وكان  من بين القائمين  عليه   مجموعة من الشغوفين للتاريخ  الذين أسسوا  جمعية  ثقافية   اتخذت  من مدينة  سيبيو  مقرا  لها وسعت  إلى الترويج  للقيم التاريخية والفنية  فأقامت معارض في مختلف المدن   لتعريف  الجمهور  بالفنانين التشكيليين في  منطقة  ترانسيلفانيا   وخاصة ذوي الأوصول  الألمانية . وقد تولت   الجمعية إدارة متحف  سيغيشوارا  حتى عام 1925. أما  بعد عام 1925 فأصبح المتحف تحت وصاية الكنيسة الإنجيلية  وأضيفت إلى معروضاته الأصلية  في السنوات التالية   مجموعات  جديدة  استعرضت   تاريخ سيغيشوارا  من العصر البرونزي إلى  الحرب العالمية الأولى. كما أقاموا  متحفا للأدوات  الكنسية ومعرضا   اثنوغرافيا صغيرا وحاولوا أيضا  تنظيم  حديقة   نباتات  قرب برج الساعة . فاعتبارا  من   عام 1933 يمكننا التحدث  عن  المجمع  المتحفي  بمدينة  سيغيشوارا.”

  • أعمال الأمير نيكولاي في المنفى

    أعمال الأمير نيكولاي في المنفى

    ولد الأمير نيكولاي في شهر آب  أغسطس عام  1903  وكان الشقيق  الوحيد للعاهل الروماني كارول الثاني  الذي بلغ سن الرشد في حين توفي  شقيقه  الأصغر ميرتشا  وهو طفل. ترعرع  الطفل  نيكولاي على يد والدته  الملكة ماريا  التي  منحته  قدرا  كبيرا من الحرية  فكان  طفلا    كثير الحركة  و النشاط  وأحب   الرياضة والسيارات منذ نعومة أظفاره.أرسل وهو مراهق إلى  كلية   إيتون  البريطانية المرموقة  حيث  تلقى تربية  بريطانية بكل المقاييس  تركت بصمات عميقة على شخصيته . لم يكن  معروفا  لعامة الناس  ربما  لأنه   قضى  معظم  حياته   في المنفى  بعيدا  عن  الوطن. لكن مشاركته  في  مجلس الوصاية  الذي  تولى   إدارة شؤون  البلاد   أثناء  فترة  غياب   الملك  كارول الثاني  ما بين  عامي 1927 و1930   أتاحت  للجمهور  فرصة  التعرف  عليه  وعلى أنشطته  العامة   بشكل أفضل  ..

     زواج  الأمير  نيكولاي  من  إيوانا دوليتي  رغم  أنف الأسرة  المالكة  كان  السبب الذي دفع  الملك كارول الثاني  إلى  إرسال شقيقه   إلى  المنفى   بعد  وقت  قصير  من  عودته إلى رومانيا   واعتلائه  العرش  مجددا  فقد  رفض  الملك  الاعتراف بالزواج رفضا قاطعا  غير أنه   كان   هو الآخر  قد  تزوج من  امرأة  لم  تقبلها  الأسرة  المالكة ولم توافق  على  زواجه  منها  . فقد غادر   الأمير نيكولاي  رومانيا   في مطلع  الثلاثينيات  من القرن الماضي  واضطر  للبقاء  بعيدا  عن الوطن  بسبب   تولي الشيوعيين  السلطة  في رومانيا  بعد  الحرب العالمية الثانية.

    حياة  الأمير  نيكولاي في المنفى  هي موضوع  كتاب  بقلم  ديانا مانداكي  بعنوان “الأمير نيكولاي . المنفى والتنافسات ” اعتمدت  المؤلفة  في كتابته   على  وثائق تاريخية  في الأرشيفات الرومانية  والأجنبية. وقالت  الكاتبة ديانا مانداكي  عن شخصية الأمير نيكولاي وتأثيره في مجتمعات الرومانيين  في المنفى:”كان نيكولايرجلا قويا وكان  عصبيا  وذا مزاج متقلب وفي الوقت نفسه كان مهذبا  وحسن السلوك  بفضل   التربية  البريطانية  التي  تلقاها أثناء  تواجده  في المملكة المتحدة  للدراسة  بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. ربما تجدر  الإشارة إلى أن   مدرس  الأمير نيكولاي  قام  أيضا   بتدريس  أبناء  الملك جورج الخامس ابن عم  والدته  الملكة ماريا وكان  لذلك المدرس  الفضل  الكبير في  تكوين  شخصية  الأمير وإرشاده  في لحظات معينة من الحياة.  المؤرخ نيكولاي إيورغا   الذي كان  يكن  مشاعر  تقدير صادقة   للأمير نيكولاي  قال إنه  يرفع   قبعته  وينحني  أمام  الأمير احتراما له  لقبوله  المشاركة  في  مجلس الوصاية  لأنه  بذلك  قد ضمن استقرار السلاسة  الملكية أثناء غياب   العاهل كارول الثاني  وهو  مجلس  كان  لا بد  منه في وقت كان فيه  ولي العهد  الأمير  ميهاي لا يزال قاصرا  غير مؤهل لاعتلاء العرش.  وكان  مجلس  الوصاية   يتكون  من بطريرك   الكنيسة الأرثوذكسية  ميرون كريستيا ورئيس محكمة العدل العليا جورجي بوزدوغان  والأمير نيكولاي  الذي انضم  إليه  بطلب  من  والدته  الملكة  ماريا . صحيح  أن  الأمير نيكولاي   كان  جاهزا   أخلاقيا  لتولي  مثل هذا المنصب  الرفيع  رغم  صغر  عمره  الذي  لم يتجاوز  الخامسة والعشرين  علاقيا   ومع ذلك   كان من الصعب  عليه أن يتخلي عن حياته الشخصية  من  أجل  جل  أحل  التفرغ  لوظيفة  في منتهى  الأهمية “.

    غادر الأمير نيكولاي  رومانيا  في عام  1937لكنه  كان نشيطا  في العمل الدبلوماسي  في المنفى في مدينة   البندقية  أولا  حيث  استقر لفترة  من الوقت  وثم  في  مدينة  لوزان بسويسرا . ديانا منداكي:”في  الأربعينيات أجرى  الأمير نيكولاي    لقاءات مع دبلوماسيين رومانيين لبحث    قضايا  سياسية هامة  بالإضافة  إلى   الشؤون  العسكرية  وتطورات   الحرب العالمية الثانية حيث أصر  على   ضرورة أن  تغير   رومانيا   سياستها  الخارجية  من أجل  الانضمام  إلى الحلفاء  . وكان الأمير  يفكر في  تشكيل  لجنة  للرومانيين الأحرار الأمر  الذي  لم  يكن  ممكنا  في  دولة  محايدة  كسويسرا التي  كانت  حظرت   الأنشطة السياسية أيا  كانت  .ومع ذلك  أجرى  الأمير   لقاءات   مع دبلوماسيين أجانب من  ممثلي  الدول الحليفة ومن بينهم   سفير الولايات المتحدة  ليلاند هاريسون  الذي   كان  تعرف  على  قضية نيكولاي منذ  اعتماده  سفثيرا  في بوخارست   عام 1937 . ربما هذا ما يفسر  كثرة  لقاءات  الأمير  بالسفير الأمريكي  وأيضا   بالوزير البريطاني  المفوض  في برلين . والحقيقة أن الأمير  كان يسعى  إلى  مراجعة الدستور الروماني  أو  صياغة دستور جديد  ولهذا الغرض استعان  بخبير قانوني سويسري  بعد أن أبلغ  السلطات  السويسرية  بذلك  .لكن  السلطات  السويسرية   طالبته  بوقف  اللقاءات السياسية تلك وإن  كانت تتخذ أحيانا  شكل مآدب العشاء  والاجتماعات الخاصة”.

     

    بعد تولي الشيوعيين  السلطة  في  رومانيا  كثف  الأمير نيكولاي  من نشاطه في المنفى مركزا على مجال   الثقافة  في محاولة منه   لتوحيد صفوف  الرومانيين  في المنفى :”بعد عام 1947 حول  الأمير نيكولاي  أنظاره   نظاره  إلى بلدان أخرى ومن بينها  فرنسا  على  خلفية   ارتفاع  عدد  الرومانيين  فيها   بعد  تنصيب الحكومة  الشيوعية  في بوخارست  ورحيل الملك.  ميهاي  كما اهتم  بالرومانيين  في  إسبانيا الذين  كان  مظمهم من العناصر  السابقة في الحرس  الحديدي اليميني المتطرف  في السنوات  ما بين الحربين العالميتين  كما اهتم  بالرومانيين  في   إيطاليا.  وقد لعب   الأمير نيكولاي دورا هاما   في تلك   الفترة  وكان  يبث  رسائل بمناسبة يوم المملكة الرومانية المصادف  للعاشر من مايو أيار  من كل عام على  أثير  إذاعة مدريد أو إذاعة روما وأقام  فعاليات   ثقافية  للرومانيين  المنفيين   في محاولة   لتوحيد صفوفهم . كما زار  الجاليات الرومانية في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وجمعياتهم  ومنظماتهم .تحدث إلى  الصحافة في إيطاليا وإسبانيا  حول  وضع الرومانيين في الوطن غي ظل  الحكم الشيوعي  لكنه  ركز على   الفعاليات  الثقافية  لأنه  كان   يعتبرها   وسيلة للدعاية. إبان  الحرب الباردة  قام  الأمير بتنظيم  أسابيع  ثقافية  رومانية  في ألمانيا الاتحادية وإسبانيا   ودعم المكتبة الرومانية في فرايبورغ  وأسس  مؤسسة الأميرة إيوانا الثقافية بعد وفاة زوجته.”

    توفي الأمير نيكولاي عام 1978 في مدريد ودفن  في لوزان. وقد نقلت  رفاهت وزوجته إيوانا دوليتي  إلى  رومانيا  مؤخرا وأعيد دفنها  في المقبرة الملكية بدير  كورتيا دي أرجيس  .